Search Open Side Panel

عادة غذائية واحدة قد تقلل توترك وقلقك

3 دقيقة
الأكل ببطء
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

في خضم الإيقاع السريع للحياة اليومية، يتحول الأكل إلى فعل تلقائي يمارس دون حضور ذهني، على الرغم من أن الجسد والعقل يتأثران بشدة بطريقة تناول الطعام لا بنوعه فقط، لذا فالتباطؤ في أثناء الأكل ليس سلوكاً مثالياً يصعب الالتزام به، بل ممارسة بسيطة يمكن تدريب النفس عليها بخطو…

في عالم يقدس السرعة، أصبحنا نأكل كما نعيش: على عجلة من أمرنا. نبتلع وجباتنا ونحن نرد على رسائل البريد الإلكتروني، أو نتصفح أخبار العالم المتلاحقة، محولين فعل التغذية من لحظة امتنان وهدوء إلى مجرد مهمة يجب إنجازها في أسرع وقت. ولكن، هل سألت نفسك يوماً لماذا تشعر بالثقل والقلق حتى بعد تناول وجبة صحية؟

إن السر لا يكمن فقط فيما تأكله، بل في كيفية أكله. الأكل ببطء ليس مجرد نصيحة لخبراء التغذية لإنقاص الوزن، بل هو ممارسة نفسية عميقة، وأداة قوية لتهدئة الجهاز العصبي المثقل بالأعباء، فكيف تحوله إلى عادة يومية؟ إليك هذا المقال.

كيف يضر الأكل السريع بصحتك النفسية؟

الأكل السريع ليس مجرد عادة سيئة للجهاز الهضمي، بل هو عدو خفي لاستقرارك النفسي. عندما تأكل بسرعة، يفسر دماغك هذا السلوك على أنه إشارة استنفار، ينتج عنها ظهور الأضرار التالية:

  1. تحفيز استجابة الكر والفر: غالباً ما يرتبط الأكل السريع بحالة من التوتر المزمن. عندما نبتلع الطعام بسرعة، فإننا نبقي أجسامنا في حالة من الهيجان العصبي المرتبطة بإفراز الكورتيزول، ما يزيد شعورنا بالقلق العام.
  2. اضطراب الاتصال بين الجسد والعقل: يحتاج الدماغ إلى نحو 20 دقيقة لإرسال إشارات الشبع، لذا فالأكل السريع يقطع هذا التواصل، ما يؤدي إلى اضطراب الأكل العاطفي والشعور بالذنب والندم بعد الوجبة، وهي مشاعر تغذي دائرة الاكتئاب والقلق.
  3. الدخول في حلقة نفس جسدية مفرغة: ثمة ارتباط وثيق بين الأمعاء والدماغ، لذا فتأثير الأكل السريع يمكن وصفه بأنه مزدوج بين الجسدي والنفسي فهو يؤدي إلى عسر الهضم والانتفاخ، وبسبب هذا الارتباط العضوي، فإن الاضطراب الجسدي في الأمعاء يرسل إشارات فورية للدماغ تترجم على شكل تعكر في المزاج وضعف في التركيز.

اقرأ أيضاً: ما تأثير بكتيريا الأمعاء في اضطراب مزاجك؟ وكيف تحسن عملها؟

ما هي الفوائد النفسية التي ستجنيها من الأكل ببطء؟

عندما تقرر بوعي أن تبطئ سرعة مضغك، فإنك تمنح نفسك هدنة نفسية لا تقدر بثمن تعود عليك بالفوائد التالية:

  • تفعيل نظام الراحة والترميم: يحفز الأكل ببطء العصب الحائر، المسؤول عن تشغيل الجهاز العصبي الباراسمبثاوي. هذا النظام هو المسؤول عن شعورك بالاسترخاء، والهدوء، والسلام الداخلي.
  • تعزيز اليقظة الذهنية: الأكل الواعي هو شكل من أشكال التأمل، إذ إنك من خلال التركيز على نكهة الطعام وقوامه تفصل عقلك عن الأفكار المقلقة حول الماضي أو المستقبل، وتحصر تركيزك في الآن، وهو ما يقلل حدة التوتر على نحو فوري.
  • تحسين الصورة الذاتية: عندما تأكل ببطء، فإنك ترسل رسالة لنفسك مفادها: أنا أستحق الوقت، وأستحق الرعاية. يعزز هذا السلوك تقدير الذات ويقلل القلق المرتبط بصورة الجسد، لأنك تصبح أكثر قدرة على سماع احتياجات جسدك الحقيقية.
  • تعيش تجربة التذوق كاملة: يسمح البطء لمستقبلات التذوق بنقل التجربة كاملة للدماغ، ما يحقق إشباعاً نفسياً كبيراً من كميات أقل من الطعام، وهذا يمنحك شعوراً بالسيطرة والتحكم بدلاً من العجز أمام الطعام.

اقرأ أيضاً: الإفراط في إضافة الملح إلى الطعام قد يزيد قلقك واكتئابك بنسبة 40%

5 إرشادات فعالة ستجعلك تأكل ببطء وتستعيد هدوءك

تحويل الأكل ببطء إلى عادة يتطلب تدريباً وممارسة. إليك هذه الخطوات العملية المستوحاة من خبراء الصحة النفسية وعلوم السلوك:

  1. طبق قاعدة الـ 20 دقيقة: اجعل هدفك ألا تنتهي من وجبتك الرئيسية قبل مرور 20 دقيقة. استخدم مؤقتاً إذا لزم الأمر في البداية لتدرك الفرق بين سرعتك المعتادة والسرعة الصحية.
  2. ضع الملعقة جانباً: تعد هذه التقنية بسيطة ولكنها عبقرية، وتعني أن تضع أدوات الأكل على الطاولة بعد كل لقمة فلا ترفع الملعقة مرة أخرى إلا بعد أن تنتهي تماماً من مضغ وبلع اللقمة السابقة، هذا الفعل المادي يكسر الاندفاع التلقائي نحو اللقمة التالية.
  3. فعل الحواس الخمس: قبل البدء، انظر إلى ألوان الطعام، شم رائحته، وعند الأكل، استشعر ملمسه في فمك، هذا الربط الحسي يجعل من الأكل عملية استمتاع واعية تملأ الروح قبل البطن.
  4. اختر بيئة هادئة بلا شاشات: ابتعد عن الهاتف والتلفاز في أثناء تناول الطعام؛ فالشاشات تشتت انتباهك عن إشارات الشبع وتجعلك تأكل على نحو آلي وسريع، لذا اجعل وقت الطعام وقتاً للحديث الهادئ أو للاستمتاع بالصمت.
  5. أمضغ جيداً: حاول مضغ كل لقمة عدة مرات، هذا لا يسهل الهضم فحسب، بل يمنح دماغك الوقت الكافي لإدراك التجربة الحسية للطعام.

أخيراً إن تغيير سرعتك في الأكل هو في جوهره تغيير لسرعة إيقاع حياتك، فعندما تبطئ لقماتك، فإنك تخبر العالم أنك لست في سباق، وأن صحتك النفسية وهدوءك الداخلي يستحقان تلك الدقائق الإضافية، وكما يقول الكاتب في علم النفس خالد المنيف: التباطؤ حكمة وعقل، ليس ضعفاً بل وعياً، فحين تبطئ في الأكل يتحول طعامك إلى متعة وتغدو كل لقمة ذكرى للنعمة، وحين تبطئ في مشيك يصبح الطريق رحلة آمنة ترى ما حولك وتطمئن في خطواتك، تبطئ في حديثك فيكون أوضح وأعقل وتبطئ في قراراتك فتزداد صواباً، حتى في السرعة على الطرق البطء أمان وحياة، أما في ردود الفعل فالتباطؤ حكمة تمنعك من كلمات تندم عليها أو قرارات تضر بك.

المحتوى محمي