حين يفكر أحد الآباء في شراء هدية لصبي وفتاة؛ على الأغلب سيختار الهدية ذات اللون الوردي بشكل تلقائي للفتاة، وربما نفس المنتج بالضبط باللون الأزرق للصبي. كما يتكرر هذا الموقف مع أغلبية الأشخاص. هل تعتقد أن الأمر جاء من قبيل المصادفة، أم أننا خلقنا جميعاً بتفضيلات الألوان ذاتها؟ يعود الأمر إلى استراتيجيات التسويق القائم على النوع الاجتماعي التي تدرس سلوك المستهلك، ليُبنى عليه كل من المادة الإعلانية وطريقة عرض المنتجات، بالإضافة إلى تحديد سعرها.
لكن سلوك المستهلك ليس نمطاً واحداً يمكن القياس عليه لجميع الفئات؛ بل يتخلله عدد من العوامل التي تشكِّل بعض الاختلافات؛ مثل النوع الاجتماعي للمستهلِك؛ والذي نتج عن دراسته عدد كبير من الأبحاث حول كيفية تعديل وتكييف المنتجات والسلع باختلاف الجنس المُستَهدَف.
وفي حين حظي الأمر باهتمام كبير في السابق؛ إلا أن هناك عدداً من الشركات تسعى مؤخراً لاحتضان الحيادية بدلاً عن التفريق الشديد بين الجنسين في رسائلها الإعلانية.
التسويق القائم على النوع الاجتماعي
وفقاً لموقع "أوبن بي آر" (openPR) المتخصص في العلاقات العامة؛ يشير التسويق القائم على النوع الاجتماعي إلى استراتيجية تسويقية تدرس وتستخدم طرقاً متعددة لجذب الجنس المستهدَف.
وفي حين أن ذلك النوع من التسويق يمكن أن يكون فعالاً؛ إلا أنه قد يكون أيضاً مثيراً للجدل. يعود ذلك لدعمه الصور النمطية التي اختلفت كثيراً عن ذي قبل.
يستهدف هذا النوع من التسويق الخصائص المختلفة للرجال والنساء؛ من حيث الاهتمامات والاختلافات السلوكية والنفسية. وبناءً عليه؛ يتم تصميم محتوىً يتناسب مع سلوكهم الاستهلاكي.
على سبيل المثال؛ تقدم شركة "جيليت" (Gillette) ماكينات حلاقة للرجال والنساء. إلا أنها تقدّمها بشكل مختلف لكلا الجنسين، سواء من حيث التصميم أو التسويق أو طريقة العرض.
ففي حين تقدِّم إعلانات ماكينات الحلاقة للرجال على أنها رياضية وفعّالة من خلال اللون والعرض التقديمي، واستخدام كبار الرياضيين المنتج في الإعلانات التجارية التلفزيونية؛ تؤكد الأخرى الموجّهة للنساء على أنها صديقة للبشرة، وتقدَّم على أنها جزء مهم من العناية بالجسم.
اقرأ أيضاً: ما هو الرابط بين علم النفس والتسويق؟
التسويق القائم على النوع الاجتماعي يعزز الصور النمطية
منذ ولادتنا؛ يتم إلقاء القوالب النمطية الجنسانية علينا بطرق شتى. حيث يتم إخبار الأولاد والبنات بالألوان، والألعاب، وحتى الملابس التي من المفترض أن يهتموا بها دوناً عن غيرها - بحسب المقال المنشور بموقع "أوبن بي آر" (OpenPR).
على سبيل المثال؛ من المفترض أن يحب الأولاد اللون الأزرق، ويلعبوا بالشاحنات، والطائرات، وكرة القدم. بينما من المفترض أن تحب الفتيات اللون الوردي، وتلعب بالدمى.
هذا التنميط حسب النوع لا يحدث في الطفولة فقط؛ بل يستمر في المراهقة وحتى مرحلة البلوغ. على سبيل المثال؛ من المفترض أن يهتم الفتية والمراهقون بالرياضة، بينما يجب على الفتيات والمراهقات الاهتمام أكثر بالتسوُّق.
بناءً على هذا النوع من التسويق؛ يميل عدد كبير من الإعلانات التي تستهدف جمهور النساء إلى التركيز على اهتمام المرأة بمظهرها وميلها للشراء، والتركيز على صفات مثل الرقة والإغراء والنعومة.
بينما تبرز الإعلانات الموجّهة للذكور استخدام القوة البدنية، والتأهب الشديد، والتصرف بشجاعة، والبقاء نشيطاً. كما تهتم بإظهار تعبيرات وجه صارمة، بالإضافة إلى امتلاك السيطرة الكاملة. ذلك يعطي صورة عن الرجال بأنهم أقوياء وقادرون.
هل كان تصنيف المنتجات حسب النوع أمراً ثابتاً؟
إن تصنيف ألعاب الأطفال على حسب النوع؛ مثل إدراج الدمى الوردية للفتيات، والشاحنة الزرقاء أو كرة القدم للفتية، هو أمر مستحدَث.
في سرد السياق التاريخي لهذا التغير في التسويق، تقول إليزابيث سويت؛ الباحثة بجامعة كاليفورنيا، أنه في عام 1975، تم تسويق أقل من 2% من الألعاب بشكل صريح للفتية أو الفتيات في إعلانات كتالوغ سلسلة محلات سيرس (Sears) الأميركية.
ولكن بحلول عام 1995، شكّلت الألعاب المصنَّفة على أساس النوع الاجتماعي ما يقرب من نصف عروض الكتالوغ.
لكن هذا الانقسام ما بين وردي وأزرق لا يضع في الحسبان أولئك الذين لا يتوافقون مع الأدوار النمطية حسب النوع. كما أنه يظهر عدم سعي الشركة للحصول على رؤىً أعمق عن جمهورها.
هل ينجح التسويق القائم على النوع الاجتماعي دائماً؟
يشير المقال المنشور على موقع "أوبن بي آر" (OpenPR) إلى أنه في حين أن الإعلانات المباشرة تجاه جنس معين قد تجذب انتباه الجمهور المستهدَف؛ يعتقد الكثير ممن يعارضون هذا التكتيك أنه يضر أكثر مما ينفع.
على سبيل المثال؛ يؤكد هذا النوع من الإعلانات فكرة أن الرجال متفوقون على النساء، أو أن جنساً واحداً فقط يجب أن يهتم بأشياء معينة. ذلك قد يرسل رسالة للنوع الآخر أنه لا يجب عليه الاهتمام بتلك الأشياء.
وإذا رغب الفرد في هذا الشيء المصمَّم للجنس الآخر، فقد يتعرّض للتنمر. مثلاً كما حدث مع الأمير جورج؛ نجل الأمير ويليام دوق كامبريدج، حينما شوهد يأخذ دروساً في رقص الباليه. فقد تعرض للتنمر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وحتى من قِبل الإعلاميين عبر شاشات التلفزيون.
لم تعد هذه الإعلانات تناسب اختلاف الأدوار الاجتماعية لكلا الجنسين أيضاً، فالنساء أصبحن أكثر استقلالية مادياً، وبارزات بشكل كبير في أماكن العمل.
وعلى الجانب الآخر، فهناك عدد متزايد من الرجال الذين يعيشون بمفردهم. ذلك يعني أن المهام المنزلية التقليدية؛ مثل مهام التنظيف والطهو، يتم تولّيها الآن من قبل كلا الجنسين - وهو أمر لم يكن شائعاً من قبل.
هل سلوك المستهلك هو نتيجة اختلافات بين الأفراد أم بين الجنسين؟
وجد بحث من جمعية علم النفس الأميركية أن جنس الشخص ليس له ذلك التأثير الكبير على شخصيته أو إدراكه أو قدراته القيادية.
على سبيل المثال؛ قد تسعى النساء المهتمات بممارسة الرياضة أو الاستمتاع بالتخييم، لاقتناء المنتجات الخاصة بذلك. كذلك، فقد يكون الرجل مهتماً بالسيارات؛ لكنه في الوقت ذاته مهتم بالتسوق من محلات البقالة لأطفاله.
تقول كريستيا سبيرز براون؛ أستاذة علم النفس التنموي والاجتماعي في جامعة كنتاكي: "هناك اختلافات بين الأفراد أكثر من تلك الموجودة بين الجنسين. إذا كنت تستخدم الجنس كمقياس لك، فلن ترى ما يثير اهتمامهم بالفعل".
تضيف براون أن صناعة الألعاب هي إحدى المحطات الأولى في دورة حياة المستهلك، وهي أيضاً ساحة يتم فيها بناء واستيعاب القوالب النمطية للجنسين في مرحلة مبكّرة.
في متجر متعدد الأقسام، قد يجد المستهلكون دمىً وماكياج في ممر مكتوب عليه "الفتيات"، ومعدات رياضية أو شاحنات ضخمة في ممر مكتوب عليه "الأولاد". حتى أنهم قد يجدون نفس المنتج - سيارة لعبة، على سبيل المثال- في كلا الممرين؛ واحداً باللون الوردي للفتيات والآخر باللون الأزرق للأولاد.
تقول براون أن مثل هذه الفروقات تستند إلى الصور النمطية حول ما قد يريده الناس من جنس معين. الفتيات -على سبيل المثال- يهتممن بمظهرهن ويتعاطفن مع مشاعر الأمومة. بينما الأولاد يحبون الرياضة وتتسم ألعابهم بالعدوانية الشديدة.
لكن ذلك يدفع أيضاً الأطفال إلى الاعتقاد أن بعض المنتجات ليست مخصَّصَة لهم، ويتلقون رسالة مفادها أنهم مختلفون جداً لدرجة أنهم يحتاجون إلى أنواع مختلفة من الألعاب.
رسم حواجز غير مرئية
بالإضافة إلى التنمُّر الذي قد ينشاً من ذلك النوع من التسويق؛ يشير مقال من جامعة القلب المقدس الأميركية إلى أن تعرّض الأطفال للتنميط منذ الصغر يحدّ من قدرتهم على اتخاذ قراراتهم الخاصة. كما أنه يؤثر على عقليتهم وتفاعلاتهم المستقبلية؛ حيث يفرض عليهم التصرُّف بطرق محدَّدة، منفصلة تماماً عن الجنس الآخر.
ومع تقدم هؤلاء الأطفال في السن؛ قد لا يصبحون أكثر تقبُّلاً لاختلافات الآخرين يتوجهاتهم واختياراتهم. كما قد يتطوّر لاعتداءات أكثر خطورة، فما يبدأ على أنه اختلاف بسيط يلاحظه طفل لم يتعلم بعد بشكل كامل، يتحول إلى تحيّز في المراحل العمرية اللاحقة.
يقود ذلك الأطفال أيضاً إلى فرص عمل وأدوار مختلفة في وقت لاحق من الحياة. وفقاً لميغان فولتشر؛ الأستاذة المساعدة في علم النفس في جامعتيّ واشنطن ولي: "يرتبط اللعب بالألعاب الذكورية بالتطور الحركي الكبير والمهارات المكانية. ويرتبط اللعب بالألعاب الأنثوية بالتنمية الحركية الدقيقة، وتطوير اللغة والمهارات الاجتماعية".
هذا يعني أنه من المرجح أن يلتحق الأولاد والبنات بوظائف تتطلب مجموعات من المهارات المختلفة؛ بناءً على المهارات التي مارسوها وهم أطفال.
مصلحة المستهلك أم المُعلِن؟
في حين قد يبدو أن دراسة سلوك المستهلك تهدف لمعرفة متطلباته واحتياجاته لتلبيتها؛ إلا أن التفرقة على أساس الجنس لها جانب آخر. فالإصرار على التمييز بين ألعاب البنات والأولاد، على سبيل المثال، قد يقنع الأسرة التي لديها أطفال من كلا الجنسين بشراء الضِعف.
وفي كثير من الحالات؛ ترتفع تكلفة النسخة الوردية للمنتج عن النسخة الزرقاء. فقد وجد تقرير صدر عام 2015، من إدارة شؤون المستهلكين في مدينة نيويورك، أن ألعاب وإكسسوارات الفتيات في المدينة تكلِّف 7% أكثر من سلع الأولاد. كما أن ملابس الفتيات تكلّف 4% أكثر من ملابس الأولاد.
وأخيراً؛ في حين قد لا يبدو أن المنتجات المحايدة من حيث النوع ستكون في مصلحة الشركات؛ إلا أن الكثير من الآباء المعاصرين يريدون حماية أطفالهم من الصور النمطية التي قد تجعل طفلةً صغيرةً تطلب دمية لمجرد التكيف مع القالب النمطي بينما هي تفضل شاحنة زرقاء.