إن المحبة ضرورة وأساس لهويتنا، ولأننا غير قادرين على حب ذاتنا، فإن حب الآخر "يعيد إحياءنا" ويبرر وجودنا، وعندما يكون شعور المحبة متبادَلاً، فإن ذلك يجعلنا أكثر مسؤوليةً والتزاماً وانفتاحاً.
"مستبعَد مثل الجورب القديم"، "مهجور وكأنني لعنة"، "مَنسيّ مثل الكلب". في مكتبه في باريس، سمع الطبيب والمحلل النفسي باتريك لامبولي، كل تعبير يمكن تصوره من المرضى اليائسين الذين يفتقدون للحب في حياتهم. ولسَائل أن يسأل: "لماذا أن تكون وحيداً أمر مؤلم للغاية؟ لماذا نشعر بالتأثر الشديد عندما نفقد حب الطرف الآخر؟".
في الحقيقة نحن لا نحب بعضنا البعض؛ بل نحن غير قادرين على ذلك من الناحية الهيكلية. في هذا السياق؛ يوضح باتريك لامبولي أن "البشر ينظرون إلى أنفسهم نظرة دونية، لأن الحب له جانب يتعلق بالذات".
وعندما نسأل أنفسنا عما نستحقه، وما هي قيمة أنفسنا، فإن إجابتنا الشخصية، تؤكد أننا لا نساوي شيئاَ، لأن هذه الذات الملعونة تقضي وقتها في المقارنة مع من هو مثالي حسب اعتقادها، والشيء المثالي بحكم التعريف، لن نستطيع مقارنة أنفسنا به أبداً!
أن نكون غير محبوبين، يعيدنا إلى نظرة أمهاتنا الأولى التي توحي بأنها غاضبة، كنا نشعر آنذاك بالدهشة ونحن أطفال؛ حيث لم نكن ذلك الشخص المهم في حياتها - ذاك الذي ستحقّق من خلاله رضاها وسعادتها! "كنا مجرد عبء يثقل كاهلها".
ومنذ ذلك الحين؛ نادراً ما كنا نحترم ذاتنا. وفي هذا الشأن؛ يقول سيغموند فرويد أنه: "في الحب، يقل الشعور باحترام الذات عندما تكون غير محبوب، بينما يزيد عندما تكون محبوباً" (في تقديم نرجسية سيغموند فرويد- بايوت، "مكتبة صغيرة" 2012).
لا يحدد اللاوعي المقاييس، وفي حالة الحب ننتقل من وضعية إلى أخرى - من حالة "اللعنة" إلى حالة "البركة".
مَن يحبنا يرى فينا ما سماه أفلاطون، في المأدبة، "أغالاما"؛ والذي سيطلق عليه جاك لاكان، لاحقاً الاسم الشهير "الكائن الصغير أ"، بمعنى كائن مخفيّ يتلألأ.
من جهته؛ يترجم باتريك لامبولي: "حبيبنا لا يخبرنا شيئاً غير هذا: "رأيت جوهرةً فيك". غموض؛ إنه شيء يبهره ولا أحد يستطيع تعريفه، لأن المحبة ليست معرفة" - لكن من المفترض أن تكون كذلك بحسب المحلل النفسي.
ويستطرد: "وهذا أحد الأسباب التي تجعلنا غير قادرين تماماً على حب أنفسنا حقاً، لأنه لا يمكننا افتراض أي شيء عن أنفسنا. فنحن نعلم فقط وقبل كل شيء كل الأمور المتعلقة بأوجه القصور لدينا، لأننا دائماً في منافسة غير واعية مع ذاتنا المثالية".
يصيح مرضاي قائلين: "أنا حقاً لا أعرف كيف يمكن لأي شخص أن يحبني!" وغالباً ما كنت أجيبهم: "تقبل أنه من الممكن أن شخصاً آخر يمكن أن يفعل ذلك!".
أنا محبوب لذلك أنا موجود
إن شعور المرء بأنه محبوب يساعده على أن يحافظ على الشعور بالاستمرارية في الوجود، وفقاً لما أكدته الفيلسوفة والمحللة النفسية مونيك ديفيد مينارد: "نحن مهددون بالتلاشي، لا سيما مع مواجهة الصعوبات وقسوة العالم. يساعدنا حب الآخر في ألا نكون منفصلين عن أنفسنا وألا نتراجع. إنها ليست حاجة فيزيولوجية - بمعنى أنه لا توجد ضرورة عضوية؛ ولكنها حاجة وجودية تتطور وتدوم، لأنها تبرر أكثر من أي شيء آخر ضرورة وجودنا، ولهذا ليس مجديا أن نسأل أنفسنا: "لماذا أنا هنا؟".
يرى باتريك لامبولي بأن شعور المرء بأنه محبوب في مرحلة البلوغ، يعفينا من مسألة الوجود. وفي واقع الأمر؛ شتتت هذه المسألة أفكارنا كثيراً، لدرجة أننا نعرّف أنفسنا من خلال وظَائفنا الاجتماعية والعائلية والمهنية؛ لكننا دائماً ما نشك ولو قليلاً بأن هذا التعريف الذي نقدمه هو ببساطة المحبوب!
نحن ندرك جيداً إلى أي مدى كنا قادرين على تحمل نظرة الآخر، وكم نتجاهل فجأةً هذه الرؤية المسطحة والكئيبة لأنفسنا. ينبغي أن نكون على ثقة بتفرّدنا؛ إننا نحن ولسنا أحداً غيرنا؛ لقد تم اختيارنا والتعرف علينا.
يقتبس الفيلسوف والمعالج النفسي نيكول بريور من الفيلسوف موريس ميرلو بونتي: عبارة "هو ذلك الآخر الذي يحاكي صفاتي"، كما كتب في "لوي إي ليسبري" (L’Œil et l’Esprit).
لقد عرف الآخر ما نحن عليه، ويُمكننا أن نبدأ في التصالح مع أنفسنا قليلاً. نحن نتغذى ونكبر؛ لكن لا تخطئ، لأنه من النادر جداً والأصعب أن تُحَب من أن تُحِب؛ نحن نخاف من فقدان حريتنا، لأن العلاقة تجعلنا مسؤولين وملتزمين تجاه الآخر.
يصر باتريك لامبولي على المسؤولية الملقاة على عاتقنا: "من يحبك يقول لك:" أعتقد أنك ستكون قادراً على اصطحابي إلى مكان ما حيث يمكننا أن نحلم معاً." أو "إنني رهن إشارتك". لكن عندما لا يكون الشعور متبادلاً، فعليك أن تأخذ وقتك لرفض الحب الذي يُقَدَّم لك بلطف، لأن هناك أخلاقيات في الحب.
نحن نحب بعضنا البعض، إذاً نستطيع أن نتغير
أن نكون محبوبين من قبل شخص ما يجعلنا "أحياء"؛ ولكن عندما لا يتم تقاسم المشاعر، يبقى هناك نقص عميق بداخلنا. وهذا يمكن أن يجعلنا موجودين دون رغبة، بحسب ما أوردته نيكول بريور.
في هذه اللحظة نشعر وكأن شيئاً ما يرتجف بداخلنا؛ لكننا تجمدنا، وغير قادرين على تلقي أي شيء يمكن أن يحركنا بشكل إيجابي من الداخل.
بيد أنه من ناحية أخرى؛ أن نكون محبوبين من قبل الشخص الذي نحبه يجعلنا أقوى،؛ بحيث سنكون ملتزمين بتقاسم المشاعر، مدركين حقيقة الآخر، دون أن نرغب في تغييره، وهكذا نقبل أن "نتغير"، وأن نسأل أنفسنا، لكي نكون على الطريق الصحيح.
وفي هذا السياق؛ نتذكر بطلة فيلم "ألفافيل"، ناتاشا التي أحبها المحقق ليمي كوسيون. كانت تداعب وجه حبيبها، وهي تقول له، نقلاً عن بول إيلوار: "إن أشعة ذراعيك أذهبت الضباب".
أربعة أنواع من العلاقات
وفقاً لدراسة أجراها علماء نفس أميركيون ("تحليل نظرية الاستجابة للعناصر من مقاييس التقرير الذاتي لتعلق البالغين" بقلم آر كريس فرالي، نيلز جي والر وكيلي أ برينان، في مجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي- فبراير 2000)، فهناك أربع طرق للتعلق بالحب.
آمنة: علاقاتك دائمة ومُرْضيّة نسبياً، فأنت تعرف كيف تعبر عن مشاعرك، ولا تعاني من الاكتئاب أو اضطرابات القلق. أنت تشعر بالرضا.
القلق: حتى لو كنت تبحث عن علاقة حميمة، فإن العلاقة الرومانسية هي مصدر قلق وصراع بالنسبة لك. أنت تعرف كيف تعبر عن مشاعرك؛ لكنك كثيراً ما تكون تحت تأثير المشاعر السلبية التي تضعف علاقتك.
منفصل: لديك ثقة بالنفس لدرجة الظهور أحياناً بمظهر بارد أو تنافسي. هذا يؤثر سلباً على علاقاتك العاطفية. أنت لست قلقاً؛ لكنك غير مرتاح في العلاقة الحميمة التي تميل إلى الهروب منها.
خائف: أنت قلق للغاية وتميل إلى نبذ العلاقة الحميمة. إنك تركز على الصعوبات والخلافات كأولوية في علاقتك، كما تجد صعوبة في الوثوق بالآخر، حتى لو كنت تهتم به.