هل لاحظت يوماً كيف تؤثر الأطعمة التي تتناولها في مزاجك وصحتك النفسية؟ وجبة صحية ومتوازنة تُعطيك دفعة من الطاقة وتُشعرك بالرغبة في مواجهة العالم، في حين أن تناول وجبة دسمة قد يجعلك تشعر بالتعب والإرهاق، والحقيقة هي أن تأثير الطعام في صحتك النفسية لا يقف عند هذا الحد، إذ كشفت دراسة بحثية حديثة أجرتها جامعة شينجيانغ الطبية الصينية (China’s Xinjiang Medical University) ونشرتها مجلة الاضطرابات العاطفية (Journal of Affective Disorders) في أبريل/نيسان 2025 أن إضافة الملح إلى الطعام قد تزيد خطر الاكتئاب والقلق، فما علاقة الملح بهما؟ الإجابة عبر المقال.
محتويات المقال
إضافة الملح إلى الطعام ترفع خطر القلق والاكتئاب بنسبة 40%
أوضحت الدراسة البحثية السابق ذكرها أن إضافة الملح بانتظام إلى الطعام قد ترفع خطر الاكتئاب والقلق بنسبة تقارب 40% مقارنةً بالأفراد الذين لا يضيفون الملح إلى طعامهم، وارتكزت نتائج هذه الدراسة على تحليل العادات الغذائية والبيانات الصحية لما يقرب من نصف مليون شخص بريطاني، ولكن لماذا يرتبط تناول الملح بالقلق والاكتئاب؟ الحقيقة أن الباحثين المشاركين في الدراسة طرحوا احتمالين، وهما:
- الإفراط في استهلاك الملح قد يُسرّع الشيخوخة البيولوجية، ما يزيد بدوره خطر مشاكل الصحة النفسية مثل القلق والاكتئاب.
- الاحتمال الآخر هو أن الملح يتداخل مع الهرمونات المُنظمة للحالة المزاجية مثل السيروتونين والدوبامين، ما يؤدي إلى حدوث اضطرابات عاطفية ونفسية.
وتُعد هذه النتائج بالغة الأهمية لأنها الدراسة الأولى التي تُثبت وجود صلة مباشرة بين إضافة الملح إلى الطعام وزيادة خطر الإصابة بالاكتئاب والقلق، إذ أظهر تحليل بيانات العلاقة بين تناول الملح ومشكلات الصحة النفسية لـ 439,412 بريطانياً أن 9,516 شخصاً شُخِّصوا بالاكتئاب و11,796 شخصاً شُخصوا بالقلق.
وأكدت النتائج إن الإفراط في تناول الملح يسهم في الإصابة بالعديد من الأمراض، بما فيها ضغط الدم والسكري وأمراض الكلى المزمنة، بالإضافة إلى ارتفاع خطر الوفاة.
اقرأ أيضاً: ما العلاقة بين الاكتئاب واضطرابات الطعام؟ دراسة جديدة تجيب
كيف يؤثر نظامك الغذائي في صحتك النفسية؟
يتحكم الدماغ في معظم وظائف الجسم الحيوية؛ لذلك من المهم أن يتلقى إمداداً ثابتاً من الطاقة والأوكسجين، وغالباً ما يحصل دماغك على هذه الطاقة عن طريق استقلاب العناصر الغذائية في مجرى الدم التي تأتي من الطعام المهضوم. ومن ثم، يرتبط الطعام الذي تتناوله ارتباطاً وثيقاً ومباشراً ببنية الدماغ والوظائف التي يؤديها. على سبيل المثال، تسبب الأنظمة الغذائية الغنية بالسكريات الضرر للدماغ، لأن ارتفاع نسبة السكريات البسيطة يُجهد البنكرياس ويُحفز مقاومة الأنسولين، وعلى الجانب الآخر، يحفز ارتفاع مستويات السكر إفراز هرمون التوتر، الكورتيزول، الذي يرتبط بزيادة خطر القلق والاكتئاب والإجهاد الالتهابي والتأكسدي.
ولا يقتصر الأمر على ذلك، إذ تُنتج الأمعاء نحو 95% من السيروتونين، وهو ناقل عصبي يساعد على التحكم بالنوم والشهية وتثبيط الألم وتنظيم الحالة المزاجية. كما أن الأمعاء غنية بالخلايا العصبية إذ تحتوي على أكثر من 100 مليون خلية عصبية، وبالتالي فهي تشارك على نحو وثيق في تنظيم المشاعر وإدراك الألم وأداء الوظائف الفيزيولوجية الحيوية.
ويشرح استشاري الطب النفسي، محمد المقهوي، أن الأمعاء تحتوي على البكتيريا النافعة التي تسهم في تحسين الحالة المزاجية وتعزز عملية الهضم، وهذه البكتيريا تساعد على إفراز هرمون السيروتونين.
ما هي أهم العناصر الغذائية التي تؤدي إلى تحسين حالتك المزاجية؟
إن النظام الغذائي الصحي الذي يحتوي على الفواكه والخضروات والحبوب الكاملة والمكسرات، يوفر الفيتامينات والمعادن والدهون الصحية، ما يؤدي إلى تقليل الالتهاب ويعزز كفاءة الدماغ، ومن ثم يخفف أعراض القلق والاكتئاب. وحين تلتزم بنظام غذائي غني بالعناصر المهمة، فإنك تقلل احتمالات معاناتك تقلبات مزاجية وتحسّن قدرتك على التركيز. ومن أهم العناصر الغذائية التي يحتاج جسمك ودماغك إليها:
1. الألياف
حاول قدر الإمكان تناول الأطعمة النباتية مثل الفاصولياء، أو الكربوهيدرات الغنية بالعناصر الغذائية مثل الحبوب الكاملة، لأن هذه الأطعمة غنية بالألياف التي تساعد جسمك على امتصاص الغلوكوز على نحو أبطأ، ما يساعدك على تجنب ارتفاع السكر في الدم.
2. مضادات الأكسدة
اختر أطعمة غنية بمضادات الأكسدة مثل التوت والخضروات الورقية الخضراء، وتناول أطعمة غنية بأحماض أوميغا 3 الدهنية: مثل سمك السلمون وبذور الشيا السوداء، إذ تساعد هذه الأطعمة على مكافحة الالتهابات وتعزيز صحتك الجسدية والنفسية.
3. حمض الفوليك
ابحث عن أطعمة غنية بحمض الفوليك: مثل الخضروات الورقية والعدس والشمام، لأن حمض الفوليك هو نوع من فيتامين ب الذي يساعد على إنتاج الدوبامين المرتبط بتحسين الحالة المزاجية.
4. فيتامين د
تناول أطعمة ومشروبات غنية بفيتامين د مثل سمك السلمون والتونة وصفار البيض والحليب المدعم بالفيتامينات وعصير البرتقال، إذ يساعد هذا الفيتامين على إنتاج السيروتونين الذي يعزز الشعور بالسعادة.
5. المغنزيوم
يؤدي نقص المغنزيوم في الجسم إلى تفاقم أعراض القلق والاكتئاب، لذلك حاول قدر الإمكان إدراجه في وجباتك، وهو موجود في الخضروات الورقية الداكنة مثل السبانخ، علاوة على حبوب الكاكاو واللوز والكاجو والموز والفاصولياء.
اقرأ أيضاً: هل توجد علاقة بين الطعام والشعور؟ تعرف إلى الأكل العاطفي
5 نصائح تساعدك على اتباع نظام غذائي يحميك من القلق والاكتئاب
نعيش حالياً وفق نمط حياة متسارع، وقد تنسى أحياناً تناول وجبات طعامك أو تلجأ إلى الوجبات السريعة. لذلك إذا كنت تجد صعوبة في تذكر الأطعمة التي تحتوي على العناصر الغذائية المهمة، فجرب مزيجاً من هذه النصائح والاستراتيجيات:
1. استمتع بالألوان
حين تفكر في تناول وجبتك التالية، ما رأيك لو أضفت لها بعض الألوان، مثل الخضروات الورقية ذات اللون الأخضر، والفواكه ذات اللون الأصفر مثل الموز، والبرتقالي مثل البرتقال، فهي غنية بالفيتامينات والمعادن ومضادات الأكسدة، التي قد تساعد في تحسين مزاجك.
2. تناول وجبات خفيفة غنية بالعناصر الغذائية
تعد المكسرات والبذور والشوكولاتة الداكنة خيارات رائعة؛ لأنها توفر مزيجاً من الدهون الصحية والبروتين ومضادات الأكسدة. ومن ثم، يمكن أن تساعدك على التحكم بالجوع وتحسين مزاجك ودعم وظائف الدماغ.
3. قلل الأطعمة المصنّعة والمشروبات السكرية
وذلك لأنها قليلة القيمة الغذائية، وقد تؤدي إلى تقلبات مزاجية وانخفاض في الطاقة. وبدلاً منها ركز على الأطعمة غير المصنعة التي توفر العناصر الغذائية التي يحتاج جسمك وعقلك إليها.
4. تناول حصتين من السمك أسبوعياً
تحتوي الأسماك، وخاصةً الأسماك الزيتية مثل السلمون والماكريل والسردين، على أحماض أوميغا 3 الدهنية التي تُعزز كفاءة الدماغ وتساعده على أداء وظائفه الحيوية، كما تُوفر المأكولات البحرية الفيتامينات والمعادن.
5. قلل تناول الكافيين
يوجد الكافيين في القهوة والشاي والكولا والعديد من مشروبات الطاقة، وهو منبه يساعد على اليقظة، ولكنه قد يسبب أيضاً تسارعاً في ضربات القلب وزيادة القلق. يمكن أن تستمر آثار الكافيين مدة تصل إلى 7 ساعات، لذا تجنب شرب القهوة والشاي في المساء كي لا تعاني اضطراباً في النوم، ما يؤدي بدوره إلى تفاقم أعراض القلق والاكتئاب. لكن من الأفضل تقليل الكافيين تدريجياً، لأن توقفه المفاجئ قد يسبب الصداع.
اقرأ أيضاً: الأكل اليقظ: كيف توظف هذا النهج لتضاعف استفادتك من تناول الطعام