يعالج هرمون الكورتيزون حالياً عدداً من الأمراض المستعصية، ويخفف آلام الكثير من البشر؛ إلا أن آثاره على الصحة النفسية والعقلية جسيمة. لنتعرف معاً أكثر إلى مكتشِف هرمون الكورتيزون، وبعض النواحي المهمة التي تتطرق إلى آثاره على صحتنا النفسية والعقلية، وبعضٍ من أسباب استخدامه.
فيليب شوالتر هينش
تُخبرنا السيرة الشخصية التي يعرضها موقع منظمة جائزة نوبل أن فيليب شوالتر هينش (Philip Showalter Hench) وُلد في 28 فبراير/شباط من العام 1896 في مدينة بيتسبرغ بولاية بنسلفانيا؛ حيث كان هينش ابناً لجاكوب بيكسلر هينش وكلارا شوالتر.
بدأ تعليمه بالمدارس المحلية الأميركية، ثم التحق بكلية "لافاييت" (Lafayette College) في مدينة إيستون بولاية بنسلفانيا؛ حيث حصل هناك على بكالوريوس الآداب عام 1916.
اكتشاف هرمون الكورتيزون
خلال الفترة بين عاميّ 1930 و1938؛ كان الدكتور إدوارد كالفن كيندال (Edward Calvin Kendall) والذي يعمل مع دكتور هينش في "مايو كلينيك"، قد عزل عدة ستيرويدات من قشرة الغدة الكظرية (Adrenal Gland)، وبعد عدة سنوات من التعاون والعمل الجاد، وقليل من الحظ، قرر هينش مع زميله كيندال عمل تجربة لدراسة تأثير إحدى هذه المواد "المُركّب إي" (Compound E)، على مرضى التهاب المفاصل الروماتويدي.
وبين عاميّ 1948 و1949؛ اختبر هينش وزميله كيندال "المُركّب إي" الذي أظهر نجاحاً باهراً ليس له مثيل على مرضى التهاب المفاصل الروماتويدي. في الحقيقة، كان "المُركّب إي" الذي حظي بالنجاح، وأُطلق عليه لاحقاً اسم الكورتيزون (Cortisone).
بالإضافة إلى ذلك؛ عالج هينش المرضى الذين عانوا من قلة نشاط الهرمون المنشط لقشرة الغدة الكظرية (Adrenocorticotropic Hormone) بهرمون الكورتيزون؛ حيث يمثّل ذلك الهرمون مركباً تفرزه الغدة النخامية (Pituitary Gland) ويحفز الغدة الكظرية.
هرمون الكورتيزون والصحة النفسية والعقلية
الآثار النفسية السلبية
يساهم كل من الكورتيزون والكورتيزول في بعض الخطط العلاجية التي تعالج عدداً من الأمراض العضوية وتعزز صحة الجسم. والجدير بالذكر أن الكورتيزون هو هرمون خامل لا ينشط داخل الجسم إلا بعد أن يتم تحويله إلى هرمون الكورتيزول.
ويُعتبر كل من الكورتيزون الذي يُصَنّع مخبرياً، و"الكورتيزول" (Cortisol) الذي يُصنع داخل الجسم في الغدد الكظرية، من أنواع "الهرمونات القشرية السكرية" (glucocorticosteroids).
وفي الحقيقة؛ تحاكي أدوية الكورتيزون عمل الكورتيزول ولكنها تميل إلى أن تكون أقوى منها بشكل كبير. وتُصنّع أدوية الهرمونات القشرية بأشكال مختلفة؛ مثل الحبوب والسوائل التي يمكن حقنها مباشرة في الجسم، والكريمات الموضعية التي يمكن وضعها على الجلد.
ويُستخدم الكورتيزون بجرعات متعددة لعلاج مجموعة من الأعراض والأمراض؛ إلا أن ذلك لا يخلو من الآثار الجانبية على الصحة النفسية والعقلية.
بحسب دراسة علمية منشورة في بداية القرن الحالي؛ يخبرنا العلماء من كلية "مايو للطب" (Mayo Medical School) أنه من الشائع حدوث آثار نفسية سلبية في أثناء العلاج بالهرمونات القشرية (Corticosteroids)؛ مثل الكورتيزون.
وبالإضافة إلى ما سبق؛ حلل العلماء نتائج اثنتين من المراجعات العلمية الضخمة التي توصلت إلى أن حدوث آثار نفسية ذات ردود فعل شديدة ظهرت في ما يقرب من 6% من المرضى، أما الخفيفة إلى المعتدلة فقد ظهرت في حوالي 28%.
ووفقاً للدراسة السابقة؛ تسبب الهرمونات القشرية التي تحتوي على الكورتيزون والكورتيزول، عدداً من الاضطرابات الممكن حدوثها.
مثال ذلك؛ اضطرابات المزاج والإدراك والنوم والسلوك، بالإضافة إلى الهذيان أو حتى الذهان. كما تشمل الآثار الضارة الأكثر شيوعاً أيضاً للعلاج قصير المدى بالهرمونات القشرية، الانتشاء الوهمي والهوس.
على العكس من ذلك؛ يؤدي العلاج طويل الأمد بالهرمونات القشرية إلى ظهور أعراض ملحوظة للاكتئاب. ويصح القول هنا أن الجرعة الموصوفة ترتبط مباشرة بحدوث الآثار الضارة؛ ولكنها لا تتعلق بتوقيت أو شدة أو مدة هذه التأثيرات.
ومن الآثار الجانبية على الصحة النفسية والعقلية ما أوضحته دراسة نشرتها جامعة آيوا الأميركية في "مجلة الاضطرابات العاطفية" (Journal of Affective Disorders)؛ حيث أشارت نتائج الدراسة إلى حدوث تفاعلات نفسية شديدة عند حوالي 5% من المرضى المعالَجين بالهرمونات القشرية كالكورتيزون، وعادةً ما تحدث الاضطرابات النفسية في وقت مبكر من مسار العلاج.
وفي دراسة منشورة بالتعاون بين جامعات بريطانية وأستراليا عام 2016 بعنوان: "زيادة مستويات الكورتيزول على المدى الطويل لدى الشباب الذين يعانون من مشاكل الصحة العقلية"، وجد العلماء عند تحليلهم للدراسات السابقة أن زيادة مستويات الكورتيزول في الجسم قد تؤدي إلى ظهور أعراض بعض الاضطرابات العقلية لدى الأفراد المعرضين للخطر.
وبالاعتماد على تلك الدراسات؛ وجد الباحثون أن مستويات الكورتيزول المرتفعة في الجسم تتنبأ بارتفاع خطر احتمالية ظهور اضطراب نفسي لدى المراهقين في سن الـ 14 عاماً، وذلك لأن المراهقين أكثر عرضة للاضطرابات النفسية في تلك المرحلة العمرية وحتى سن 24 عاماً.
كيف يتم تتبع هذه الهرمونات داخل الجسم؟
بحسب الدراسة السابقة؛ وجد العلماء أن تحاليل اللعاب والبلازما والبول كانت من أهم التحاليل ذات الفعالية والموثوقية المرتفعة لقياس مستوى الهرمونات القشرية في الجسم.
فعلى سبيل المثال؛ تقيس هذه التحاليل مستويات الكورتيزول الفعلية أو متوسط إفرازات الكورتيزول خلال فترة زمنية قصيرة محددة، عادةً 24 ساعة مثلما هو الحال في تحاليل البول.
وفي المقابل؛ يمثّل تحليل مستويات هرمون الكورتيزول في شعر فروة الرأس مقياساً موثوقاً يمكن من خلاله قياس مستويات هرمون الكورتيزول في الجسم لفترة زمنية طويلة.
ومع ذلك؛ وجد العلماء خلال بحثهم أن تركيز هرمون الكورتيزول في الشعر ينخفض بشكل ملحوظ بالمقارنة بين الأجزاء القريبة والبعيدة عن شعر فروة الرأس؛ ما يحد من فترة الفحص بأثر رجعي.
فيمَ يُستخدم الكورتيزون؟
بحسب برونيلدا نازاريو؛ المديرة الطبية الرئيسية في "ويب إم دي" (WebMD)، فيمكن أن تُستخدم حقن الكورتيزون لعلاج التهاب مناطق صغيرة من الجسم؛ مثل التهاب مفصل أو وتر معين.
ويمكن لحقن الكورتيزون أيضاً علاج الالتهاب المنتشر عموماً في الجسم؛ كما هو الحال عندما تكون هناك حالات من الحساسية والربو والتهاب المفاصل الروماتويدي الذي يؤثر في العديد من المفاصل.
متى يصف الأطباء الكورتيزون؟
تخبرنا الدكتورة نازاريو أن الطبيب المتابع لحالة مريض ما، قد يصف حقنة الكورتيزون للحاجة الضرورية خصوصاً من أجل أحد الأعراض التالية:
- ألم في الظهر.
- الالتهاب الكيسي (Bursitis).
- النقرس (Gout).
- التهاب المفاصل (Osteoarthritis).
- التهاب الأوتار (Tendinitis).
أقراص الكورتيزون
يخبرنا خبراء الصيدلة في جامعة "إلينوي" عن طريق منصة "هيلث لاين" (Healthline) أن أقراص الكورتيزون التي قد تُستخدم لتساعد على تقليل الالتهاب والاستجابات المناعية، ويمكن استخدامها أيضاً كعلاج بديل لبعض الهرمونات.
وتُستخدم أقراص الكورتيزون لعلاج عدة حالات؛ حيث تشمل:
- قصور الغدة الكظرية.
- التهاب المفاصل؛ بما في ذلك هشاشة العظام والتهاب المفاصل الروماتويدي.
- الحساسية؛ مثل الحساسية الموسمية.
- الربو.
- التهاب القولون التقرحي (Ulcerative Colitis).
- فقر الدم.
- الذئبة (Lupus).
- الأمراض الجلدية؛ مثل الصدفية الشديدة.
الآثار الجانبية التي يمكن ملاحظتها
بحسب خبراء الصيدلة بجامعة إلينوي يمكن أن تشمل الآثار الجانبية الأكثر شيوعاً للكورتيزون ما يلي:
- الأرق.
- التقيؤ.
- الغثيان.
- الارتباك.
- صداع الراس.
- مشاكل الجلد؛ بما في ذلك: (حب الشباب وترقّق البشرة والتعرق الشديد واحمرار الجلد).
- زيادة الوزن.
- مشكلة في النوم.
- الإثارة غير الحقيقية.
- مشكلة في النوم.
بطبيعة الحال؛ إذا كانت هذه الآثار الجانبية خفيفة، فقد تختفي في غضون أيام قليلة أو أسبوعين. وإذا كانت أكثر حدة، فيجب عليك التحدث سريعاً إلى طبيب ليتم النظر في حالتك الصحية ومقدار الجرعة الموصوفة لك.
في النهاية؛ لا يجب أن نخاف من اكتشاف فيليب شوالتر هينش الحاصل على جائزة نوبل عام 1950. والأحرى بنا أن نشعر بالامتنان لما يساهم به هرمون الكورتيزون المصنّع عندما يُستخدم بالجرعة المناسبة؛ حيث يخفف آلام الملايين من البشر.
جدير بالذكر أنه يجب أن ندرك ملاحظة باراسيلسوس (Paracelsus)؛ الطبيب والكيميائي والعالم السويسري، الذي قال أن الجرعة هي السم؛ حيث يصف لنا حقيقة أن لكل مادة تدخل الجسم جرعة محددة مسموح بها.
وهذا يعني أن لكل دواء جرعة محددة يتم تخطيطها بشكل خاص؛ لكن ما أن نتخطاها حتى تصبح سُماً بمقدوره قتلنا، لذا يجب أن نكون على تواصل مستمر مع طبيبنا أو الصيدلي المتابع لحالتنا المرضية.