رهاب اللمس: حين تصبح اللمسة الحانية مصدراً للخوف

4 دقائق
رهاب اللمس

بلمسة حانية؛ يستطيع الفرد نقل مجموعة كاملة من مشاعر الطمأنينة، والتعاطف، والراحة، والحب، فالحاجة إلى اللمس هي أحد أهم الأشياء التي يستمد منها الفرد الشعور بالأمان والحنو منذ الطفولة؛ والتي يجد فيها أيضاً وسيلة للتواصل الاجتماعي والتنظيم العاطفي في عمر مُبكّر. فوفقاً لنيكول مكنيكولز؛ الأستاذة المساعدة في قسم علم النفس بجامعة واشنطن، يمكن للمس أن يهدئ الجهاز العصبي لدينا ويبطئ ضربات القلب، كما تعمل اللمسة البشرية على خفض مستوى ضغط الدم والكورتيزول - هرمون التوتر لدينا، بالإضافة إلى إطلاق هرمون الأوكسيتوسين؛ وهو المعروف بتعزيز الترابط العاطفي مع الآخرين.

بينما يرتبط الحرمان من ذلك بنتائج صحية سلبية؛ حيث تشير إحدى الدراسات من جامعة هارفارد والتي فحصت نتائج الحرمان الحسي للأطفال في دور الأيتام برومانيا، إلى أن الأطفال المحرومين من اللمس تكون لديهم معدلات نمو منخفضة لدرجة كبيرة بالنسبة لفئتهم العمرية، كما تنتج عنه أعراض كالقلق، والاكتئاب والتوتر.

وفي ضوء تلك الفوائد والأضرار؛ ما الذي يجعل أحدهم يجد في اللمس مصدراً للإزعاج والخوف الشديدَين؟

الخوف من اللمس (Haphephobia)

يمكن تعريف الهافيوفوبيا بأنها ذلك الخوف غير المنطقي والمُفرِط من اللمس؛ والذي يمكن أن يسبب قلقاً أو ذعراً عندما يكون الفرد في موقف يتم لمسه فيه، وغالباً ما يؤدي ذلك الخوف إلى تجنب هذه المواقف.

تعتمد أعراض هذه الفوبيا على شدة اللمس ونوعه؛ الأمر الذي قد تنتج عنه في بعض الأحيان أعراض شديدة وشعور عميق بالخوف، ويمكن أن تسبب هذه الاستجابة القوية اضطرابات في الحياة وتعيق ممارسة الأنشطة اليومية.

في بعض الحالات؛ قد يتجنب الأشخاص المصابون بهذه الحالة أي موقف قد يتعرضون فيه للمس، فيقعون ضحايا لحالات شديدة من العزلة؛ الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الشعور بالقلق واضطرابات الاكتئاب الأخرى، ونوبات الهلع التي يمكن أن تشمل زيادة معدل ضربات القلب، والتعرق الزائد، والقشعريرة.

كذلك، فقد تظهر على الأطفال المصابين بهذا الرهاب الأعراض التالية عند لمسهم:

  1. بكاء شديد.
  2. الجمود في الموقف وعدم القدرة على التعبير عن مشاعرهم.
  3. نوبات الغضب.
  4. التشبث بمقدم الرعاية لهم.

اقرأ أيضا:

أسباب رهاب اللمس

في حين أن السبب المُحَدَّد للرهاب غير معروف؛ إلا أن هناك عدة عوامل قد تساهم في تطوّره؛ مثل الوراثة أو التجارب السلبية السابقة مع اللمس أو مشاهدة الآخرين يمرون بتجربة مؤلمة معه. كذلك، فقد لا يتذكر الشخص الحدث الذي تسبب في الرهاب، خاصةً إذا كان صغيراً في ذلك الوقت.

وفقاً لدراسة سويدية من معهد كارولينسكا لتحديد مدى انتشار الرهاب بين مجموعة من البالغين؛ والذين تراوحت أعمارهم بين 18 و70 عاماً، فقد أظهرت النتائج أن الفوبيا المُحددة (Specific Phobia)؛ مثل فوبيا اللمس، تكون أكثر انتشاراً بين النساء؛ حيث بلغ إجمالي انتشار الرهاب المُحدد 26.5% للإناث و12.4% للذكور.

وفقاً لموقع "ميديكال نيوز توداي" (Medical News Today)، ففي حين أن رهاب اللمس قد يحدث من تلقاء نفسه في بعض الأوقات؛ إلا أنه يمكن أن يكون مرتبطاً أيضاً بأنواع أخرى من الرهاب أو الاضطرابات، وتشمل:

1. الخوف من الجراثيم (mysophobia): قد يتجنب الشخص التعرُّض للمس بسبب الخوف من التلوث أو عدم النظافة.

2. الخوف من التجمُّعات (ochlophobia): يمكن أن يشعر الشخص المصاب بهذا النوع من الفوبيا أن يلمسه الغرباء في التجمُّعات.

3. اضطراب الوسواس القهري (OCD): قد يخشى الشخص المصاب بالوسواس القهري مواقف معينة خارجة عن إرادته؛ مثل أن يلمسه أشخاص آخرون.

4. اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD): يمكن أن يأتي الخوف من التعرض للمس من تجربة صادمة سابقة تضمنت اللمس؛ مثل مشاهدة أو التعرُّض لاعتداء جنسي.

اقرأ أيضاً:

كيف يتم علاج رهاب اللمس؟

تكمن إحدى أكبر العقبات في التغلب على الرهاب في تجنُّب الموقف الذي يسببه. لذلك؛ تهدف العلاجات إلى مساعدة الشخص على التعامل مع القلق المرتبط بخوفه والتغلب عليه تدريجياً.

يمكن أن تساعد خيارات العلاج المختلفة المرضى في التعامل مع الرهاب. وفقاً لكليفلاند كلينيك؛ تشمل بعض العلاجات المتاحة ما يلي:

  1. العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يتحدى هذا العلاج بالكلام الأفكار والسلوكيات السلبية وتحويلها إلى أخرى إيجابية؛ حيث يعمل الشخص المُصاب بالرهاب مع الطبيب النفسي للمساعدة في فهم طريقة تفكيره ومشاعره تجاه الشيء الذي يخاف منه، ومن ثم تغييرها. في أثناء الجلسات؛ يحدد المعالج الأفكار غير المنطقية المتعلقة بالرهاب، ويستخدم تقنيات لاستبدال الأفكار المُهيمنة بأفكار أكثر دقةً، وقد تكون تلك الجلسات فرديةً أو جماعيةً.
  2. العلاج بالتعرض: يُعرِّض هذا العلاج الشخص لحالات قد تؤدي إلى ظهور أعراض رهاب معين، ومن ثم مساعدته على التكيُّف معها. واعتماداً على شدة رهاب الخوف؛ يمكن لأخصائي الصحة النفسية استخدام طرق مختلفة؛ بما في ذلك التعرُّض المُتخيَّل أو الواقعي أوالتعرض للواقع الافتراضي.

من خلال العلاج؛ يتعرض الشخص تدريجياً لخوفه في بيئة آمنة وخاضعة للسيطرة على مدى أسابيع أو شهور. قد يبدأ هذا بتخيل أن يتم لمسه، والتقدم إلى أن يتم لمسه جسدياً أو الوقوف في مكان مزدحم. غالباً ما يكون علاج التعرض هو العلاج الأول للفوبيا، وهو ينجح لحوالي 90% من الأشخاص الذين يلتزمون به.

  1. تقنية الاستثارة الثنائية لحركة العينين وإعادة البرمجة (EMDR): غالباً ما يكون ذلك العلاج فعالاً للأشخاص الذين عانوا من الصدمات. في أثناء العلاج، يركز المريض على الذاكرة المؤلمة خلال تحفيزها بحركات إيقاعية محددة لمعالجتها والانتقال منها.
  2. الأدوية: قد تساعد بعض الأدوية؛ مثل حاصرات بيتا (Beta Blockers) أو مضادات الاكتئاب في علاج بعض أعراض القلق المرتبطة بالرهاب، وتخفيف القلق الفوري، وأعراض الهلع. غالباً ما تُستَخدم هذه الأدوية مع العلاجات النفسية.

آليات مساعدة

هناك بعض الآليات والتقنيات المساعِدة في إدارة نوبات الهلع؛ مثل تمارين التنفس وغيرها من تقنيات الاسترخاء، فالتركيز على أخذ أنفاس طويلة وعميقة يمكن أن يقلل من الأعراض الفورية للقلق عند لمس الشخص.

كذلك؛ يمكن أن تساعد ممارسة اليقظة الذهنية الشخص على فهم عمليات التفكير والسلوكيات وتطوير طرق أفضل للتعامل مع القلق. وجدت مراجعة إسبانية أجراها باحثون من جامعات جاومي وفالنسيا، أن اليقظة الذهنية فعالة في علاج ومنع القلق والاكتئاب.

بالإضافة إلى ذلك؛ تُعتبر ممارسة الرياضة، والحصول على وقت للاسترخاء وقسط كافٍ من النوم، طرقاً قوية لتعزيز الصحة العقلية بشكل عام.

وأخيراً؛ إن الخوف من التعرض للمس هو خوف يصعب التعامل معه، بشكل خاص بسبب التوقعات الثقافية والاجتماعية حول اللمس. لكن إذا استمر هذا الخوف لأكثر من ستة أشهر، وأصبح عائقاً للفرد في ممارسة أنشطته اليومية في حياته الشخصية والعملية؛ يجب على الفرد الاتصال بالطبيب للتوصُّل لأفضل طرق العلاج.

المحتوى محمي