لماذا يشعر بعض الناس بالتعاسة على الرغم من امتلاكهم كل شيء؟

3 دقائق
التعاسة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

"أوصف لهم طريق السعادة"، جملة قالها الممثل المصري الراحل نجيب الريحاني في أحد أفلامه التي لم أشاهدها لكنني سمعتها ضمن ما يسمى بالمزيج الصوتي على أحد المنصات، والحقيقة أن تلك الجملة أثارت في ذهني العديد من التساؤلات، خاصة أنها جاءت في سياق مناقشة رأى فيها الريحاني أن السعادة ليست في جمع الممتلكات المادية أو في المظاهر البراقة، وترافق مع تلك التساؤلات واقع بعض الأشخاص في محيطي الذين يمتلكون الكثير لكن ينقصهم، على الرغم من ذلك، الشعور بالسعادة، وهذا ما جعلني أبحث في محاولة الإجابة عن أسئلة مثل: هل السعادة تتحقق بالمال؟ ما الذي يجعل البعض تعساء على الرغم مما يملكونه؟ هل هناك سعادة يمكن تحقيقها بتكلفة قليلة؟ وسأحاول في هذا المقال تقديم الإجابات الشافية.

لماذا يفتقد البعض السعادة على الرغم من امتلاكه كل شيء؟

مبدئياً، يرى مختص العلاج النفسي معتز العتيبي أن السعادة ليست في الاكتفاء بل في التوازن، لهذا يؤكد أنه لا بأس بقليل من الألم وقليل من المتعة، قليل من الضجيج وقليل من الصمت، قليل من الأمل وقليل من الواقعية، قليل من العزلة وقليل من الرفقة، فمن وجهة نظره التوازن هو ما يمنح لحياتنا معنى.

ويضيف إليه استشاري طب الأسرة والعلاج النفسي خالد بن حمد الجابر رؤيته بأن هناك مفسدات للسعادة المعنوية، في مقدمتها مقارنة الشخص بين وضعه وأوضاع الآخرين، والتطلع إلى من هو أفضل منه، وطلب المزيد دوماً، إلى جانب الحسد والبخل، وارتفاع سقف التوقعات والطلبات من الحياة.

وحتى نفهم أكثر تلك الحالة التي تجعل البعض تعساء على الرغم من كثرة ما يملكونه، سنذهب إلى وصف المختص في علم الاجتماع، توماس هنريكس، فن السعادة بأنه اختيار معايير معقولة نستطيع تحقيقها، وهنا يشير إلى أن الإشكال يحدث عندما يجري تعديل هذه المعايير من باب الاستجابة للتوقعات المجتمعية منا، أو رغبتنا في امتلاك ما لدى الآخرين، وهنا نشعر بحالة من عدم الرضا تفسد علينا سعادتنا.

ويذهب هنريكس بعد ذلك إلى التفسير الأكثر عمقاً، وهو أن الكثير من البشر في العصر الحديث فقدوا سعادتهم لأنهم لا يستطيعون بلوغ الكمال، إذ دائماً ما توجد لديهم متطلبات يودون نيلها، وعندما تصبح بين أيديهم تظهر في الأفق متطلبات جديدة يشدون الرحال إليها من جديد، وهذا ما يجعلهم يعيشون شعوراً مستمراً بأنهم لم ينجزوا شيئاً، ففي كل يوم هم مطالبون بالمضي إلى الأمام دون نهاية معلومة.

إذاً، كيف يمكن التغلب على هذه المشكلة؟ الحل يبدأ بالبحث عن قيم أصيلة تشعر الشخص بوجوده وتقوي علاقته بذاته، وفي الوقت نفسه يتبنى طموحات حياتية معقولة ويقدر قيمة الآخرين في حياته ويتأمل قدرته على التأثير في حيواتهم، فعند هذه النقطة سيرى أنه نجح إلى حد كبير في جمع شتات نفسه، ولم يعد يستنزف طاقته في ذلك السباق المفتوح وراء سراب أن يتحصل على كل ما يريد ليشعر بالسعادة.

اقرأ أيضاً: لا تقس سعادتك على معايير تقارير السعادة العالمية!

5 إرشادات فعالة لتجد سعادتك في أبسط التفاصيل

ربما لن أصف لك طريق السعادة، لكن بقدر الإمكان سأساعدك بنصائح بسيطة يمكنك من خلالها أن تعيش سعيداً بأقل تكلفة ممكنة، ومن أهمها:

  1.   احرص على أن تعيش اللحظة الحالية بكل تفاصيلها. على سبيل المثال، إذا كنت تتناول وجبة طعام استمتع بتذوق مكوناتها، وفي حال تحدثت إلى أحد الأشخاص ركز على الإنصات إليه باهتمام والاستفادة من حديثكما، وعندما تتجول في الشوارع تأمل في جمال المباني والأشجار التي تراها. جميع ما سبق ممارسات لن تكلفك شيئاً لكنها ستمدك بالسلام والطمأنينة.
  2.   تخلص من الفوضى الداخلية والخارجية، والمقصود بالفوضى الداخلية تلك الأفكار العشوائية والمهام المؤجلة التي تتقافز في ذهنك، أما الفوضى الخارجية فقد تظهر في غرفة نومك ومكتبك، وكلا النوعين قد يزيد شعورك بالاكتئاب والحزن؛ لذا فمجرد تنظيم ذهنك وتنظيف مساحتك قد يشعرك بالسعادة والصفاء.
  3.   ركز على الموجود لا المفقود، وكن ممتناً لكل ما تملك مهما كان بسيطاً، وهذا لا يعني أن تبذل المزيد لتكون أكثر نجاحاً، إنما يعني أن تستمتع بما تملك، ولا تؤجل سعادتك طمعاً في تحصيل المزيد.
  4.   قسم أهدافك الكبيرة إلى أهداف صغيرة، واستمتع قدر الإمكان عند العمل على إنجازها واحتفل بعد الانتهاء منها، وتجنب وضع أهداف صعبة ومعقدة تشعرك بالفشل والإحباط.
  5. لا تعلق سعادتك بممتلكات باهظة أو أفعال معقدة، إنما ابحث عنها في أبسط الأشياء مثل فاكهة صيفية تحب تناولها، أو فنجان قهوة في مكان تفضله، أو سماع أغنية لها معك ذكريات جميلة.

اقرأ أيضاً: 6 طرق مثبتة علمياً لزيادة هرمونات السعادة في جسمك

المحتوى محمي