ملخص: يُعد التسويف معضلة حقيقية تمنع الكثيرين من إطلاق العنان لقدراتهم الإنتاجية. لكن أغرب صورة من صوره هي التي تشمل النوم. نعم، ثمة أشخاص يماطلون في الذهاب إلى النوم في الموعد المحدد. في هذا السياق كشفت دراسة علمية شملت 96 طالباً أن نقص النوم يؤدي إلى أضرار صحية نفسية وعضوية مثل الاكتئاب والسمنة والخمول البدني وأمراض القلب والشرايين. وأوردت الدراسة أن المشاركين الذين خضعوا إلى المراقبة طوال 14 يوماً أخّروا وقت نومهم اليومي بمقدار 15 دقيقة، وعندما كانوا يقررون تسويف موعد النوم كان التأخير يصل إلى نحو 102 من الدقائق. كما أن تماطلهم في النوم كان أكثر في الأيام التي شعروا خلالها بالتوتر، بالإضافة إلى ارتباطه ارتباطاً طفيفاً بالإدمان على الهواتف الذكية. ولتفسير هذه الرغبة في تسويف النوم كشفت مؤسسة سليب فاونديشن عدة أسباب منها: 1) تعويض الوقت الضائع خلال اليوم بسبب الضغوط. 2) عدم القدرة على ضبط النفس وتنظيم العواطف. 3) الإلهاء حتّى الشعور بالإنهاك، بدلاً من اجترار الأفكار في انتظار النوم.
في بعض الأحيان قد تكون متحمساً لإنجاز عمل ما أو خوض تمرين رياضي أو تنظيف البيت أو حل مشكلة إدارية، ثم تقرر تأجيل ذلك. يمنع التسويف الكثيرين من تحقيق التقدم سواء على المستوى المهني أو الشخصي. من السهل أن نتفهم هذا السلوك عندما يتعلق الأمر بمهمة غير مرغوب فيها، لكنه قد يحدث حتّى عندما تكون مقبلاً على ممارسة هواياتك أو بعض أنشطتك المفضلة، إلى درجة أن هذا التسويف قد يشمل النوم أيضاً.
هذا الأمر من الصعب أن يتقبله الأشخاص الذين ينتظرون بفارغ الصبر موعد الخلود إلى النوم، لكن ثمة من يميل فعلاً إلى تأخير موعد نومه باستمرار على الرغم من شعوره بالتعب. نادراً ما يكون تسويف الذهاب إلى النوم أمراً ممتعاً، بل إنه يؤثّر في جودة النوم ومدته. فلماذا نميل إلى تأخيره على الرغم من أننا بحاجة شديدة إليه؟
اقرأ أيضاً: هل كثرة النوم من أعراض الاكتئاب؟
ما الذي توصلت إليه الدراسة؟
في هذا السياق كتب مؤلفو دراسة اهتمت بموضوع الارتباط بين تسويف الذهاب إلى النوم والتوتر، ونشرتها مجلة التوتر والصحة (Stress & Health): "يؤدي نقص النوم إلى مجموعة واسعة من الانعكاسات السلبية على الصحة النفسية والعضوية، مثل تدني جودة الحياة والرفاهة، وتزايد خطر الاكتئاب والسمنة والخمول البدني وأمراض القلب والشرايين والسكري وحتّى الوفاة". فما هو السبب الذي يدفعنا أحياناً إلى حرمان أنفسنا طواعية من النوم، دون أن نكون مجبرين على ذلك بسبب التزامات معينة أو نظراً إلى إصابتنا باضطراب في النوم؟
وظف الباحثون في هذه الدراسة 96 طالباً من جامعة هايدلبرغ الألمانية (Heidelberg University). وحمل المشاركون طوال 14 يوماً جهازاً لاستشعار الحركة والنوم، من أجل تسجيل المدة الإجمالية لنومهم وأوقاته. كما أجابوا عن أسئلة تقييمات ذاتية حول جودة نومهم ومستويات توترهم خلال اليوم، ومدى انخراطهم في أنشطة ليلية غير مخطط لها مسبقاً لكن يمكن السيطرة عليها، بالإضافة إلى تحديد الأوقات التي خططوا فيها للخلود إلى النوم. ويعكس تسويف الذهاب إلى النوم الفرق بين الوقت الذي صرح فيه المشاركون بأنهم ينوون النوم، ووقت بدء نومهم الفعلي الذي سجله جهاز استشعار الحركة والنوم.
لماذا يؤخر البعض مواعيد نومهم رغم إرهاقهم؟
في المتوسط، تأخر المشاركون عموماً عن وقت نومهم الفعلي اليومي بمقدار 15 دقيقة. وفي الحالات التي قرروا فيها تسويف الذهاب إلى النوم، وصل متوسط مدة التأخير إلى نحو 102 من الدقائق. وفي هذه الليالي التي شهدت تأجيلهم لأوقات النوم، كان من البديهي أن تقصر مدته وتتدهور جودته.
اتضح أيضاً أن الميل إلى تأخير وقت الذهاب إلى النوم يرتبط ارتباطاً طفيفاً بالإدمان على استخدام الهواتف الذكية. كما أن المشاركين كانوا أكثر ميلاً إلى تأخير وقت النوم في الأيام التي شعروا فيها بتوتر أكبر. ولتفسير هذا الارتباط بين تسويف الذهاب إلى النوم والإدمان على الهواتف أثارت مؤسسة سليب فاونديشن (Sleep Foundation) موضوع استخدام التسويف لتعويض الوقت الذي ضاع خلال اليوم بسبب الضغوط، من خلال تخصيص المزيد من الوقت لأنشطة الترفيه والاسترخاء بدلاً من النوم في الوقت المحدد.
وبالإضافة إلى ذلك، هناك عامل آخر وراء تسويف الذهاب إلى النوم وهو غياب القدرة على ضبط النفس وتنظيم العواطف. كما يلجأ الأشخاص الذين يعانون التوتر إلى تأجيل موعد النوم لإلهاء أنفسهم حتّى يشعروا بالإنهاك، بدلاً من اجترار الأفكار وهم على السرير في انتظار النوم.
اقرأ أيضاً: رهاب النوم: لماذا قد يصبح الذهاب إلى الفراش مخيفاً للبعض؟