ملخص: على غرار باقي دول المنطقة؛ سادت في الماضي نظرة تقليدية حول قضايا الصحة النفسية في دولة الإمارات العربية المتحدة. وفرضت القواعد الثقافية السائدة التعامل مع مشكلات الصحة النفسية باعتبارها مصدر وصم اجتماعي وموضوعاً مسكوتاً عنه. وأدت هذه التصورات السائدة إلى إحجام المرضى عن طلب المساعدة وتفضيل الأسر عدم الإفصاح عن الحالات النفسية المرضية. لكن هذا التصور السلبي شهد تغيراً كبيراً بفضل الانتشار الواسع للمعلومات المتعلقة بالصحة النفسية واستهداف المجموعات السكانية المختلفة بحملات التوعية، وتحول هذه القضية إلى أولوية وطنية. وتركز الأجندة الوطنية في مجال التوعية بالصحة النفسية على التعاون بين قطاعات متعددة وتحسين البنية التحتية الداعمة وإجراء البحوث. لكن هذا التقدم الكبير في تغيير التصورات السائدة يحتاج إلى تقديم المزيد من الجهود مثل: 1) توفير المعلومات الدقيقة للمرضى وأصحاب المصلحة. 2) تخصيص أنشطة التوعية المناسبة لأعمار الطلاب في المدارس. 3) تشجيع المؤسسات على تعزيز سبل الرفاهية الصحية للموظفين. 4) الجمع بين الوقاية والترويج من خلال التعريف بالمؤسسات المختصة في تقديم المشورة الطبية.
ربما دفعت القواعد الثقافية في دولة الإمارات العربية المتحدة ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بعض الأفراد في الماضي إلى الاعتقاد بأن هناك وصماً اجتماعياً مرتبطاً بالصحة النفسية، أو أن هذا المفهوم ليس له وجود أصلاً أو لا أحد يناقشه عادة مع أفراد العائلة أو الأقران. كما سادت مشكلات أخرى تتعلق بتداول إشاعات غير صحيحة مثل الأفكار التي تدّعي أن الأمراض النفسية قد تكون "معدية"، علماً أنه لا وجود لأبحاث تدعم هذا الرأي بأدلة قوية. وكشفت تقارير في الماضي عن ميل الأفراد إلى عدم الإفصاح عن المشكلات النفسية خشية أن ينعكس ذلك سلباً على سمعة الأسرة، وعادة ما كان العديد من الأشخاص يحجم عن طلب الرعاية الطبية نظراً إلى أن هذه المشكلة غير ظاهرة.
تؤكد دراسات حديثة أن عدم الاعتراف بمشكلات الصحة النفسية في الإمارات العربية المتحدة ليس حالة استثنائية بالنظر إلى دول أخرى. وربّما استند هذا التصور السائد إلى صور نمطية قديمة أو تقارير غير دقيقة في بعض وسائل الإعلام. وما يزيد هذا الواقع تعقيداً أن الإمارات العربية المتحدة تضم مجموعة متنوعة من السكان بينها نسبة عالية من العمالة الوافدة. تجمع هذه "البوتقة الثقافية" أشخاصاً لديهم تصورات مختلفة حول قضايا الصحة النفسية؛ وهو الأمر الذي يمثل تحدياً بالنسبة إلى أصحاب العمل.
ما الذي أدى إلى تغيّر التصورات السائدة؟
تأثرت التصورات السائدة حول الأمراض النفسية بانتشار المعلومات التي تبدد الإشاعات والمخاوف الأخرى ذات الصلة. فقد بدأ أفراد المجتمع ينظرون إلى هذه الأمراض على غرار نظرتهم إلى الإعاقات الجسدية بفضل المعلومات اليومية التي يتلقونها. ومن الإيجابي ملاحظة أن الموارد التثقيفية والوقائية المتعلقة بقضايا الصحة النفسية تستهدف مجموعات مختلفة من السكان؛ إذ تراعي اللغات والتفضيلات المختلفة في عملية طلب المساعدة، مثل الاعتماد على التطبيقات مقارنة باللقاءات المباشرة.
ومن الأدلة التي تظهر أهمية هذه القضية أن دعم الصحة النفسية أصبح أولوية وطنية في الإمارات العربية المتحدة. وبالإضافة إلى نشر موارد دعم الصحة النفسية بصورة استباقية، تركز سياسة الدولة على الحاجة إلى التعاون بين قطاعات متعددة وتحسين البنية التحتية الداعمة وإجراء البحوث. وتقدم القضايا التي تولد السياسات الوطنية رسالة قوية قد تشجع المزيد من المؤسسات على دعم الأجندة الوطنية في هذا المجال.
هناك إقرار واسع في الوقت الحالي بأن التمتع بصحة نفسية جيدة مفيد للأسر والموظفين والمؤسسات والمجتمع. وتُظهر النقاشات العامة والواسعة حول تعزيز الصحة النفسية الإيجابية أن التصورات السلبية آخذة في التراجع. كما يشارك في مناقشة هذه الأجندة في الوقت الحالي أفراد المجتمع الأصغر سناً، الذين ليس لديهم أيّ تصورات مسبقة أو فهم لتاريخ هذه المشكلة.
ما الذي يمكن فعله أكثر من ذلك؟
التوعية بفوائد الصحة النفسية السليمة عمل مؤثر ويمكن أن يشجع الناس على اتخاذ خطوات استباقية لدعم هذه القضية. ومع ذلك، لا بدّ أن نعترف بالطرف الآخر من السلسلة المتواصلة من خلال ضمان توفير معلومات دقيقة وداعمة للأشخاص الذين يعانون مشكلات الصحة النفسية. ومن المفيد أيضاً توفير المعلومات لأصحاب المصلحة مثل العائلة والأصدقاء والزملاء، حتى يتمكنوا من تطوير فهمهم وتقديم الدعم لهذه القضية.
ويمكن للمدارس تخصيص أنشطة ومعلومات مناسبة لأعمار الطلاب لتشجعيهم على تبني نمط حياة صحي. وإضافة إلى الفوائد التي يمكن أن يحصلوا عليها اليوم وفي المستقبل، يمكن للطلاب أن يشكلوا هم أنفسهم عناصر تحفيز على التغيير.
يمكن للمؤسسات أيضاً أن تتبع نهجاً شاملاً لتعزيز الرفاهية نظراً إلى الفوائد المعترف بها التي يمكن الحصول عليها من أنشطة عديدة، مثل الأكل الصحي أو الوصول إلى المرافق الترفيهية. كما يجب التفكير في الجمع بين الوقاية والترويج؛ إذ يمكن للمؤسسات التي ليس لديها مختصون في تقديم المشورة الطبية أن تروج للمؤسسات المختصة في ذلك. وعلى الرغم من التكلفة المالية المطلوبة لتوفير مرافق إضافية، فإن تحليل التكلفة والفائدة يقدم حججاً تؤيد الإنفاق على هذه المرافق مثل تقليل الغياب بسبب الحالات المرضية أو دوران الموظفين.
ومع ذلك، فإن الإقرار بالتحسن الذي تحقق حتى الآن، لا ينفي ضرورة إنجاز المزيد لتوعية الناس بأهمية الصحة النفسية، فلا يزال هناك تصور سائد حول ارتباط بعض الأمراض النفسية مثل القلق والاكتئاب بالوصم. ولا تقتصر هذه المشكلة على الإمارات العربية المتحدة وحدها؛ إذ تواجه البلدان والثقافات جميعها بعض التحديات في هذا الإطار. لذا؛ سيكون من المفيد جداً توفير صور مختلفة من موارد الدعم من خلال استخدام المواقع الإلكترونية أو المدونات الصوتية على سبيل المثال، نظراً إلى استمرار إحجام العديد من الأشخاص عن الذهاب مباشرة إلى الطبيب.