سريرك أصبح الملاذ الآمن الذي يجذبك؟ ربما تعاني هذه المتلازمة!

1 دقيقة
متلازمة العودة إلى السرير
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

تمثل متلازمة العودة إلى السرير حالة نفسية تدفع الشخص للعودة إلى الفراش بعد وقت قصير من الاستيقاظ، حتى دون وجود إرهاق جسدي واضح. تنشأ هذه الرغبة عادة استجابة هروبية أمام ضغوط عاطفية أو معرفية تجعل السرير يبدو ملاذاً آمناً لحظياً، لكنها سرعان ما تقود إلى نوم متقطع وشعور م…

يرن المنبه، وتستيقظ. تنظر إلى الساعة، وتشعر بثقل في عينيك، فتقول لنفسك "خمس دقائق فقط". تضغط على زر الغفوة، وتعيد الكرة مرة أو ربما مرتين، قبل أن تنهض أخيراً من السرير. لكن على الرغم من أنك ربما استحممت أو ارتديت ملابسك أو حتى سكبت أول كوب قهوة لذيذ، تلقي نظرة على سريرك، فتشعر به وكأنه يدعوك إلى رحلة غوص في الأحلام لا تستطيع رفضها، فتعود إليه، وأنت تفكر "خمس دقائق أخرى فقط".

تعرف تلك الرغبة التي لا تقاوم للعودة إلى السرير، سواء في الصباح أو في منتصف النهار، باسم "متلازمة العودة إلى السرير". إنها ظاهرة نفسية يمكن أن تعوق إنتاجيتك وتشعرك بالذنب وعدم الرضا، فما هي الأسباب النفسية لها؟ وكيف يمكن تجنبها؟

متلازمة العودة إلى السرير: عندما يكون السرير هو الملاذ الآمن

تشير "متلازمة العودة إلى السرير" إلى رغبة قهرية في العودة إلى السرير بعد الاستيقاظ، على الرغم من عدم الحاجة الجسدية للنوم. إنها ليست تشخيصاً طبياً رسمياً حتى الآن، لكنها مصطلح يصف سلوكاً شائعاً ونمطاً سلوكياً يتميز برغبة لا تقاوم في العودة إلى الفراش على الرغم من الاستيقاظ الفعلي وغياب التعب الجسدي أو الحاجة للنوم، ما يؤدي غالباً إلى شعور بالذنب أو القلق عند الاستسلام لهذه الرغبة، ويفاقم التوتر النفسي.

بخلاف الاكتئاب السريري أو اضطرابات النوم، غالباً ما يكون هذا النمط ناتج عن ضغط عاطفي أو ذهني حاد، حيث يشير علماء النفس إلى أنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً باستجابة الدماغ "الكر والفر". عندما تشعر أن الظروف غير محتملة بالنسبة لك، يبحث عقلك وجسدك عن طرق لحماية نفسيهما من هذه الضغوط بالانفصال أو الانسحاب، أي الهروب من الانزعاج إلى الأمان والراحة في سريرك، الذي قد يبدو ملاذاً آمناً.

بعبارة أخرى، لا يتعلق هذا الاضطراب بالحاجة إلى المزيد من النوم أو الراحة، بل بالبحث عن ملجأ أو مهرب.

ما هي أسباب الإصابة بمتلازمة العودة إلى السرير؟

يمر الدماغ عند الاستيقاظ بمرحلتين، هما:

  1. الوضع التلقائي (الروتيني): يشمل المهام التي لا تحتاج إلى تفكير عميق، فتنفذها على نحو آلي لأن الدماغ اعتاد عليها. مثل، الاستحمام وتنظيف الاسنان وتحضير القهوة.
  2. الوضع التنفيذي: يبدأ بعد الانتهاء من الروتين، ويتطلب طاقة عقلية للتخطيط وترتيب الأولويات واتخاذ قرارات وبدء مهام العمل المعقدة والتي غالباً ما تكون مرهقة.

لذا، بعد أن تستيقظ وتمارس طقوسك الصباحية الروتينية، ثم ترى قائمة المهام، قد تشعر بالارتباك أو الثقل الذهني، فتصبح العودة إلى السرير طريقة هروب ذكية وسريعة لتجنب الدخول في "الوضع التنفيذي". أي إن السرير يعمل مثل "زر إعادة ضبط معرفي"، يمنحك شعوراً مؤقتاً بالراحة. وإن كان يؤجل ما لا مفر منه.

عموماً، ثمة عدة عوامل نفسية وفيزيولوجية يمكن أن تحفز هذه الاستجابة، أهمها:

  • الإرهاق والاحتراق النفسي: عندما يكون جهازك العصبي في حالة تأهب دائم بسبب الضغوط، تستنزف طاقتك الذهنية والجسدية.
  • التفكير السلبي (التشوهات المعرفية): قد تغذي أنماط التفكير السلبي، مثل "أنا فاشل" أو "لا فائدة من المحاولة"، الرغبة في الاستسلام بدلاً من المحاولة.
  • الإرهاق البدني: فعوامل مثل قلة النوم وسوء التغذية والمرض، قد تجعل الجسم والعقل أقل قدرة على تحمل الضغوط.
  • حالات الصحة النفسية: قد يكون الأفراد المصابون بالاكتئاب، أو القلق، أو اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، أكثر عرضة للاستسلام لرغبات العودة إلى السرير بسبب نقص الدافع أو الطاقة.

اقرأ أيضاً: لماذا ينهار تركيزك بسبب قلة النوم؟ العلم يكشف السر

لماذا لا تنعشك العودة إلى السرير فعلياً؟

عندما تستسلم لمتلازمة العودة إلى السرير وتقول لنفسك: "سأنام فقط 10 دقائق" فإن هذا الوقت غير كاف إطلاقاً للدخول في أي مرحلة من مراحل النوم المفيد. إليك ما يحدث فعلياً:

يمر الجسم خلال الليل بدورات نوم مدتها نحو 90 دقيقة تتكرر خلال الليل، وتتكون من:

  1. نوم حركة العين غير السريعة (غير الريمي)، وتشمل 3 مراحل:
  • مرحلة النعاس: وهي الانتقال من اليقظة إلى نوم خفيف والاستيقاظ منه سهل.
  • مرحلة النوم الخفيف: نوم خفيف، وتباطؤ في وظائف الجسم.
  • مرحلة نوم الموجة البطيئة: نوم عميق يصعب الاستيقاظ منه، وهو مهم لاستعادة الطاقة.

2. نوم حركة العين السريعة (الريمي): وهو نوم الأحلام حيث يكون النشاط الدماغي مرتفع، وهي مرحلة مهمة للذاكرة والمشاعر.

لذا، عندما تغفو خمس دقائق فأنت لا تصل إلى مرحلة النوم العميق، سواء كان نوم حركة العين السريعة أو حتى نوم الموجة البطيئة، بل تبقى في مراحل خفيفة ومتقطعة.

بالنتيجة، تستيقظ وأنت تشعر بخمول ذهني وتشتت معرفي وضبابية الدماغ. علاوة على ذلك، تؤدي تجزئة النوم أو مقاطعة دورة النوم الطبيعية في الصباح إلى إضعاف جودة النوم، وإرباك الساعة البيولوجية.

اقرأ أيضاً: ما يجب عليك فهمه عن جودة النوم وأثرها في صحتك

6 نصائح للتغلب على متلازمة العودة إلى السرير

إن متلازمة العودة إلى السرير هي عادة سلوكية تعززها مكافأة فورية، وإن كانت مؤقتة (الراحة وتخفيف التوتر). ومثل أي عادة، يمكن التخلص منها واستبدال عادة أكثر صحة وإنتاجية بها. إليك بعض النصائح العملية:

1. ابدأ بالمهام المحببة لك

اختر أولاً المهام البسيطة والممتعة لتبدأ يومك. وإذا شعرت بالتعب، لا بأس أن تؤجل الأمور غير العاجلة، أو تعيد جدولة مواعيدك، أو تطلب المساعدة من الآخرين لتخفيف الضغط عن نفسك.

2. نظم روتينك الصباحي

ضع خطة صباحية قصيرة تشمل:

  • فتح الستائر فوراً مدة 5-10 دقائق، للسماح بالتعرض للضوء الطبيعي.
  • شرب كوب من الماء.
  • ممارسة تمارين رياضية خفيفة مدة 3-5 دقائق، مثل تمارين التمدد في أثناء الوقوف، والمشي في المكان أو في الهواء الطلق، لأنها تساعد على تبديد هرمونات التوتر وتعزيز مستويات الطاقة، واستعادة الدافع.
  • مارس أنشطة مهدئة، مثل شرب شاي الأعشاب، وممارسة التأمل أو اليقظة الذهنية.

3. اكتشف التشوهات المعرفية واحرص على أن تتحداها

لاحظ طريقة التفكير "كل شيء أو لا شيء" واعمل على تحديها بلطف. بدلاً من قول "لقد أخطأت، أنا فاشل"، حاول إعادة صياغة الأمر "الجميع يرتكبون أخطاء، ولا يزال بإمكاني إحراز تقدم". ممارسة التعاطف مع الذات تساعد على كسر دائرة الهروب والهزيمة.

4. عالج مشكلاتك المزاجية أو الطبية الكامنة

عندما يترافق الشعور بالانجذاب إلى السرير مع الاكتئاب أو مشكلات طبية أخرى، مثل فقر الدم أو مشكلات الغدة الدرقية أو التعب المزمن، فقد تكون متلازمة العودة إلى السرير عرضاً جانبياً لها، وتحتاج إلى مساعدة متخصصة. يمكن للمختص النفسي العلاج النفسي، وتحديد الأسباب الجذرية للمتلازمة والعلاج المناسب، مثل العلاج السلوكي المعرفي وأدوية مضادات الاكتئاب. 

5. أعط الأولوية للنوم والاحتياجات الجسدية

تأكد من حصولك على قسط كاف من النوم، وتناول طعاماً صحياً، وحافظ على رطوبة جسمك، وتحكم في تناول الكافيين. يمكن أن يحفز التعب الجسدي الرغبة في العودة إلى السرير، كما أنه ينتج عن استراتيجيات تأقلم سيئة، مشكلاً حلقة مفرغة.

6. ركز على نفسك بتمارين بسيطة

ينصح المختص النفسي عبد الإله الحديثي، بما يلي:

  • خصص 10-20 دقيقة يومياً للأنشطة في رحاب الطبيعة، مثل تأمل الأشجار في الحدائق، لأنها تخفض هرمونات التوتر.
  • صاحب أصدقاء ممتعين، فالضحكة الصادقة والأحاديث الودية تعالج الإجهاد.
  • خصص مساحة روحية تشعرك بالسكينة.
  • خفف التزاماتك بنسبة 10%، وبما لا يثقل جدول حياتك ويفسح المجال لك لإيجاد متنفس. امش 10 دقائق يومياً، لأن الحركة من أقوى مضادات التوتر.
  • رتب ذهنك بكتابة 3 أشياء تسبب الضغط لك، بحيث تتمكن من فصل مشاعرك عن أفكارك.
  • مارس نشاطاً ممتعاً، مثل شرب قهوة هادئة أو القراءة.
  • حسن نومك، ولو كان ذلك بالنوم مبكراً عن الموعد المعتاد نصف ساعة، وبما يحسن لك مزاجك. 

المحتوى محمي