تُحدد نشأة الأطفال وما يتم غرزه من قِبل الآباء ومحيطهم الأكبر كثيراً من طبائعهم وحياتهم في المستقبل؛ لذلك، فالسعي خلال مرحلة الطفولة لغرس القيم والمبادىء الأساسية هو أمر شديد الأهمية، خصوصاً في عصر يسعى فيه الكثيرون لتقييم وإصدار أحكام على غيرهم بشكل مطرد، ما قد يؤثر في زعزعة ثقة الطفل بنفسه وبقدراته ما لم يكن الوالدين حريصين على تعزيزها كي يستطيع أن يعبر إلى بر الأمان.
في حين أن هناك بعض طرق التربية التي تساعد على خلق وتعزيز ثقة الطفل بنفسه، إلا أن هناك بعض الأفعال التي تضعفها وتجعل الطفل عُرضه للعديد من الآثار النفسية السلبية؛ وهنا تكمن مهمة الآباء.
احترام الذات والثقة بالنفس
يساعد كلاً من احترام الذات والثقة بالنفس على عيش حياة أفضل، ويتداخل المفهومان في كثير من الأحيان.
وفقاً لموقع "سايكولوجي توداي" (Psychology Today)؛ يشير احترام الذات إلى ما إذا كنت تقدّر نفسك حقاً ويتطور ويتغير نتيجة لتجارب الحياة والتفاعل مع الآخرين. بينما تعبّر الثقة بالنفس عن الإيمان بالذات وقدراتها ويمكن أن تتغير على حسب الحالة؛ فمن الطبيعي أن تشعر بثقة تامة في بعض الظروف وأن تكون أقل ثقة في ظروف أخرى.
من الضروري وجود قدر صحي من احترام الذات للحصول على الثقة بالنفس لمواجهة تحديات الحياة والمشاركة في الأشياء التي تجدها ممتعة ومجزية.
علامات احترام الذات والثقة بالنفس
تشمل علامات رضا الطفل عن نفسه وتمتّعه باحترام الذات:
- الشعور بالحب والقبول.
- الشعور بالثقة والفخر لما يمكنه فعله.
- التفكير بإيجابية عن نفسه والإيمان بقدراته.
بينما الطفل الذي يعاني من تدني احترام الذات يُظهر صفات مثل:
- القسوة على نفسه.
- الشعور بأنه ليس جيد مثل الأطفال الآخرين.
- التفكير واجترار الأوقات التي فشل في تحقيق شيء ما خلالها، وليس عندما نجح.
- انعدام الثقة والشك في أنه يستطيع فعل الأشياء بشكل جيد.
- صعوبة في الدفاع عن نفسه والاستسلام بسهولة أو عدم المحاولة على الإطلاق.
كيف يتطور احترام الذات لدى الأطفال؟
تكمن البداية بتنمية احترام الذات لدى الطفل في وقت مبكر منذ الطفولة، ويتطور ذلك ببطء مع مرور الوقت. يبدأ الأمر بشعور الطفل بالأمان والحب والقبول، ثم يتطوّر ذلك تدريجياً بإتاحة الفرصة للطفل بأداء بعض المهام البسيطة بنفسه وترك له فرصة المحاولة، يجعله ذلك يشعر بالرضا عن نفسه عندما يمكنه استخدام مهاراته الجديدة.
مع نمو الطفل، يمكن أن ينمو احترام الذات أيضاً. يحدث ذلك عندما يقوم الأطفال بالآتي:
- إحراز تقدم نحو الأهداف الخاصة بالطفل.
- تعلُّم أشياء جديدة في المدرسة أو المنزل.
- تكوين صداقات.
- تعلم مهارات جديدة كالموسيقى والرياضة والطبخ، وما إلى ذلك.
- ممارسة الأنشطة المفضلة.
- ممارسة أشياء يجيدها ويستمتع بها.
كيف يمكن بناء ثقة الطفل بنفسه واحترام الذات؟
يختلف كل طفل عن الآخر؛ قد يكون تعلّم احترام الذات أسهل لدى بعض الأطفال أكثر من غيرهم. ولكن حتى لو كان احترام الطفل لذاته منخفضاً، فيمكن للوالدين تعزيز قيمة الذات لدى الأطفال ومساعدتهم على الشعور بأنهم قادرون على التعامل مع ما سيواجهونه في حياتهم.
وفقاً للموقع "الصحة العقلية للطفل"؛ هناك 10 نصائح رئيسة للآباء والأمهات لتعزيز ثقة الطفل بنفسه والشعور بالرضا عن نفسه، بالإضافة إلى الاستفادة من قدراته:
1. القدوة لنمذجة الثقة بالنفس
إن رؤيتك تقوم بمهام جديدة بتفاؤل والكثير من التخطيط والاستعداد هي مثال جيد للطفل لأداء المهام بثقة. هذا لا يعني أنه عليك أن تتظاهر بأنك مثالي، لكن عليك التركيز على الأشياء الإيجابية التي تفعلها عوضاً عن القلق.
2. لا تنزعج من الأخطاء
ساعد طفلك على رؤية أن الجميع يرتكبون أخطاء وأن الشيء المهم هو التعلُّم منها، وليس الوقوع فريسة للحزن أو الغضب والبقاء في تلك الحالة كثيراً.
الأشخاص الواثقون من أنفسهم لا يدعوا الخوف من الفشل يعيق طريقهم، ليس لأنهم متأكدون من أنهم لن يفشلوا أبداً، ولكن لأنهم يعرفون كيفية تخطي العقبات.
3. شجّع طفلك على تجربة أشياء جديدة
بدلاً من تركيز كل طاقته على ما يمكنه إنجازه والتفوّق فيه بالفعل، من الجيد للأطفال التنويع وتجربة أشياء مختلفة وجديدة؛ فاكتساب مهارات جديدة يجعل الطفل يشعر بالثقة في قدرته على التعامل مع العديد من الأشياء والمواقف المختلفة.
يتحقق ذلك بشكل أفضل عند تعليم الطفل كيفية القيام بالأشياء ومساعدته في البداية. ثم إتاحة الفرصة له ليفعل ما في وسعه في بيئة آمنة، حتى لو ارتكب أخطاء. فتشجيع الطفل على مواجهة تحديات جديدة - ليست بالسهلة للغاية أو صعبة للغاية - ستعزز ثقته بقدراته.
4. السماح لطفلك بالفشل
كثيراً ما يرغب الوالدان في حماية أطفالهم بتجنّب الفشل أو الوقوع في الخطأ، ولكن التجربة والخطأ هما الطريقة التي يتعلم بها الأطفال. فالسماح للطفل بالفشل وتشجيعه للتجربة مرة أخرى هو أمر إيجابي في خلق الثقة بالنفس.
فتدخل الوالدان في كل الأمور يضر بالطفل، لا يفيده. يحتاج الطفل إلى معرفة أنه لا بأس من الفشل، وأنه من الطبيعي الشعور بالحزن أو القلق أو الغضب. كذلك، يجب محاولة إتاحة الفرصة له للعب والمجازفة دون الشعور بأن والديه سينتقدوه لارتكابه خطأ ما، فالأطفال يحققون النجاح من خلال التغلب على العقبات، وليس عن طريق إزالتها.
5. ساعد طفلك في العثور على شغفه
يمكن أن يساعد استكشاف الاهتمامات الخاصة الأطفال على تطوير هويتهم الشخصية، وهو أمر ضروري لبناء الثقة بالنفس. بطبيعة الحال، فإن رؤية مواهبهم تنمو ستعطي أيضاً دفعة كبيرة لتقديرهم لذاتهم والشعور بالرضا عن أنفسهم.
6. تحديد الأهداف
توضيح الأهداف الصغيرة والكبيرة وتحقيقها يجعل الأطفال يشعرون بالقوة. ساعد طفلك على تحويل الرغبات والأحلام إلى أهداف قابلة للتنفيذ من خلال تشجيعه على وضع قائمة بالأشياء التي يرغب في تحقيقها. بعد ذلك، درّبه على تقسيم الأهداف طويلة المدى إلى أخرى صغيرة واقعية. ذلك سيساعده على تعلم المهارات التي يحتاج إليها لتحقيق أهدافه طوال الحياة.
7. تقدير المجهود المبذول
يُعد مدح الأطفال على إنجازاتهم أمراً رائعاً، ولكن من المهم أيضاً إخبارهم بشعورك بالفخر بجهودهم بغض النظر عن النتيجة، ذلك لأن تطوير مهارات جديدة يتطلب عملاً شاقاً طويل الأمد والنتائج ليست دائماً فورية.
دع طفلك يعرف أنك تقدر العمل الذي يقوم به وأظهر حبك له مهما كانت النتيجة. باتباع هذه الطريقة، سيتأكد الطفل أنك تراه رائع دائماً (وليس فقط عندما يفعل أشياء جيدة)، سيعزز ذلك من قيمته الذاتية حتى عندما لا يشعر بالرضا عن نفسه.
8. المشاركة
على الرغم من أن الأطفال قد يشتكون في بعض الأحيان عندما توكل لهم بعض المهام، فإن ذلك يجعلهم يشعرون بمزيد من الترابط والتقدير عندما يتم الاعتماد عليهم للقيام بوظائف مناسبة لأعمارهم.
9. احتضان النقص
إن الكمال هو أمر غير واقعي، ومن المهم تعليم الطفل ذلك حتى لا يقع في هذا الفخ لاحقاً. ساعد طفلك في معرفة أنه سواء كان ذلك على شاشة التلفزيون أو على موجز وسائل التواصل الاجتماعي، فإن فكرة أن الآخرين دائماً سعداء وناجحين هي فكرة خيالية ومدمرة. بدلاً من ذلك، ذكّره بأن عدم الكمال هو أمر طبيعي ولا بأس به.
10- دعه يتخذ القرارات
عندما تتاح لطفلك الفرصة لاتخاذ قرارات في سن مبكرة، فسوف يكتسب الثقة في حكمه الجيد فيما بعد. حاول أن تعطي طفلك خيارين أو ثلاثة للاختيار بينهم، ذلك لأن امتلاك قدر كبير من التحكم قد يكون أمراً مربكاً له.
احذر من الإطراء الزائد والانتقاد
في ظل اتباع تلك الخطوات، يجب الوعي جيداً بما قد يضر بناء ثقة الطفل بنفسه، فأمر كالإطراء الزائد قد يأتي بنتائج عكسية، كما تقول الكاتبة ألينا توغيند.
يحتاج الأطفال الصغار إلى الكثير من التشجيع في كل مراحل نموهم، بداية من تعلّم الزحف أو رمي الكرة، إلى آخره. ولكن يمكن لطفلك أن يعتاد كثيراً على سماع عبارة "عمل جيد!" ومن ثم يواجه صعوبة في إدراك أن إنجازاته تستحق الاحتفال حقاً أو لا.
لذلك، يجب تجنب المدح الزائد، خاصة عندما يكون الشيء الذي يفعله الطفل شيئاً من المفترض أن يفعله؛ كالحفاظ على نظافة غرفته أو إنجاز واجباته. في تلك الحالات، يمكن أن تكون كلمة "شكراً أو عمل جيد" كافية.
كذلك، يجب الحذر من الانتقادات القاسية؛ فالرسائل التي يسمعها الأطفال عن أنفسهم من الآخرين تُتَرجَم بسهولة إلى شعورهم تجاه أنفسهم. فكلمات مثل "أنت كسول جداً" قد تترك أثراً سيئاً لديه عن نفسه.
عندما يسمع الأطفال رسائل سلبية عن أنفسهم، فإن ذلك يضر باحترامهم لذاتهم. لذلك تجنب الانتقاد بعبارات قاسية وحاول أن تركّز على ما تريد منهم أن يفعلوه في المرة القادمة.
إن التركيز على نقاط القوة لدى الأطفال والبناء عليها يساعد على خلق وتعزيز ثقة الطفل بنفسه، فالأطفال دائماً لديهم فرص لتطوير نقاط القوة والتجربة والخطأ للوصول إلى الطريق الصحيح. كذلك، فترك الفرصة لهم ليتعلموا من أخطائهم وعدم الاستسلام يساعدهم على الشعور بالرضا عن أنفسهم ويجعلهم أكثر مرونة لمواصلة المحاولة، وعدم الشعور بالضيق إذا لم تكن النتيجة هي الأفضل. ذلك أمر أساسي في بناء ثقة الطفل بنفسه!