ملخص: مشاعر الشخص الحساس مرهفة، تجعله يستقبل كل كلمة يسمعها أو أي إشارة نحوه كأنها هجوم على شخصه. وتعكس هذه الحساسية تفسيرات شخصية لمواقف معينة، وغالباً ما ترتبط بنقص الثقة بالنفس. وليس من السهل فهم رد فعل الشخص الحساس، فهو دائماً في حالة تأهب، لذلك يتجنب الكثيرون بناء علاقات شخصية معه. في الواقع، يتطلب العيش مع شخص حساس توازناً دقيقاً، والحذر من كل كلمة تقولها له، والتعامل بلطف وحزم مع أي رد فعل مبالغ فيه. ولحسن الحظ، يساعد العلاج النفسي في إدارة فرط الحساسية لديه بصورة أفضل، من خلال فهم احتياجاته وتخفيف ذلك العبء النفسي عنه عبر إعادة تقييم ردود أفعاله. وعندما يستعيد الشخص الحساس ثقته بنفسه، فإنه يستطيع تحسين تواصله مع الآخرين.
يتمتع الشخص الحساس بمشاعر مرهفة، ويأخذ كل شيء على محمل شخصي، وينزعج عند أول هفوة أو خطأ نرتكبه. ولكن كيف نتعامل مع حساسيته، هل نواسيه مثلاً أم نتجنب المساس بمشاعره؟ وهل يجدر بنا فعل ذلك حقاً؟ يجيبنا عن هذا الطبيب والمعالج النفسي، نيكولاس نيفو (Nicolas Neveux).
يقول المختص في العلاج النفسي نيفو: "إن الحساسية ليست سمة شخصية، بقدر ما هي حكم يصدره الشخص الملاحِظ أو المخاطَب عندما يلاحظ أن تفاعل الطرف الآخر لا يتناسب مع الموقف، فهي قراءة ذاتية للأحداث، فالشخص الذي يصفه الآخرون بالحسّاس لا يرى الأمور مثلما يراها غيره، إذ يرى في كل تعليق، أو نظرة، أو تلميح، هجوماً عليه". وهو لا يختلف عنا في حاجته إلى التقدير، لكنه يعبّر عن هذه الحاجة بصورة مختلفة وفي مواقف غير متوقعة.
ويستطرد نيفو، قائلاً: "ثمة عدم تناسب بين السياق والطريقة التي يتفاعل بها؛ فهو ينفعل لأنه يعتقد أن من الضروري حماية كرامته". قد يكون هذا الميل إلى الانفعال مظهراً من مظاهر اضطراب نفسي، مثل اضطراب الشخصية الارتيابية، لكنه حالة نادرة. وفي معظم الأحيان، تكشف هذه الحساسية عن آليتين رئيسيتين فقط يوضحهما الطبيب النفسي: "فرط الحساسية العاطفية، الذي يدفع الشخص إلى الاعتقاد أن ما يشعر به (الغضب، على سبيل المثال) واقعي وكافٍ لتبرير سلوكه (خاصة انزعاجه)؛ ونقص الثقة بالنفس، الذي يشجعه على السعي للحصول على ردود أفعال إيجابية والتمرد ضد أي شيء يمثّل في نظره عدم احترام".
لماذا يصعب العيش مع شخص حساس؟
نادراً ما يعيد الشخص الحساس النظر في تصرفاته وطريقة تفكيره. يقول نيكولاس نيفو: "إنه مقتنع بأن تفسيره للمواقف صحيح تماماً". لذلك، يصعب على مَن حوله فهم ما يجري على وجه اليقين، في ظل دهشتهم من تصرفاته، بل يشعرون أنهم متهمون، وعليهم مراقبة كلماتهم وحركاتهم أمامه. "لا تتجلى تلك الحساسية إلا في سياق تعامله مع الآخرين وتستند إلى الأفعال التي يفترض أنها يجب أن تصدر عنهم". لذا؛ يجدون أنفسهم متهمين بأنهم سبب غضبه أو انزعاجه، وأن عليهم توخي الحذر في كل قول وفعل، وتوقع المشاكل والاستعداد لمعالجتها. إنه أمر مرهق بالفعل.
يقول نيفو: "إن هذا الانتباه المستمر إلى الحالة العاطفية للشخص السريع الانفعال يلحق الضرر بالعلاقة، نتيجة لذلك، تنتاب الأشخاص المحيطين به مشاعر مزعجة مثل الخوف من كثرة الكلام أو تقليله، أو الغضب بسبب عدم فهمه المستمر لما يقصدونه، أو حتى الشعور بالحزن أو الذنب، وقد يتولد لديهم شعور بالنفور؛ فيفضلون الابتعاد عن هذا الشخص المزاجي، وتتضاءل ثقتهم به، ويقلّلون لقاءاتهم معه إلى غير ذلك من التصرفات الاحترازية".
ما الذي يمكن قوله أو فعله؟
عندما يبالغ الشخص الحساس في استجابته وتفاعله، نحاول استرضاءه أو تجاهله أو التسامح مع تصرفاته، ونعتقد في قرارة أنفسنا أننا "لا نستطيع أن نقول له أي شيء" لأنه "سريع الغضب". "لكنه تصرف خاطئ" وفقاً لنيفو الذي يضيف: "أؤكد مرة أخرى أن الأمر لا يتعلق بطبيعة حساسة أو حالة مزاجية متقلبة، عندما لا نصارح هذا الشخص بأنه يسيء تحليل الموقف وأن استجابته لا تتناسب مع سياق الكلام، فإننا لا نساعده على إدراك مدى مبالغته في تصرفاته، وسيستمر في الاعتقاد أن سلوكه مبرر ومشروع".
من الأفضل إذاً أن تكون لطيفاً ولكن حازماً، وأن تنبهه على ما يبالغ فيه. ويمكن استخدام عبارات مثل: "أرى أنك تشعر بالأسى، ما الذي يجعلك الآن تعتقد أنني لا أصغي إليك أو لا أقدّرك أو لا أحترمك؟ أنا لا أرى الموقف بالطريقة التي تراه بها أنت، لهذه الأسباب أو تلك، ولا تعجبني استجابتك المبالغ فيها". يمكن أن يساعد وضع حدود واضحة وتأكيد وجهة نظرك على تنبيه الشخص الحساس على سوء تفسيره للموقف.
الاهتمام بالعلاقة
ربما يقوده هذا الوعي والإدراك إلى إعادة النظر في فرط حساسيته أو عدم تقديره لذاته، خاصة أنه سيعاني ذلك على المدى الطويل. ويؤكد نيكولاس نيفو ذلك، قائلاً: "إنه عبء نفسي ثقيل. فهو يشك باستمرار في مكانته لدى الآخرين، ويكابد مشاعر صعبة، ويبقى يقظاً وحذراً، ومستعداً دائماً لتبرير تصرفاته".
قد يكون العلاج النفسي حلاً لهذا الشخص، لتحسين قدرته على فهم تصرفاته. وينصح نيفو، قائلاً: "يساعد العلاج النفسي التفاعلي على تحسين الحالة النفسية للأشخاص الحساسين من خلال تحديد احتياجاتهم وتوقعاتهم، وفهم نوايا الآخرين بوضوح أكبر، ننصح أيضاً بالعلاج السلوكي المعرفي، لتحديد أنماط التفكير التي تدفعهم إلى الشعور بالإهانة، وفهم آلياتهم الدفاعية الشخصية". فعندما يشعر الشخص الحساس بالأمان النفسي، فإنه يستعيد ثقته بنفسه، ويتخفف من ذلك العبء الثقيل.