Search Open Side Panel

سلطة الكلمات: عندما تتشابك الجمل في ذهنك وتعجز عن التعبير

4 دقيقة
سلطة الكلمات
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

تعد سلطة الكلمات اضطراباً لغوياً معرفياً تفقد فيه اللغة وظيفتها الأساسية باعتبارها وسيلة لنقل المعنى، على الرغم من سلامة المفردات المستخدمة ظاهرياً؛ إذ يتحدث المصاب بجمل صحيحة لغوياً لكنها مفككة دلالياً، وغالباً ما يظهر هذا الاضطراب بصفته عرضاً مرافقاً لاضطرابات نفسية م…

تؤدي اللغة والكلمات دوراً محورياً وأساسياً في تنظيم الأفكار والتواصل مع الآخرين، لكن تخيل معي قليلاً أنك تحاول بناء جسر من الكلمات لتتواصل مع الطرف الآخر، لكن الحروف تتبعثر وتتحول إلى مجرد ضجيج لا يفهمه أحد، والحقيقة أن هذا قد يحدث مع الكثير من الأشخاص الذي يعانون بعض الاضطرابات النفسية والعصبية، مثل مرض الفصام، في ظاهرة تعرف باسم "سلطة الكلمات"؛ وهو مصطلح يستخدم لوصف مزيج مشوش أو غير مفهوم من الكلمات والعبارات في أثناء الكلام، فما هي قصة ذلك المصطلح، وكيف يمكن التعامل مع هذه الظاهرة؟ الإجابة عبر هذا المقال.

ما هي سلطة الكلمات؟ 

تعرف "سلطة الكلمات" بأنها اضطراب لغوي يتسم بخلط عشوائي للكلمات والعبارات التي قد تكون صحيحة في حد ذاتها، لكنها تفتقر تماماً إلى أي معنى منطقي عند وضعها سوياً، حيث يواجه الأشخاص الذين يعانون هذا الاضطراب صعوبة في التعبير عن أفكارهم بطريقة متماسكة، وقد يؤدي ذلك إلى جمل تفتقر إلى البنية المنطقية، وتحتوي على كلمات وعبارات غير مفهومة.

وعلى الرغم من أننا قد نقع في زلات اللسان من وقت إلى آخر أو نخلط الكلمات معاً، لكن هذا الاضطراب شائع بين الأشخاص الذين يعانون حالات صحية نفسية معينة أو اضطرابات عصبية مثل الفصام أو الخرف، وغالباً ما تترافق ظاهرة سلطة الكلمات مع الأعراض الأساسية الأخرى لتلك الاضطرابات النفسية.

كيف تختلط الكلمات والجمل داخل أذهان المصابين بسلطة الكلمات؟

لا تظهر سلطة الكلمات بصفتها زلة لسان عابرة، بل هي نمط مستمر من التواصل غير المفهوم، ويمكن القول إن هذه الظاهرة تتجاوز التلعثم، وذلك لأنها تعكس تفككاً في العمليات الذهنية المسؤولة عن ربط الأفكار باللغة، ومن أهم أعراض اضطراب سلطة الكلمات: 

  1. كلام أو كتابة مفرطة وغير مترابطة.
  2. استخدام سلسلة طويلة من الكلمات تفتقر إلى فكرة أو معنى مترابط.
  3. التحدث بالقوافي أو الأصوات أو الجناس بدلاً من المعنى.
  4. الحبسة الكلامية، التي تعني صعوبة التحدث نتيجة مواجهة مشاكل في بناء جمل مفهومة.
  5. فقدان الهدف، بمعنى البدء بجملة ثم الانحراف عنها إلى موضوعات أخرى غير مترابطة تماماً.

اقرأ أيضاً: دليلك الشامل حول التأتأة أو التلعثم

ما هي أهم الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بسلطة الكلمات؟

سلطة الكلمات ليست مرضاً بحد ذاتها، بل هي عرض لاضطراب غالباً ما يكون عصبياً أو نفسياً، ويؤدي هذا الاضطراب إلى خلل في مراكز معالجة اللغة في الدماغ، ومن أهم الأسباب المسؤولة عن سلطة الكلمات: 

  1. الفصام: تعد سلطة الكلمات العرض الأكثر شيوعاً لاضطراب الفصام، حيث يعاني المريض تفككاً في التفكير يظهر بوضوح في أثناء حديثه مع الآخرين.
  2. الاضطراب ثنائي القطب: خاصة خلال نوبات الهوس الشديدة، إذ يتسارع التفكير لدرجة تجعل الكلمات تخرج على نحو غير مترابط.
  3. الخرف: تلف خلايا الدماغ يؤدي تدريجياً إلى فقدان القدرة على استرجاع الكلمات الصحيحة أو ربطها.
  4. السكتات الدماغية وإصابات الدماغ: تضرر الفص الصدغي قد يؤدي إلى ما يعرف بـ "حبسة فيرنيكه"، حيث يتحدث المريض بطلاقة وبإيقاع طبيعي لكن بكلام عشوائي غير مفهوم.

اقرأ أيضاً: ما هو الفصام البسيط؟ وكيف يمكن علاجه؟

4 طرق فعالة للتعامل مع اضطراب سلطة الكلمات 

يعتمد علاج اضطراب سلطة الكلمات على معرفة السبب الكامن، ومن ثم التعامل معه وفقاً لطبيعة المرض أو الاضطراب؛ على سبيل المثال، سلطة الكلمات الناتجة عن الخرف، قد تكون غير قابلة للعلاج، وعلى الرغم من ذلك يمكن للرعاية الداعمة المستمرة والتدخلات الطبية أن تساعد على إدارة الأعراض.

وعلى الجانب الآخر، فإن سلطة الكلمات التي تحدث نتيجة الإصابة باضطراب نفسي أو عصبي مثل الفصام أو اضطراب ثنائي القطب يمكن التعامل معها بالأدوية الطبية والعلاج النفسي، وذلك بالطرق الآتية: 

1. الأدوية المضادة للذهان

تعد هذه الأدوية الطريقة المثلى للتعامل مع اضطراب الفصام، حيث تعمل مضادات الذهان على خفض مستويات الدوبامين في الدماغ، ما يسهم في السيطرة على أعراض المرض، مثل الهلوسة والأوهام واضطراب التفكير، وعلى الجانب الآخر، تساعد مثبتات المزاج على إدارة أعراض الهلوسة في اضطراب ثنائي القطب.

2. العلاج المعرفي السلوكي 

يشرح المختص النفسي، محمد علي الاسطى، أن العلاج السلوكي المعرفي نوع من العلاج النفسي قائم على محاولة التوفيق بين 3 أركان؛ هي المشاعر والأفكار والسلوك، فالفكرة تولد شعوراً، والشعور يدفع إلى سلوك، والسلوك بدوره يغذي الفكرة من جديد.

والعلاج لا يرتكز على كسر أضلاع المثلث، لكن على إعادة التوازن بين أضلاعه، إذ يستهدف تحديد أنماط التفكير السلبية ومن ثم محاولة تغييرها، وفي حالة سلطة الكلمات تركز أدوات العلاج السلوكي المعرفي على تعليم الأشخاص المصابين مجموعة متنوعة من مهارات التأقلم للمساعدة على تحديد أنماط التفكير غير الدقيقة وتصحيحها. على سبيل المثال، في حالة الفصام، قد يستهدف العلاج السلوكي المعرفي الأفكار المتعلقة ببعض الأعراض مثل سماع الأصوات، والأعراض السلبية مثل الانعزال الاجتماعي.

اقرأ أيضاً: هل العلاج المعرفي السلوكي فعال ضد الاكتئاب؟ وكم جلسة يحتاج المريض؟

3. جلسات التخاطب 

تركز جلسات التخاطب على تحسين مهارات التواصل وتعليم المرضى استراتيجيات لتنظيم أفكارهم والتعبير عن أنفسهم بوضوح أكبر. على سبيل المثال، يمكن لمختص التخاطب مساعدة المرضى، خاصة المصابين بالسكتات الدماغية، على إعادة تدريب الدماغ لربط الكلمات بالمعاني.

4. التثقيف الأسري 

ويرتكز على مساعدة العائلات على فهم أعراض الفصام وتعلم كيفية دعم أحبائهم بفعالية خلال فترة العلاج، ويمكن القول إن التعامل مع اضطراب سلطة الكلمات يتطلب نهجاً شاملاً يجمع بين الأدوية والدعم النفسي؛ إذ يجب تصميم كل خطة علاجية لتناسب الاحتياجات الفردية لكل مريض، ما يساعده على استعادة السيطرة على أفكاره وتحسين قدرته على التواصل مع الآخرين، ومع مرور الوقت وتقديم الرعاية المناسبة، يمكن للعديد من الأفراد الحد بصورة كبيرة من تأثير سلطة الكلمات وتحسين جودة حياتهم تدريجياً.

كيف تتعامل مع شخص مقرب منك يعاني سلطة الكلمات؟

في الكثير من الأحيان تكون الإصابة بسلطة الكلمات أمراً صعباً يواجه المصابين به وكذلك الأشخاص المحاطين بالشخص المصاب، والذين قد يواجهون مشاكل في التواصل مع المريض بهذا الاضطراب، وفيما يلي بعض النصائح لمساعدة شخص تعرفه على التعامل مع سلطة الكلمات:

  1. كن داعماً: وأظهر الصبر والتفهم إذا كان الشخص المصاب يجد صعوبة في التعبير عن أفكاره.
  2. تحل بالصبر: امنحه وقتاً كافياً حتى لو كان الكلام غير مترابط، وشجعه على أخذ فترات راحة عند الحاجة ليظل هادئاً ومركزاً على المحادثة.
  3. اطرح أسئلة بسيطة: واجعلها أسئلة تتطلب إجابة بنعم أو لا فقط؛ للمساعدة في الحفاظ على مسار المحادثة.
  4. لا تبالغ في رد فعلك: ولا تحاول تصحيح الكلمات الخاطئة، وعوضاً عن ذلك حافظ على هدوئك حتى لو كان الكلام غير مترابط، فهذا يساعد على تخفيف التوتر لكل من المتحدث ومن حوله، بالإضافة إلى ذلك، تجنب مقاطعة الشخص في أثناء الحديث.
  5. شجعه على استخدام طرق أخرى للتعبير: يمكن أن يشمل ذلك أنشطة، مثل الكتابة أو الرسم أو التلوين، تساعد على التعبير عن الأفكار والمشاعر بطرق أسهل.

المحتوى محمي