كيف نساعد المعتقلين فترات طويلة على الانخراط مجدداً في المجتمع؟

4 دقيقة
السجن
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

ما لم تكن قد جربت الدخول إلى السجن من قبل، فمن الصعب إن لم يكن من المستحيل عليك أن تفهم ما يمر به السجناء والمعتقلون، سواء في أثناء فترة وجودهم خلف القضبان أم بعد خروجهم من هناك، وكلما طالت مدة السجن، تغيرت شخصية السجناء بطرائق تجعل إعادة دمجهم في المجتمع أمراً صعباً، فحين يكون الشخص داخل السجن يتكيف على أصعب الظروف، ويوماً بعد يوم، ثم عاماً بعد عام يفقد أي مساحة كان يمتلكها، ثم يفقد أجزاءً من ذاته، فهل ثمة أمل يمكن أن يساعد المساجين والمعتقلين على الانخراط من جديد داخل المجتمع؟ الإجابة من خلال هذا المقال.

ما هي متلازمة ما بعد السجن (Post-incarceration syndrome)؟

متلازمة ما بعد السجن (PICS) اضطراب نفسي يصيب الأفراد الذين سُجنوا ثم أُطلق سراحهم لينخرطوا مرة أخرى في المجتمع، وتتسم هذه المتلازمة بمجموعة من التحديات والصعوبات النفسية والعاطفية والاجتماعية التي قد تنشأ نتيجة للسجن، حيث تشمل هذه الصعوبات الاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) وصعوبة التكيف مع الحياة خارج السجن وصعوبة تكوين العلاقات والحفاظ عليها.

ولا تُعدّ هذه المتلازمة اضطراباً نفسياً معترفاً به في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM) أو التصنيف الدولي للأمراض (ICD)، وعلى الرغم من ذلك، قد يُستخدم هذا المصطلح لوصف التحديات النفسية الحقيقية التي قد يواجهها الأشخاص الذين سُجنوا مدة طويلة وشعروا بالضياع والعزلة الاجتماعية بعد خروجهم من السجن.

اقرأ أيضاً: هل نعاني مثلما يعاني قريبنا في السجن؟

كيف تغير تجربة السجن شخصية الأفراد؟

يؤكد عالم النفس الاجتماعي كريج هاني (Craig Haney) أن تجربة السجن مؤلمة جداً، وغالباً ما يعاني المسجونون عواقب طويلة الأمد نتيجة تعرضهم للألم والحرمان، علاوة على ذلك فإن نمط المعيشة والتعامل مع الآخرين داخل السجن يخضع عادة لمعايير تجعل المساجين يحسون بمشاعر العجز.

على الجانب الآخر، يمكن القول إن السمات الرئيسية لمؤسسة السجن تؤدي حتماً إلى تغير شخصيات السجناء والمعتقلين بسبب حرمانهم من الاختيار الحر، والاعتداء الدائم على خصوصيتهم، وتعرضهم للوصم المتكرر، والخوف المستمر، والحاجة الملحة إلى الظهور بمظهر التبلد العاطفي حتى لا يتعرض المسجون للاستغلال من قبل الآخرين، بالإضافة إلى كل ذلك، هناك أيضاً ضرورة اتباع القواعد الصارمة المفروضة من قبل هيئة السجن، كل هذه العوامل تجتمع معاً وتغير شخصية السجين.

وتوضح المختصة النفسية مارييك ليما (Marieke Liema) أن المساجين يطورون سمات شخصية بسبب بيئة السجن، وهذه السمات هي: عدم الثقة في الآخرين، وصعوبة الانخراط في العلاقات، وعدم القدرة على اتخاذ القرارات، والانفصال العاطفي.

ومن الممكن أن يؤدي قضاء وقت طويل في السجن إلى ضعف التحكم في الانتباه، وزيادة الاندفاع، وفقدان الحافز، وكلما زادت مدة عقوبة السجن وقسوتها من حيث قلة الحرية والاختيار، زادت احتمالات تغير شخصيات السجناء بطرائق تجعل إعادة إدماجهم أمراً صعباً وتزيد خطر عودتهم إلى العزلة.

ما هي التأثيرات النفسية لتجربة السجن في الأشخاص القابعين بالداخل؟

تسفر ظروف العيش القاسية في السجون عن معاناة المساجين والمعتقلين الاضطرابات والأمراض النفسية، حيث يواجه السجين صعوبة هائلة في التكيُّف مع الضغط الذي تفرضه عليه ظروف السجن القاسية، وقد يُصاب باضطراب نفسي.

ويمكن القول إن السجن لم يعد أداة من أجل فرض السلطة فحسب، لكن دوره امتد ليصل إلى تجريد المساجين والمعتقلين من إنسانيتهم، وهو ما يتمثل في عملية تعذيب المساجين أحياناً إما جسدياً عبر الضرب أم نفسياً من خلال التلاعب السلوكي بعقولهم، ومع استمرار عمليات التعذيب يصل بعض المساجين إلى حد الفصام ما بين الذات والجسد الخاضع للتعذيب، وهنا يتحول المسجون أو المعتقل إلى اثنين، هو وجسده، فيصل في النهاية إلى مرحلة كراهية ذلك الجسد واحتقاره.

وتوضح الطبيبة النفسية، بسمة عبد العزيز، أن فترة الاعتقال الطويلة علاوة على التعرض للتعذيب تنعكس نفسياً واجتماعياً على السجين وأسرته، إذ يعاني المساجين القلق الدائم والاكتئاب والانعزال عن العالم، وفكرة معاودة العمل من جديد بعد الإفراج قد تحتاج إلى الكثير من الوقت، ولهذا يشعر السجين بضعف الثقة في النفس وتأنيب الضمير ما يدفعه إلى جلد ذاته ومن ثم يحس بالإحباط.

وتجدر الإشارة إلى أن السجين بعد فترة اعتقال طويلة يفقد تواصله مع الواقع، وحين يخرج من السجن عادة ما يكون مصاباً باضطراب ما الصدمة الذي يشمل استمرار توارد تجارب الاعتقال القاسية على الذهن، والكوابيس ونوبات الهلع وفرط الحذر، والهلاوس والأوهام، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى الانتحار.

على الجانب الآخر، تزداد تجربة السجن وطأة حين يختبر السجين تجربة الحبس الانفرادي، وذلك لأن البشر يحتاجون إلى التواصل مع الآخرين، ووفقاً للمختصة النفسية ومؤلفة كتاب "دليل المصادر عن الحبس الانفرادي" (A Sourcebook on Solitary Confinement)، شارون شاليف (Sharon Shalev)، إن تجربة الحبس الانفرادي تؤدي إلى:

  • القلق والتوتر.
  • الاكتئاب واليأس.
  • الغضب والانفعال والعداء.
  • نوبات الهلع.
  • فرط الحساسية للأصوات والروائح.
  • مشاكل الانتباه والتركيز والذاكرة.
  • الهلوسة التي تؤثر في الحواس جميعها.
  • جنون العظمة.
  • ضعف التحكم في الانفعالات.
  • الانسحاب الاجتماعي.
  • نوبات العنف.
  • الذهان.
  • الأفكار الانتحارية.
  • اضطرابات النوم.
  • الصداع المزمن.
  • آلام المفاصل والعضلات.
  • مرض السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب.

اقرأ أيضاً: كيف تنجح في تجاوز محن الحياة: دروس مستخلصة من 5 قصص حقيقية

كيف يمكن مساعدة المعتقلين زمناً طويلاً على الانخراط في المجتمع من جديد؟

بعد تجربة الخروج من السجن قد يصبح الأشخاص غير مستعدين للانخراط في المجتمع من جديد، حيث يميلون إلى العزلة والانزواء عن الآخرين، ومن أجل مساعدتهم على الاندماج داخل نسيج المجتمع يُنصح باتباع الاستراتيجيات التالية:

1. اللجوء إلى برامج إعادة التأهيل النفسي

ترتكز برامج إعادة التأهيل النفسي على مساعدة المعتقلين والمساجين على الحياة والتعلم والعمل في البيئات المجتمعية، كما تحاول التركيز على مهارات الحياة اليومية، وتعلم كيفية التوافق مع الآخرين ومحاولة التمتع بحياة أكثر إنتاجية واستقراراً.

2. العلاج الجماعي

يهدف هذا النوع من العلاج إلى مساعدة المساجين أو المعتقلين الذين مروا بتجارب مشابهة على تجاوز صدمات السجن، وتعزيز تقدير الذات ومحاولة التكيف مع نتائج الصدمات المروعة التي تعرضوا لها داخل السجن، على سبيل المثال، يمكن أن يستهدف العلاج الجماعي الناجيات من حوادث الاغتصاب داخل السجن.

3. الدعم الأسري

أهم احتياجات المعتقل أو السجين فور خروجه من محبسه توفير الراحة والطمأنينة والحاجة إلى الأمان والطعام، وفي الأيام الأولى من عودته إلى البيت يُفضّل ألا يتحدث أفراد أسرته عن تجربة السجن، إذ يجب أن يكون هذا الوقت للاستمتاع والفرحة بلم الشمل، وينبغي عدم استخدام لغة الوعظ مع السجين، فلا يُطلب منه أن يصبر أو يصبح قوياً.

4. وضع خطة للبدء من جديد

خلال الأيام الأولى بعد الخروج من السجن، قد يحتاج الأشخاص إلى التنفيس عن غضبهم ومشاعرهم السلبية، لذلك يجب على الأصدقاء والمقربين وأفراد العائلة الاستماع إليهم، وبعد أن تمر تلك الفترة العصبية، ويخضع الفرد لجلسات التأهيل النفسي والعلاج الجماعي يجب وضع خطة من أجل البدء من جديد والانخراط في المجتمع لبناء المستقبل.

5. تعزيز برامج إعادة التأهيل من قبل مؤسسات الدولة

يواجه الأشخاص الذين خرجوا من السجن عدة تحديات أهمها الجانب الاقتصادي، لهذا يجب على مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الحكومية وغير الحكومية إعادة دمج المسجونين من جديد في نسيج المجتمع وذلك عبر توفير فرص عمل لهم، بالإضافة إلى ضرورة تلقي الدعم النفسي المجاني أو حتى بأسعار رمزية.

المحتوى محمي