كيف يُستفاد من تقنيات الواقع الافتراضي في مجال الصحة النفسية؟

3 دقائق
الواقع الافتراضي

يُعرف الواقع الافتراضي (Virtual Reality) بقدرتنا على استخدامه في محاكاة الواقع عبر استخدام البرمجيات وغيرها من التقنيات والأجهزة الأخرى، ويعمل مختصو الصحة النفسية على تسخير تقنيات الواقع الافتراضي في مجال الصحة النفسية والعقلية، وخصوصاً في تطبيقات العلاج المعرفي السلوكي.
بحسب الأبحاث؛ العلاج المعرفي السلوكي (Cognitive Behavioral Therapy)، أو كما يتم اختصاره في الأوساط العلمية "سي پي تي" (CBT)، من أهم وأنجح الوسائل العلاجية المستخدَمة لمرضى اضطرابات القلق.

استخدام الواقع الافتراضي في العلاج المعرفي السلوكي

نشرت "مجلة أبحاث الإنترنت الطبية" (Journal of Medical Internet Research) في عدد شهر فبراير/شباط 2022، مراجعة علمية لفعالية العلاج المعرفي السلوكي القائم على التعرّض للواقع الافتراضي؛ حيث وجد العلماء في "التحليل البعدي" (Meta-analysis) لنحو 16 تجربة ضمّت 817 مشاركاً، أن العلاج المعرفي السلوكي التقليدي اتصف بثلاثة عيوب: غير فعّال من حيث الوقت والتكلفة، وغير عملي، وقلة تفضيله بين المرضى.

وبحسب النتائج، فإن استخدام العلاج المعرفي السلوكي القائم على التعرّض للواقع الافتراضي يحل عيوب العلاج المعرفي السلوكي التقليدي؛ وذلك من خلال تعريض المرضى المصابين باضطرابات القلق لمواقف مستمدة من تجاربهم الشخصية، ومبنية على مخاوفهم باستخدام تقنيات الواقع الافتراضي.

ويتميز استخدام العلاج المعرفي السلوكي القائم على التعرّض للواقع الافتراضي أيضاً بالقدرة على مراقبة الجلسات العلاجية بشكل أفضل، وتقنين الجرعة المقدمة للمرضى، وعدم حاجة المرضى للإعداد السريري، وسهولة الإقامة في أماكن لا حصر لها.

وعلى سبيل المثال؛ في إحدى الدراسات التي تم تحليلها في المراجعة العلمية نفسها، قام علماء من جامعة جاومي الأول بدراسة نسب قبول ورفض استخدام تطبيقات الواقع الافتراضي في العلاج المعرفي السلوكي القائم على التعرّض مقارنةً مع الأساليب التقليدية.

أوضحت النتائج تفضيل نحو ثلاثة أرباع عينة سريرية مكونة من أشخاص مصابين باضطرابات قلق مختلفة، العلاج المعرفي السلوكي القائم على التعرّض للواقع الافتراضي، مقارنةً مع العلاج المعرفي السلوكي التقليدي.

بالإضافة إلى ما سبق؛ وجد الباحثون أن نسب الرفض (Refusal Rate) بين المرضى اختلفت بشكل ملحوظ بنسبة 3% للعلاج المعرفي السلوكي القائم على التعرّض للواقع الافتراضي، مقارنةً مع نسبة 27% للعلاج المعرفي السلوكي التقليدي.

أظهرت نتائج المراجعة العلمية السابقة، أن استخدام العلاج المعرفي السلوكي القائم على التعرّض للواقع الافتراضي يمثّل بديلاً واعداً للعلاج المعرفي السلوكي للمرضى الذين يعانون من اضطرابات القلق.

جدير بالذكر أن الدراسة السابقة ركّزت فقط على اضطرابات القلق الشديد واضطراب الوسواس القهري واضطراب ما بعد الصدمة، بين المرضى الذين عانوا من أعراض حادة حسب التشخيص السريري التقليدي.

فرص الواقع الافتراضي الأخرى في الصحة النفسية

تتبادر إلى الأذهان خيالات عديدة حول الاستخدامات المستقبلية لتقنيات الواقع الافتراضي في التعامل مع مجال الصحة النفسية والعقلية، نتيجة حقائق لا يمكن تجاهلها تتمثّل في تزايد أعداد المشخصين بالاضطرابات النفسية، ووصمة العار المصاحبة للتشخيص باضطراب نفسي، والمحددات الصحية المتعلقة بالوقت والمكان الجغرافي، وأخيراً سهولة الوصول لخدمات الصحة النفسية والعقلية.

وفي دراسة حديثة نُشرت بداية العام الحالي 2022 في مجلة جامعة كامبريدج لصالح المجلة الإسبانية لعلم النفس، تحدّث الباحثون عن الفرص الواعدة في الصحة الرقمية -من بينها الواقع الافتراضي- التي تتميز بإمكانية الوصول، وملاءمة التكلفة مع فعالية العلاج، والقدرة على تخصيص تجربة العلاج (Personalization of Treatment) والجاذبية أو القبول بين المرضى.

عموماً؛ تمتد استخدامات الواقع الافتراضي للعديد من المهام ذات الصلة في التدخلات النفسية، والتدريب المعرفي، والتحفيز العاطفي، وتنظيم وإدارة العواطف.

وحتى الآن؛ ثبتت فعالية الواقع الافتراضي في علاج مجموعة واسعة من الأمراض النفسية مثل الاضطرابات العاطفية والذهان واضطرابات الأكل.

لنتعرف أكثر إلى بعض من فرص الواقع الافتراضي الحالية والمستقبلية في الصحة النفسية؛ إليكم بعض الأمثلة:

التدخلات الصحية المبنية على الإنترنت

تستخدم التدخلات الصحية المبنية على الإنترنت برامج علاجية ذات أهداف محددة يتم تصميمها على شكل وحدات تعليمية أو دروس تفاعلية، يتم تقديمها عبر الإنترنت إما عن طريق الكمبيوتر أو الهاتف المحمول.

تُظهر الأدلة من الدراسة السابقة، أن التدخلات الصحية المبنية على الإنترنت من الممكن أن تكون فعالة بشكل مماثل للعلاج التقليدي الذي يعتمد على التواصل مع مختص نفسي وجهاً لوجه.

وقد تم تأكيد تلك الفعالية أيضاً لمجموعة واسعة من الاضطرابات النفسية، وفي مجال تعزيز السلوكيات الصحية، وتجارب الحيلولة دون ظهور الاضطرابات النفسية.

تطبيقات الأجهزة الذكية

من الممكن أن تُطوّر تطبيقات الأجهزة الذكية استخدامات الواقع الافتراضي في الصحة النفسية في ظل تزايد أعداد مستخدمي الأجهزة الذكية المحمولة بشكل فلكي خلال السنوات الأخيرة، وأيضاً في ظل تزايد سرعات الإنترنت المُمكّنة لخلق تجارب مثرية.

وتتميز تطبيقات الأجهزة الذكية بالفعالية العالية نظير القدرة على استخدامها في صناعة تدخلات صحية فعالة من حيث التكلفة، ويمكن الوصول إليها بسهولة للأشخاص غير القادرين على تلقي العلاج النفسي التقليدي.

الواقع المختلط

يصف "الواقع المختلط" (Mixed Reality) الاستخدام الذي يدمج بين الواقع الافتراضي والعالم الحقيقي لخلق تجارب علاجية فريدة من نوعها في الصحة النفسية. بالإضافة إلى ما سبق من استخدامات، فقد تم أيضاً استخدام أدوات تقنية متطورة بنجاح لتقييم الاضطرابات النفسية وعلاجها.

ومن الأمثلة على ذلك؛ الدراسة التي ذكرناها سابقاً حول استخدام العلاج المعرفي السلوكي القائم على التعرّض للواقع الافتراضي الذي أثبت فعالية مماثلة لاستخدام العلاج المعرفي السلوكي التقليدي، مع نسب مبشِّرة فيما يخص تفضيل المرضى ونسب الرفض.

مستقبل الواقع الافتراضي في الصحة النفسية

لا زالت استخدامات الواقع الافتراضي في الصحة النفسية تعاني من النسب المنخفضة لإشراكها في الخطط العلاجية في مجال الصحة النفسية والعقلية.

وقد تعود أسباب هذا الانخفاض إلى محددات سلبية كحالة المريض المرضية وعمره، أو تجربة المريض مع البرنامج أو المحتوى؛ والتي تقلل من احتمالية مشاركة المرضى إذا لم يشعروا أن البرنامج مفيد ومصمم لهم بشكل شخصي، أو صعوبة التقنية والتنفيذ.

وفي نفس السياق؛ يؤثر الافتقار إلى السياسات أو التشريعات الصحية الرقمية، وانعدام المساءلة داخل القطاع الخاص، أيضاً على قبول المرضى لهذه الممارسات في بعض الدول.

في الختام؛ يمثّل استخدام الواقع الافتراضي في الصحة النفسية مجالاً واعداً يجب العمل عليه بشكل جدّي في ظل ما سبق ذكره.

المحتوى محمي