هل تتابع أخبار الحروب باستمرار؟ احذر الإصابة بإرهاق التعاطف

5 دقيقة
إرهاق التعاطف
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: يواجه العالم حالياً بعض الحروب والكوارث، ما يجعلنا نتعرض يومياً لعدد كبير من الأخبار والصور التي تنقل لنا المآسي حولنا. في البداية قد نشعر بالتعاطف، لكن مع استمرار تلك الحروب والكوارث قد نواجه ما يُطلق عليه اسم "إرهاق التعاطف"؛ وهو التأثير النفسي والجسدي والعاطفي الناجم عن دعم الآخرين الذين يتعرضون للصدمات النفسية، والذي ترافقه عدة أعراض مثل الشعور بالعجز واضطرابات النوم والانسحاب والعزلة وتفاقم مشاعر القلق والحزن، وعادة ما يصيب إرهاق التعاطف الأشخاص الذين يعملون في مهن تقدم الرعاية للآخرين مثل المهن الصحية والاجتماعية، لكنه قد يحدث أيضاً بسبب التعرض لصدمات الآخرين على نحو غير مباشر، ويمر إرهاق التعاطف بعدة مراحل هي: ملاحظة آلام الآخرين، ثم الاستجابة التعاطفية، وبعد ذلك التوتر الناجم عن التعاطف، ثم أخيراً تأتي مرحلة إرهاق التعاطف. وحتى يمكن التغلب على هذا الإرهاق يجب الاعتراف بالمشاعر والتحدث إلى أحد المقربين وممارسة الرعاية الذاتية والانخراط في اليقظة الذهنية، وتقليل التعرض لأخبار الحروب والكوارث، وتقبّل أنه ستظل هناك بعض الأمور خارج نطاق السيطرة.

أعيش حالياً شعور أن الحزن يحيط بنا من كل جانب، ثمة غمامة من الكآبة تخيم حولنا وتلقي بظلالها على أفكارنا ومشاعرنا؛ حرب لا تتوقف، وضحايا يتألمون، وصور المآسي تطل علينا ليل نهار من التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعي، أرى أننا مغمورون في المعاناة بالكامل، ونحاول قدر الإمكان التعاطف مع ضحايا الحروب، لكن هل يمكن أن تؤثر علينا هذه المشاعر بالسلب، وهل التعاطف مع صدمات الآخرين وكوارث العالم يصيبنا حقاً بالإرهاق؟ الإجابة من خلال هذا المقال.

ما هو إرهاق التعاطف؟

إرهاق التعاطف (Compassion Fatigue) هو مصطلح يصف التأثير الجسدي والعاطفي والنفسي الناجم عن دعم الآخرين الذين تعرضوا لصدمات كبرى، ويترافق مع هذا النوع من الإرهاق الشعور بالغضب والإحساس بالعجز، ويعد أكثر شيوعاً بين العاملين في بعض المهن مثل الأشخاص المكلفين بدعم ضحايا الصدمات النفسية ومساعدتهم، ومنهم مقدمو الرعاية الصحية والمدافعون عن ضحايا العنف المنزلي، والصحفيون المسؤولون عن تغطية الحروب والكوارث.

يشير أستاذ علم النفس العصبي بجامعة دريكسل الأميركية (Drexel University)، إريك زيلمر (Eric Zillmer)، إلى أن التعاطف عملية نفسية عصبية مرتبطة بالفص الجبهي في الدماغ، ويعد أحد أكثر العمليات المعرفية تعقيداً، إذ يجب أن تكون مدركاً لما يحدث حولك، ومتفهماً بدقة لمحيطك الاجتماعي، وعلى دراية بتأثيرك في الآخرين.

وتوضح المختصة النفسية مآل الأنصاري أن إرهاق التعاطف عادة ما يحدث عندما تجد نفسك غارقاً في تخفيف معاناة الآخرين، ما يؤدي إلى الاستنزاف التدريجي لمواردك العاطفية والجسدية، وكأن مخزونك من القدرة على التعاطف قد انتهى حرفياً، وتضيف الأنصاري أن إرهاق التعاطف يظهر على هيئة شعور بالتعب والتبلد وعدم القدرة على التواصل مع الآخرين أو الاهتمام بهم.

10 علامات لإرهاق التعاطف

قد يؤثر إرهاق التعاطف في قدرتك على العمل وإنهاء المهام اليومية، وفيما يلي بعض العلامات والأعراض المرافقة له:

  1. الشعور بالعجز.
  2. الإحساس بالإرهاق وانخفاض القدرة على التعاطف.
  3. الشعور بالخدر والانفصال العاطفي.
  4. فقدان الاهتمام بالأنشطة التي كنت تستمتع بها.
  5. صعوبة التركيز واتخاذ القرارات.
  6. معاناة اضطرابات النوم.
  7. الانسحاب والعزلة وإهمال الرعاية الذاتية.
  8. ظهور أعراض جسدية مثل الصداع والغثيان واضطراب المعدة والدوار.
  9. زيادة مشاعر القلق والحزن والغضب والانفعال.

اقرأ أيضاً: كيف تتأثر نفسية الأشخاص الذين يعايشون الحروب؟ وما سبل حمايتهم؟

ما هي الأسباب المؤدية إلى الإصابة بإرهاق التعاطف؟

ينتج إرهاق التعاطف عن الإحساس القوي بالتعاطف الذي قد تشعر به عند رعاية الأفراد الآخرين الذين يعانون أمراضاً حادة أو مزمنة أو كوارث أو أحداثاً مؤلمة أخرى، وقد يحدث أيضاً استجابة لصدمة غير مباشرة؛ فبعد عودته من حرب فيتنام، عكف مدير معهد طب الصدمات النفسية بجامعة تولين (Tulane University) تشارلز راي فيجلي (Charles Ray Figley) على دراسة مفهوم "الصدمة النفسية" (trauma) مؤكداً أن تلك الصدمة لا تحدث عند الذين عاشوا أحداثاً صادمة فحسب، بل قد تمتد إلى أشخاص آخرين وتؤثر فيهم على الرغم من أنهم لم يعيشوا الأحداث المؤلمة بأنفسهم، ولهذا يستخدم فيجلي مصطلح "إرهاق التعاطف" للإشارة إلى الإرهاق العاطفي والجسدي الذي يصيب الأشخاص الذين يتعرضون لصدمات الآخرين.

والحقيقة هي أن مفهوم إرهاق التعاطف كان ينحصر استخدامه في البداية ضمن نطاق أصحاب المهن التي تتطلب رعاية الآخرين مثل الخدمات الصحية والاجتماعية، لكن معايشة الأشخاص العاديين لصدمات الآخرين أصبحت أكثر انتشاراً في وقت يرى فيه الجميع تقريباً على نحو شبه دائم محتوى عن الحرب والعنف والموت والظلم على شاشات الأخبار ومواقع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.

ويؤكد فيجلي أن الأشخاص الذين يصابون بإرهاق التعاطف قد يعانون أعراضاً مماثلة لأعراض اضطراب ما بعد الصدمة، بما في ذلك اضطرابات النوم؛ والانفعالات والذكريات الصعبة وتغيرات الحالة المزاجية واللامبالاة العاطفية، ويمكن القول إن هناك بعض العوامل التي قد تزيد خطر الإصابة بإرهاق التعاطف، أهمها:

  1. استمرار الأوضاع التي تحتاج إلى تعاطفك.
  2. ضعف مهارات التأقلم.
  3. نقص الدعم الاجتماعي.
  4. قلة الرعاية الذاتية.
  5. التعرض لتاريخ من الصدمات النفسية.
  6. معاناة مستويات عالية من التوتر.

4 مراحل يمر بها إرهاق التعاطف

يمكن القول إن إرهاق التعاطف هو عملية تدريجية وتراكمية؛ إذ يحدث تدريجياً مع مرور الوقت وعادة ما يمر بالمراحل التالية:

1. ملاحظة آلام الآخرين

تعد قدرتك على ملاحظة آلام الآخرين حجر الزاوية في عملية التعاطف، فالشخص الذي يعاني إرهاق التعاطف توجد لديه بالأساس رغبة قوية في تخفيف آلام الآخرين ومعاناتهم.

2. الاستجابة العاطفية

حين تتعرض لشخص يعاني الألم، فإنك خلال هذه المرحلة تنخرط في محاولات لفهم الشخص الآخر واستكشاف طرق من أجل مساعدته.

3. التوتر الناتج عن التعاطف

قد يبدأ في أثناء هذه المرحلة شعورك بالتوتر خاصة إذا كنت تحاول مساعدة شخص يعاني أزمة مستمرة ومساندته.

4. إجهاد التعاطف

يزداد خطر الوصول إلى هذه المرحلة إذا تعرضت لصدمة غير مباشرة لفترة طويلة من الزمن، أو إذا بدأت بتذكر صدمات الماضي المؤلمة، ما قد يجعلك تعاني مشكلات كبيرة في حياتك، بما في ذلك زيادة التعب، والتغيرات في نمط الحياة، وصعوبة إدارة المسؤوليات الشخصية أو المهنية، والشعور بالقلق أو الاكتئاب.

اقرأ أيضاً: ماذا تفعل حيال شعورك بالعجز بسبب فشلك في إنقاذ العالم؟

كيف تتعامل مع إرهاق التعاطف؟

يمكن أن يستغرق التغلب على إرهاق التعاطف وقتاً طويلاً ويحتاج منك التركيز على تقليل مستويات التوتر، وهناك بعض النصائح التي يمكن أن تساعدك، مثل:

1. اعترف بمشاعرك

إذا كنت حقاً تشعر بالإرهاق، اعترف بذلك؛ فمن المهم أن تعترف بما تشعر به وتُظهر لنفسك بعض التعاطف، ففي كثير من الأوقات قد تكون مشغولاً جداً لدرجة أنك لا تنتبه إلى ما تشعر به، وأحياناً قد تكبت مشاعرك، والحقيقة هي أن أفضل ما يمكنك فعله هو أن تتوقف قليلاً حتى تحس بمشاعرك، لذا كُن يقظاً ولاحظ كيف تشعر جسدياً ونفسياً.

2. تحدث عما بداخلك

يمكن أن يكون التحدث مفيداً في معظم الأوقات، حيث يساعدك في معالجة ما تفكر فيه وتشعر به، علاوة على مساعدتك بوضع الأمور في نصابها الصحيح، لذلك ابحث عن شخص يمكنك الوثوق به مثل صديق أو أحد أفراد الأسرة، وعبّر بحرية عن أفكارك ومخاوفك وعواطفك، ومع مرور الوقت، قد تشعر بالتخفف من ثقل إرهاق التعاطف.

3. تقبّل أن هناك بعض الأمور ستظل خارج نطاق سيطرتك

هناك بعض الأمور التي ستظل خارج نطاق سيطرتك ولا يمكنك بأي حال من الأحوال التحكم بها، وكوارث العالم وحروبه تأتي في مقدمة تلك الأمور، ولهذا تعرّف إلى ما لا يمكنك التحكم فيه وتقبَّله، وركز على ما يمكنك التحكم فيه.

4. اهتم برعايتك الذاتية

تعرف إلى احتياجاتك وتعلم كيفية رعاية نفسك، وفي أثناء هذه المرحلة، ركز على النوم الكافي والتغذية الجيدة والنشاط البدني المنتظم والاسترخاء النشط، وعندما تلبي هذه الاحتياجات ستبدأ التعافي من إرهاق التعاطف، ابدأ بالنوم والتغذية واعمل تدريجياً على ممارسة الرياضة وتقنيات الاسترخاء مثل اليقظة الذهنية؛ إذ إن البقاء في اللحظة الحالية يقلل مشاعر التوتر والقلق.

5. قلل تعرضك للأخبار المزعجة

خذ استراحة من الوقت الذي تقضيه على وسائل التواصل الاجتماعي في تصفح أخبار الحروب والكوارث، وتأكد أن وضع الحدود الصحية بينك وبين استهلاك الأخبار سيحمي صحتك النفسية ويساعدك على التعافي من إرهاق التعاطف.

المحتوى محمي