معضلة جيل زد: الكثير من المال والقليل من راحة البال!

3 دقيقة
جيل زد
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

"جبت الأخضر، عيشت اللحظة، لسه مخنوق قوي قوي يمه".

عبر مغني الراب المصري مروان بابلو بالكلمات السابقة في أغنيته "مطفتش" عن أزمة يعيشها الكثير من أبناء جيله، "جيل زد"، وقصد بتعبيره "الأخضر" الدولار الأميركي إذ تنتشر هذه التسمية له في اللهجة العامية المصرية. وتجاوز تعبير بابلو عن الأزمة حد الأغاني، ففي لقاء أجراه معه الإعلامي الإماراتي أنس بوخش سرد له تفاصيل اعتزاله قبل أن يعود مجدداً، إذ أخبره بأنه في إحدى الليالي العصيبة وضع الكثير من المال على سريره وخاطبه بأن يحل له مشكلاته جميعها التي كان يعانيها آنذاك، وهنا كانت النقطة الفاصلة في حياته إذ قام بإلغاء حفلاته جميعها واعتزل قرابة العام قبل أن يعود إلى الساحة الفنية مجدداً.

لكن ما الذي جعل الكثير من أبناء جيل زد يدورون في الفلك نفسه: الكثير من المال والمشكلات النفسية أيضاً؟ وكيف يمكنهم الخروج من هذه الأزمة الطاحنة بسلام؟ الإجابة بالتفصيل في المقال.

بالأرقام: جيل زد هو الأغنى تاريخياً لكنه يعاني المزيد من الضغط النفسي

أشار معهد بنك أوف أميركا (Bank of America Institute) ضمن تقرير أصدره في مارس/آذار 2025 إلى أن الجيل زد سيكون أغنى جيل على مر التاريخ بحلول عام 2040 مع تحقيقه دخلاً جماعياً يتجاوز 74 تريليون دولار أميركي، لكن الأرقام التفصيلية لا تعكس صورة مشرقة، فهناك 52% من أفراده يقولون إنهم لا يجنون ما يكفي للعيش مثلما يتمنون، بينما يؤكد 32% منهم أنهم متأخرون مالياً مقارنة بآبائهم في العمر نفسه، أما النسبة الأخطر فهي نسبة الذين يقولون إن إنفاقهم الشهري يقارب ضعف مدخراتهم وتبلغ 1.93%، وهي النسبة الأعلى بين الأجيال جميعها.

ويبدو أن النسبة الأخيرة ترتبط باتخاذهم الإنفاق وسيلة للتعويض النفسي في مواجهة الضغوط الخارجية مثل غلاء المعيشة والقلق المستمر من المستقبل، فجيل زد يعد أكثر إنفاقاً من غيره على الكماليات مثل الترفيه بنسبة 25.5% والسفر بنسبة 13.8%.

اقرأ أيضاً: لماذا يُصاب الجيل زد بالقلق والوحدة؟ وكيف يمكنه التغلب عليهما؟

من داخل النفس البشرية: لماذا نظن أن الإنفاق قد يخفف معاناتنا؟

قرأت منشوراً منذ فترة على منصة فيس بوك أشار ناشره إلى أن الضغط النفسي المرافق للوظائف ذات الدخل المرتفع يعقبه إنفاق زائد عن الحد بهدف مداواة أثر تلك الضغوط، والحقيقة أن حديثه لا يعد مجازياً؛ فوفقاً للباحث السلوكي في جامعة ديوك الأميركية (Duke University) بيري رايت (Perry Wright)، عندما نشعر بالتوتر فإن إنفاق المال على أي شيء يمكن أن يمنحنا شعوراً بالراحة ويحسّن مزاجنا، لكنه يوضح أن هذا الارتياح قصير المدى، إذ نظن أننا بذلك قد تخلصنا من ضغوطنا، لكن في حقيقة الأمر ما زال السبب الحقيقي قائماً وسيتصدر المشهد بمجرد انتهاء التأثير المؤقت لعملية الشراء.

ثمة بُعد آخر مهم وهو أن الشعور بالحزن يجعلنا نرى أحياناً أننا فقدنا سيطرتنا على مقود حياتنا، وهنا يظهر التسوق باعتباره وسيلة للشعور بالسيطرة على الأمور، لكنه في الوقت نفسه يخفي خلفه هروباً واضحاً من الواقع سندفع ثمنه.

إلى جانب اعتبار البعض الإنفاق وزيادة المقتنيات المادية من أشكال إثبات الذات والتحقق والاجتماعي، بالأخص في ظل انتشار منصات التواصل التي ينشر عليها الأشخاص صور ممتلكاتهم، ويشاركون تفاصيل تعكس مستوى الرفاهية الذي يعيشونه.

لكن الواقع يقول: إذا كان الشخص يظن أن المزيد من المكتسبات المادية ستخفي معاناته النفسية فإن معاناته ستظل قائمة، إذ يرى استشاري طب الأسرة والعلاج النفسي خالد بن حمد الجابر أن الرأسمالية نجحت في زيادة مقتنياتنا المادية، لكن بثمن مكلف وهو معاناتنا الضغوط والتوتر، فأصبح الكثيرون يسعون دائماً إلى المزيد من الأموال والمتع، وهو ما يعرّفه الجابر بسعادة القُنيات التي يشبّهها بماء البحر مهما شرب الشخص منه فلن يرتوي.

اقرأ أيضاً: الصورة ليست كما تبدو في الشاشة: معاناة المؤثرين على السوشيال ميديا نفسياً

4 إرشادات تساعدك على التوقف عن الإنفاق الزائد

تعد العلاقة بين المال وصحتنا النفسية معقدة بعض الشيء، لذا إليك بعض الإرشادات الفعالة لتنظيمها بهدف التوصل إلى نمط إنفاق معتدل:

  1. حاول الوصول إلى جذور المشاعر التي تدفعك إلى الإفراط في الإنفاق بهدف معالجتها، ويمكن لهذه الأسئلة مساعدتك:
  • هل توجد أوقات معينة يزداد فيها إنفاقك؟
  • ما هو الشعور الذي تحققه بإنفاقك للمال؟
  • هل توجد أحاسيس معينة تظهر في ذهنك عندما تفكر في المال؟
  1. اتخذ خطوات عملية لضبط معدل إنفاقك، مثل: عدم حفظ تفاصيل بطاقاتك البنكية على التطبيقات ومواقع التسوق، وتقليل مشاهدة الإعلانات التجارية، وأيضاً تأجيل قرار الشراء، ولو يوماً واحداً، من أجل التحقق إذا كنت تحتاج السلعة حقاً أم لا.
  2. فرّق بين الاحتياجات الأساسية والكماليات، ْلنفسك أهدافاً مالية تحققها بعيداً عن الإنفاق الاستهلاكي الذي ينقضي تأثيره سريعاً، أيضاً وجّه جزءاً من مواردك المالية إلى الاستثمار في ذاتك ضمن مسارات مختلفة، مثل: الاشتراك في نادٍ رياضي، أو ممارسة هواية تحبها، أو الحصول على دورة تدريبية لتطوير مهاراتك المهنية.
  3. إذا وجدت أنك ما زلت تعاني ولم تستطع التخلص من نمط الإنفاق الزائد، فكر في استشارة مختص نفسي يساعدك على استكشاف حالتك بدقة ويرشدك إلى الحلول الأنسب.

اقرأ أيضاً: دليلك للنجاة بصحتك النفسية من الأزمات المالية

المحتوى محمي