ملخص: يشير تأثير الأسبقية (Primary Effect) إلى التحيّز المعرفي الذي يجعلنا نميل إلى تذكُّر المعلومات الابتدائية الواردة في تسلسل معين بدرجة أكبر مقارنة ببقية المعلومات الواردة تالياً، وإيلاء هذه المعلومات الابتدائية أهمية أكبر. وصف هذا التأثير أول مرة عالم النفس سولومون آش، الذي أظهر في أبحاثه أن ترتيب المعلومات يؤثر في الانطباع الذي يكوّنه الناس عن الآخرين. يحدث هذا التأثير بسبب 3 عوامل؛ أولها هو الترديد أو المراجعة الذهنية التي تحدث في الدماغ، ومن المرجح أن يحدث التكرار الذهني للمعلومات الابتدائية أكثر من بقية المعلومات. والسبب الثاني يتعلق بقِصَر فترة الانتباه عند البشر عموماً، أما الثالث فمتعلقٌ بقدرة الدماغ المحدودة على معالجة المعلومات الجديدة وتخزينها في الذاكرة الطويلة الأمد. لتوظيف تأثير الأسبقية في ترك انطباع أفضل عند الآخرين، ينصح المختصون بالبدء بأفضل ما لديك من صفات أو أقوى جانب من حجتك، وأن تراعي تكرار الأفكار الرئيسية بعد ذكرها في المقدمة، ما يساعد على ترسيخها في الذاكرة.
محتويات المقال
انظر إلى قائمة الأغراض هذه: معجون أسنان، سائل غسيل الصحون، حليب، جبن، خبز، جزر، تفاح، زبادي، قهوة، عصير. الآن، أغمض عينيك وقل ما الذي تتذكره من تلك القائمة. غالباً ما ستتذكر معجون الأسنان وسائل غسيل الصحون أو الأغراض المذكورة في بداية القائمة أكثر من بقية الأغراض. هذا ما يُعرف بتأثير الأسبقية. وهو ما سنتحدث عنه في هذا المقال، وكيف يمكنك توظيفه لترك انطباع أفضل عند الآخرين.
اقرأ أيضاً: كيف يؤثر الحذاء الذي ترتديه في الانطباع الأول الذي يأخذه الآخرون عنك؟
ما هو تأثير الأسبقية؟
تأثير الأسبقية (Primary effect)، وقد يعرف أيضاً بتحيُّز الأسبقية، هو تحيّز معرفي يشير إلى الميل نحو تذكّر العناصر أو الأحداث أو المعلومات الأولية الواردة في بداية تسلسل ما بسهولة أكبر مقارنة بتلك التي ترد تالياً، بالإضافة إلى افترض أن هذه المعلومات، الواردة في البداية، ذات أهمية أكبر أو دلالة أعمق من بقية المعلومات.
أول من وصف هذا التأثير هو عالم النفس سولومون آش (Solomon Asch) عام 1946، في بحثه المتعلق بتكوين الانطباعات عن الشخصية؛ إذ طلب من المشاركين في التجربة الحكم على شخص ما بناء على مجموعة من الصفات الإيجابية والسلبية؛ لكن ما حصل أن العالِم قدَّم هذه الصفات في قائمتين لا تختلفان عن بعضهما إلا في الترتيب، فالأولى تبدأ بالصفات الإيجابية، والأخرى تبدأ بالصفات السلبية، فوجد أن مجرد ترتيب الصفات يغيّر الانطباع الذي يؤخذ عن الشخص.
اقرأ أيضاً: ما هي تقنية الساندويتش؟ وكيف تطبقها لتنسحب من المحادثات بلباقة؟
3 أسباب تفسِّر وقوعنا تحت هذا التأثير
من الممكن أن تفسر الأسباب التالية حدوث تأثير الأسبقية:
- الترديد أو التمرّن (Rehearsal): هي عملية معرفية تتضمن التكرار النشط أو المراجعة الذهنية للمعلومات المتلقاة بغية تعزيز الاحتفاظ بها ونقلها إلى الذاكرة الطويلة الأمد. ومن المرجح أن يحدث التكرار الذهني للمعلومات الابتدائية أكثر من بقية المعلومات.
- مدى الانتباه: تكون مستويات الانتباه أعلى في بداية التعرض للمعلومات، ما يزيد احتمالية تذكرها. ويذكر هنا أيضاً أن الانتباه قد يرتفع أحياناً في نهاية العرض. بكلمات أخرى، قد يميل الناس إلى الانتباه في بداية العرض ونهايته، سواء كان ذلك محادثة أجروها أم عرضاً شاهدوه؛ لكنهم غالباً ما يتشتت انتباههم في المنتصف.
- حدود الذاكرة: لكل شيء حدود، وذاكرتنا ليست استثناءً. في الواقع، يتمتع الدماغ بقدرة محدودة على معالجة المعلومات الجديدة، وهو ما تصفه نظرية الحمل المعرفي (Cognitive load theory) التي تفترض أننا عندما نتعامل مع معلومات جديدة، فإننا نعتمد على ذاكرتنا العاملة، التي تكون محدودة جداً من حيث القدرة على الاحتفاظ بالمعلومات أو مدة الاحتفاظ.
من ثم فإن المعلومات الأولية التي نعالجها تكون أكثر عرضة للترميز في الذاكرة الطويلة الأمد؛ لأنها أقل تنافساً على الموارد المعرفية، في حين يؤدي التأثير التراكمي للمعلومات المتتالية إلى زيادة الحمل المعرفي، ما يجعل ترميز المعلومات الواردة لاحقاً أكثر صعوبة.
بكلمات أخرى، لتوفير الطاقة والجهد، تختار أدمغتنا ما يجب الاحتفاظ به وما يجب نسيانه، وعموماً يتطلب الأمر جهداً أقل لتكرار وتذكر عناصر قليلة مذكورة في البداية، مقارنة ببقية العناصر التالية، التي قد تظل في الذاكرة القصيرة المدى أو قد لا تظل أبداً.
اقرأ أيضاً: ما هي نظرية اللقاء الثاني المنتشرة على تيك توك؟ وكيف تزيد فرصة عثورك على شريك حياتك؟
كيف توظف هذا التأثير لترك انطباع أفضل عند الآخرين؟
يرى المعالج النفسي، عبدالناصر علاء، أن الأمر يستغرق نحو 30 ثانية لترك انطباع أول عن الشخص الذي تلتقيه للمرة الأولى؛ وبما أن المعلومات الابتدائية لها تأثير أكبر مقارنة ببقية المعلومات، حاوِل في المرة القادمة التي تقدّم فيها نفسك أو معلوماتك، سواء كنت تقابل شخصاً للمرة الأولى أم تجري مقابلة عمل أم تلقي خطاباً، أن تبدأ بأفضل ما لديك، سواء قولاً أم فعلاً، أي أن تستعرض صفاتك الإيجابية أو نقاط قوتك قبل سلبياتك ونقاط ضعفك.
فـ "عنيد ومندفع وذكي ولطيف" هي ذاتها "ذكي ولطيف ومندفع وعنيد"؛ إنما وقعها مختلف، صحيح؟ وفي سياق مماثل، في حال كنت تحاول إقناع شخص ما بفكرة معينة أو تريده أن يتذكرها بصورة أفضل، فابدأ بأفضل ما تنطوي عليه هذه الفكرة، ثم كررها لاحقاً؛ لأن التكرار يعزز الذاكرة ويساعد على تثبيت المعلومات، ثم اختتم المحادثة بتلخيص أو تعزيز النقاط الرئيسية التي ابتدأت بها.
اقرأ أيضاً: ما فجوة الإعجاب؟ ولمَ لا نثق بإعجاب الآخرين بنا؟
ختاماً، ينبغي أن نشير إلى أن ميلنا الطبيعي إلى تذكُّر المعلومات الواردة أولاً أو افتراض أنها أهم مما يتبعها لا يعني أنها كذلك فعلاً، فهذا تحيُّز معرفي أولاً وآخراً، والتحيُّز المعرفي أساساً هو خطأ منهجي في التفكير يؤثّر في قراراتنا وأحكامنا.
لذلك، إذا كنت في موقع يوجب عليك تقييم المعلومات واتخاذ القرارات؛ على سبيل المثال، اختيار موظف من مجموعة من المتقدمين، أو انتخاب مرشح من قائمة مرشحين، أو شراء غرض ما؛ فحاوِل أن تكون مدركاً لهذا التحيّز تجاه الخيارات الأولى، حتى تتجنب الوقوع في عواقب بعيدة المدى، واحرص على أخذ الوقت الكافي لجمع المزيد من المعلومات قبل اتخاذ القرار.