من هو فيليب زيمباردو؟ وما هي إسهاماته في نظرية الخير والشر؟

3 دقائق
فيليب زيمباردو

هل الأصل في الطبيعة الإنسانية هو الخير أم الشر؟ وهل يمكن لإنسان صالح أن يصبح عدوانياً ومُسيئاً بمجرد امتلاكه بعض مصادر القوة أو السُلطة؟ وماذا يمكن أن يجعل إنساناً خاضعاً لدرجة استكانته عند التعرُّض للإساءة؟

على الرغم من تعدد نظرياته المُقتَرَحة والمهمة في علم النفس حول "الخير والشر"؛ فإن فكرة "الخير والشر" كانت محور أهم نظرية لعالم النفس الأميركي فيليب زيمباردو؛ والتي تجسدت في "تجربة سجن ستانفورد" (Stanford Prison Experiment) الشهيرة التي أُجريت في عام 1971.

مَن هو فيليب زيمباردو؟

وُلد "فيليب زيمباردو" في 23 مارس/أذار عام 1933 في مدينة نيويورك، وحصل على درجة البكالوريوس من كلية بروكلين. وفي عام 1954، تخصص في ​​علم النفس وعلم الاجتماع، والأنثروبولوجيا - علم الإنسان، ثم التحق بجامعة ييل عام 1955 لينال درجة الماجستير ثم الدكتوراة في علم النفس عام 1959.

عمل زيمباردو بالتدريس بجامعة ييل لفترة وجيزة قبل أن يصبح أستاذاً لعلم النفس في جامعة نيويورك حتى عام 1967، ثم قضى عاماً في التدريس بجامعة كولومبيا. انتقل بعدها لجامعة ستانفورد ليصبح عضواً بهيئة التدريس بها في عام 1968، حتى تقاعد في عام 2003. وتم انتخابه رئيساً لجمعية علم النفس الأميركية (APA) عام 2002.

أهم أبحاث فيليب زيمباردو

أجرى زيمباردو أبحاثاً مهمة حول مواضيع متعددة في علم النفس؛ مثل الخجل، وسلوك الطوائف الدينية، وسيكولوجية البطولة التي أسس مشروعاً خاص بها؛ مشروع التخيل البطولي، وهي منظمة غير ربحية تهدف إلى فهم وتعزيز أفعال البطولة اليومية من خلال المبادرات البحثية والتعليمية والإعلامية المصمَّمَة لإلهام الناس ليصبحوا مؤثرين في التغيير الاجتماعي.

كما ألّف زيمباردو عدداً من الكتب التي تُدرَّس في فصول المدرسة الثانوية، ولطلاب علم النفس في الجامعات عن علم النفس التمهيدي.

وألّف أكثر من 50 كتاباً، ويُعدّ كتاب "تأثير لوسيفر: فهم كيف يتحول الطيبون إلى أشرار" (The Lucifer Effect: Understanding How Good People Turn Evil) أهمهم؛ والذي يتناول فيه نظرية الخير والشر لدى البشر.

تجربة سجن ستانفورد

تظل "تجربة سجن ستانفورد" لفيليب زيمباردو إلى يومنا هذا إحدى أكثر الدراسات أهمية في فهمنا لكيفية تأثير العوامل الخارجية على السلوك البشري، خاصة بعد ظهور تقارير حول انتهاكات السجناء في العديد من البلدان؛ ما يشير إلى أنها قد تكون أمثلة واقعية لنفس النتائج التي لوحظت في تجربة زيمباردو.

أُجريت التجربة في عام 1971 لتوضيح مدى تأثير أن يصبح الفرد سجيناً؛ مسلوب الإرادة والحرية، أو حارس سجن؛ يمتلك سلطة مطلَقَة، على تصرفاته.

بُنيت تلك التجربة على أخرى سابقة لها درست فكرة "الطاعة" ومدى تأثيرها على السلوك البشري؛ والتي أجراها عالم النفس الأميركي الشهير "ستانلي ميلغرام" (Stanley Milgram).

كان زيمباردو مهتماً بالتوسع في أبحاث ميلغرام، وأراد المزيد من التحقيق في تأثير الظروف المحيطة على السلوك البشري بوضع المشاركين في بيئة سجن محاكاة ودراسة ردود أفعالهم.

تأثير امتلاك السلطة على السلوك البشري

اختير لتلك التجربة 24 مشاركاً من طلبة الجامعة، وتم التأكُّد من أنهم لا يعانون من أمراض جسدية أو نفسية قد تؤثر في مجرى الدراسة، لأداء أدوار كل من السجناء والحرّاس، وكانت فترة الدراسة المُحددة هي أسبوعان.

أُعطي السجناء ملابس مهترئة، وتم وضعهم في زنازين بكل واحدة 3 أسرَّة، وكانت تتم مناداتهم بأرقامهم عوضاً عن أسمائهم. بينما ارتدى الحرّاس ملابس جيدة ونظارات لتقليل الاتصال البصري مع السجناء، وكذلك أُعطوا هرّاوات.

تم تكليف الحرّاس بالعمل في فرق من ثلاثة رجال لمدة ثماني ساعات. بعد كل وردية، سُمح للحراس بالعودة إلى منازلهم حتى وردية عملهم التالية، بينما لم يكن مسموحاً للسجناء بمغادرة ذلك السجن المحاكى. وتمكن الباحثون من مراقبة سلوك السجناء والحراس بالكاميرات والميكروفونات المخفية.

خضوع السجناء وإساءة الحرّاس

كان من المقرر في البداية أن تستمر تجربة سجن ستانفورد لأسبوعين؛ إلا أن التغيُّرات المُفجعة التي حدثت في سلوك الحرَّاس والسجناء أدت لضرورة إيقافها بعد ستة أيام فقط؛ حيث بدأ الحرّاس بإظهار السلوك القاسي والسادي تجاه السجناء، وأصبحت ردود أفعالهم عدائية للغاية، بينما بدأ السجناء يُظهرون علامات التوتر والقلق الشديد والاكتئاب، بالإضافة إلى السلبية تجاه ما يعانون منه.

علاوةً على ذلك؛ طال التغيُّر في الظروف وردود الأفعال الباحثين؛ حيث بدأت حقيقة الوضع تغيب عن بالهم، وكانوا يتغاضون عن السلوك التعسُّفي لحرّاس السجن، حتى أعربت طالبة الدراسات العليا كريستينا ماسلاش عن اعتراضها على الظروف في السجن المحاكى وأخلاقيات مواصلة التجربة.

مقابلات مع المشاركين

قدمت مجلة "خريجي ستانفورد" (Stanford Alumni) في عام 2011 عرضاً لتجربة سجن ستانفورد تكريماً للذكرى الأربعين للتجربة. واحتوت المقالة على مقابلات مع زيمباردو وباحثين آخرين، بالإضافة إلى بعض المشاركين في الدراسة.

اقترح ريتشارد ياكو؛ أحد السجناء في التجربة، أن التجربة أظهرت القوة التي يمكن أن تؤديها الأدوار والتوقعات المجتمعية في سلوك الشخص.

كذلك، فعلى الرغم من توجيه بعض الانتقادات لمدى صحة فرضية واقتراحات هذه التجربة؛ حيث تشير بعض الدلائل إلى أن الباحثين شجّعوا سلوك الحرّاس المسيء، وكان لهم دور في تعزيز الأفعال التعسفية للحراس؛ إلا أن فيليب زيمباردو أكّد أن هذه الانتقادات لا تقوِّض الاستنتاج الرئيسي للدراسة - أن الظروف يمكن أن تغير الإجراءات الفردية بطرق إيجابية وسلبية.

وأخيراً؛ بحسب تجربة زيمباردو المثيرة للجدل، قد يتحوّل الفرد الذي لا يمتلك نوايا الشر إلى طاغية بمجرد امتلاكه سلطة ما.

المحتوى محمي