هل تعلم أن العوامل النفسية والجسدية تتداخل معاً بصورة معقدة. على سبيل المثال، في الكثير من الأوقات تبرز السمنة ليس بصفتها مشكلة صحية جسدية، ولكنها حلقة متشابكة مع دوائر القلق والاكتئاب، إذ يصبح الجسد مرآة تعكس اضطرابات الصحة النفسية، ما يعني أن العلاقة بين دهون الجسم والقلق والاكتئاب ليست أحادية الاتجاه، بل أشبه بحلقة مفرغة. وفي هذا السياق، أوضحت دراسة بحثية حديثة نشرتها مجلة الاضطرابات العاطفية (Journal of Affective Disorders) في فبراير/شباط 2025 أن توزيع الدهون في الجسم يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالاكتئاب، فما هي العلاقة بينهما؟ وما سبب ذلك الارتباط الوثيق؟ الإجابة عبر هذا المقال.
محتويات المقال
ما هي أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة؟
أكدت الدراسة البحثية السابق ذكرها، أن الأشخاص الذين لديهم نسب مرتفعة من دهون الجسم خاصة في منطقة الساق، غالباً ما يعانون أعراض الاكتئاب، وقد ظهرت هذه الصلة بصورة أوضح لدى الرجال، وتشير النتائج إلى أن توزيع دهون الجسم -وليس فقط الوزن الكلي للجسم- قد يؤدي دوراً مهماً في الصحة النفسية.
جدير بالذكر أن السمنة والاكتئاب غالباً ما يأتيان معاً، وهذا ما أكده العديد من الدراسات السابقة، ولكن هذه الدراسات كانت تعتمد على مؤشر كتلة الجسم (BMI) من أجل تعريف السمنة، لكن هذا المؤشر لا يميز بين الدهون والعضلات، ولا يحدد مكان وجود الدهون في الجسم، وقد أدى هذا القصور إلى نتائج متباينة في الدراسات السابقة، ولهذا تهدف هذه الدراسة إلى استخدام أدوات أدق من أجل قياس نسبة الدهون في مناطق محددة من الجسم.
واستخدم الباحثون المشاركون في الدراسة بيانات أكثر من 10,000 شخص شاركوا في المسح الوطني الأميركي للصحة والتغذية (NHANES)، وقد أجرى هؤلاء المشاركون فحوصاً لكامل الجسم باستخدام تقنية امتصاص الأشعة السينية ثنائية الطاقة (DXA)، وهي تقنية تقيس بدقة الدهون والعضلات والعظام، وقد أتاحت هذه الفحوص للباحثين تحليل نسبة الدهون في عدة مناطق مختلفة: الساقين، والذراعين، والجذع، والرأس، والبطن، والوركين والفخذين، وكامل الجسم.
وأظهرت نتائج الدراسة، أن الأشخاص الذين لديهم أعلى نسبة من دهون الجسم كانوا أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب، خاصة دهون الجسم التي تركزت في منطقة الساق، وعندما فحص الباحثون الاختلافات حسب الجنس، وجدوا أن الارتباط بين دهون الجسم والاكتئاب كان أقوى لدى الرجال منه لدى النساء.
ويقترح الباحثون عدة تفسيرات محتملة لهذه الأنماط:
- من الناحية البيولوجية، تُنتج الأنسجة الدهنية الزائدة جزيئات التهابية قد تؤثر في وظائف الدماغ وتنظيم الحالة المزاجية.
- يمكن أن يحدث خلل في إفراز بعض الهرمونات مثل اللبتين، أو هرمون الشبع، الذي يساعد على التحكم في الجوع والتمثيل الغذائي عند الأشخاص الذين لديهم نسب دهون أعلى، ما قد يؤثر في أجهزة الدماغ المسؤولة عن العواطف وتنظيم الحالة المزاجية.
- قد تؤدي العوامل النفسية والاجتماعية دوراً. على سبيل المثال، يعاني الأفراد الذين ترتفع لديهم نسبة الدهون في الجسم، وخاصةً في المناطق الظاهرة، وصمة عار أو عدم رضا أكبر عن أجسامهم، وكلاهما قد يُسهم في الإصابة بالاكتئاب.
اقرأ أيضاً: احذر! القلق قد يكون السبب الخفى وراء زيادة وزنك
تعرف إلى طبيعة العلاقة المتشابكة بين السمنة والاكتئاب
أكدت دراسة بحثية نشرتها مجلة الطب النفسي وعلوم الأعصاب (Journal of Psychiatry and Neuroscience) عام 2021 أن ظهور أعراض اضطراب الاكتئاب الشديد (MDD) غالباً ما يترافق مع زيادة الوزن، وذلك لأن هذا النوع من الاكتئاب يؤدي إلى الإفراط في تناول الطعام والنوم ومن ثم الشعور بالإرهاق والتعب، وتشرح الدراسة بعض العوامل النفسية والجسدية التي تربط بين زيادة دهون الجسم والاكتئاب، منها على سبيل المثال:
1. إفراز هرمون الكورتيزول
حين تمر بمواقف مؤلمة أو أحداث حياتية عصيبة؛ فإن ذلك يؤدي إلى زيادة إفراز هرمون الكورتيزول، علاوة على التنشيط المزمن لمحور تحت المهاد - الغدة النخامية - الغدة الكظرية (HPA)، وحين ينشط هذا المحور يحدث اضطراب شديد في إفراز بعض الهرمونات التي تؤثر في تنظيم الحالة المزاجية مثل: النورأدرينالين والدوبامين والسيروتونين، وعلى الجانب الآخر فإن مستويات الكورتيزول المرتفعة تؤدي إلى اختلال توازن الغلوكوز، ومقاومة الإنسولين، وترسب الدهون الحشوية في بعض مناطق الجسم.
على سبيل المثال، أوضحت نتائج هذه الدراسة، أن النساء المصابات بالاكتئاب المزمن، تراكمت لديهن الدهون في منطقة البطن أكثر مرتين من غير المصابات، وذلك وفقاً لقياس التصوير المقطعي، وأضافت الدراسة أن المرضى الذين يعانون الاكتئاب ومستويات عالية من الكورتيزول لديهم زيادة في الدهون الحشوية ومقاومة الإنسولين، وذلك مقارنة بمن يعانون الاكتئاب ومستويات الكورتيزول الطبيعي.
2. الالتهابات
يؤدي كل من السمنة والاكتئاب إلى تفاقم الالتهاب. على سبيل المثال، تؤدي زيادة حجم الخلايا الدهنية لدى الأشخاص المصابين بالسمنة إلى التهاب موضعي، ما يؤدي إلى خلل في إفراز هرمون اللبتين المسؤول عن الشعور بالشبع، وتشير الدراسة السابق ذكرها إلى أن الأنسجة الدهنية الحشوية قد تؤثر تأثيراً محورياً في الاستجابة الالتهابية المرتبطة باضطرابات المزاج.
3. اضطرابات النوم
تؤثر اضطرابات النوم تأثيراً مهماً في الإصابة بكل من الاكتئاب المزمن والسمنة، إذ يمكن أن يُسهم نقص النوم في استمرار القلق والاكتئاب أو تفاقمهما، والجدير بالذكر أن اضطراب النوم المرتبط باضطراب الاكتئاب يُعد عاملاً مهماً في زيادة الوزن. وعلى الجانب الآخر، تُسبب السمنة اضطرابات في النوم، ما يؤثر بدوره في زيادة الوزن من خلال انخفاض مستويات الطاقة والتركيبة البيولوجية التي تُغرق الجسم بهرمونات التوتر.
اقرأ أيضاً: كيف يؤثر إهمال النشاط البدني في تطور السمنة لدى المراهقين؟
5 إرشادات تساعدك على التعامل مع الاكتئاب المرتبط بزيادة دهون الجسم
يؤكد مختص العلاج النفسي، معتز العتيبي، أن الاكتئاب لا يحدث فقط جراء الأفكار السلبية والصدمات النفسية، لكن قد يأتي بسبب سوء العادات اليومية، مثل النوم غير المنتظم، أو قلة الحركة والعزلة الاجتماعية، أو تناول الطعام غير المتوازن. وإذا كنت تشعر بالاكتئاب وفي نفس الوقت لديك دهون متراكمة في جسمك اتبع الإرشادات التالية التي ستساعدك على التعافي من الاكتئاب المرتبط بزيادة دهون الجسم:
1. لا تعاقب نفسك على تراكم الدهون في جسمك
إلى جانب الاكتئاب، قد تشعر بالغضب من زيادة وزنك، وبالتالي، تعاقب نفسك بحرمانها من بعض المتع أو الامتيازات، على سبيل المثال، تخبر نفسك أنك لن تقابل أصدقاءك حتى تخسر وزنك، وهذا غير صحيح، يمكنك إجراء تغييرات إيجابية في نمط حياتك دون معاقبة نفسك، ولهذا اخرج من أجل مقابلة أصدقائك، ومارس الرياضة 3 أيام في الأسبوع؛ فهذا يوفر لك مساراً للتحسين دون معاقبة نفسك على وضعك الحالي.
2. ابحث عن أنشطة تستمتع بها
أحياناً قد تلجأ إلى الإفراط في تناول الطعام من أجل تخفيف أعراض الاكتئاب، ما يؤدي في النهاية إلى تعقيد الأمور، لأنك سوف تحس بالغضب من نفسك بعد الوجبات، لهذا من المهم توسيع نطاق أنشطتك الممتعة، اجلس مع نفسك، وتعرف إلى الأشياء التي تجلب لك المتعة بخلاف الطعام. على سبيل المثال، جرّب الحمام الدافئ أو يمكنك التلوين أو الاستماع إلى الموسيقا.
3. مارس اليقظة الذهنية
اليقظة الذهنية هي تركيز انتباهك على اللحظة الحالية دون تفكير في الماضي أو انشغال بأمور المستقبل، يمكنك على سبيل المثال، تجربتها في أثناء المشي في الهواء الطلق، أو ممارسة التأمل الصباحي، أو في أثناء كتابة اليوميات، هذا بالإضافة إلى الأكل الواعي، بمعنى التوقف قليلاً ومحاولة الاستمتاع بالطعام، والابتعاد عن الشاشات في أثناء الأكل.
4. استمع جيداً لحديثك إلى نفسك
هل تنتبه للرسائل التي ترسلها لنفسك طوال يومك؟ هل تركز في حديثك إلى نفسك؟ لأن هذا الحديث يؤثر تأثيراً كبيراً في حالتك النفسية وقد يجسد عائقاً أمام صحتك. على سبيل المثال، حين تتحدث إلى نفسك قائلاً "أنا سمين جداً" أو "مظهري سيئ للغاية"، فأنت بذلك يمكن أن تُضعف قدرتك على اتخاذ خطوات صحية من أجل التخلص من دهون الجسم.
اقرأ أيضاً: كيف يؤثر الضغط النفسي في زيادة الوزن؟
5. اطلب المساعدة من الطبيب النفسي المتخصص
إذا واجهت صعوبة كبرى في التعامل مع مشاكل الاكتئاب وزيادة الدهون في الجسم، فلا تواجه كل ذلك بمفردك، اطلب المساعدة من الطبيب النفسي المتخصص، واطلب الدعم من أصدقائك وأفراد أسرتك، ومهما كان وضعك الحالي، تعلّم أن تتقبل نفسك.