دراسة حديثة: الوحدة تزيد خطر رؤية الكوابيس!

6 دقيقة
الوحدة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: أجرت جامعة ولاية أوريغون (Oregon State University) بالتعاون مع جامعات أخرى دراسة بحثية نشرتها مجلة علم النفس الأميركية في يوليو/تموز 2024، توصلت إلى نتيجة مفادها أن الوحدة تزيد خطر رؤية الكوابيس. علاوة على ذلك، فإنها مرتبطة أيضاً بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية والوفاة المبكرة. ويمكن القول إن هناك فرقاً بين الشعور بالوحدة والعزلة؛ الوحدة هي حالة نفسية مؤلمة ناتجة عن عدم تلبية حاجة الشخص إلى التواصل الاجتماعي؛ أما العزلة فهي قطع للاتصال بالآخرين. هذا يعني أن العزلة عادةً ما تكون اختيارية، على عكس الشعور بالوحدة. ومن أهم علامات الوحدة، الانفصال عن الآخرين والشعور بالحزن وصعوبة القدرة على التركيز. ويمكن أن تحدث الوحدة بسبب الإصابة بالاكتئاب أو العلاقات المسيئة أو انخفاض احترام الذات، وعادة ما تؤدي إلى زيادة احتمالية الإصابة بالالتهابات والانخراط في العادات السيئة والإحساس بالألم الجسدي. وحتى تحمي نفسك من الشعور بالوحدة، جرب أن تنضم إلى نادٍ رياضي أو دورة تعليمية لفنون، ويمكنك التطوع وتعزيز علاقاتك الاجتماعية وممارسة الرعاية الذاتية، مع ضرورة استشارة المختص النفسي عند الحاجة.

كشفت دراسة علمية حديثة أجرتها جامعة ولاية أوريغون (Oregon State University) بالتعاون مع جامعات أخرى ونُشرت في مجلة علم النفس الأميركية (the Journal of Psychology) في يوليو/تموز 2024 أن الأفراد الذين يعانون الوحدة أكثر عرضة إلى رؤية الكوابيس، سواء من حيث تكرارها أو شدتها، وإليكم أهم تفاصيل هذه الدراسة عبر المقال.

الوحدة تجعلك أكثر عرضة إلى رؤية الكوابيس

توصلت الدراسة البحثية السابق ذكرها إلى نتيجة مفادها أن الوحدة تزيد خطر رؤية الكوابيس. علاوة على ذلك، فقد وضّحت النتائج إنها مرتبطة أيضاً بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية والوفاة المبكرة. وقد استطلعت الدراسة آراء أكثر من 1,600 شخص في أنحاء الولايات المتحدة الأميركية، تراوحت أعمارهم بين 18 و81 عاماً، وأشارت إلى أن الشعور بالوحدة قد يسهم في رؤية الكوابيس من خلال العديد من الآليات النفسية؛ بما فيها زيادة التوتر، والقلق المستمر، وفرط اليقظة.

ويؤكد رئيس قسم التواصل في كلية الآداب بجامعة ولاية أوريغون (Oregon State University) والمؤلف المشارك في الدراسة، كولين هيس (Colin Hesse)، إن العلاقات الشخصية هي حاجة إنسانية أساسية للغاية، وعندما لا تُلبى حاجة الأشخاص إلى علاقات قوية، فإنهم يعانون جسدياً ونفسياً واجتماعياً.

وتنطلق الدراسة البحثية من النظرية التطورية للوحدة التي ترتكز على فكرة مفادها أن الشعور بالانتماء أمر بالغ الأهمية لبقاء الإنسان؛ حيث يوضح هيس إن رغبة البشر في التواصل حاجة فطرية، فكما يشعر الأشخاص بالجوع والتعب إذا لم يحصلوا على الطعام أو النوم الكافي؛ فقد تطور الشعور بالوحدة من أجل تنبيه الأفراد عندما لا تُلبى احتياجاتهم إلى التواصل.

ويعتقد هيس إن الوحدة تؤدي إلى انخفاض جودة النوم الذي يُعد محور العمليات الإدراكية، والعامل الأساسي في تنظيم الحالة المزاجية، والتمثيل الغذائي. علاوة على ذلك، فإن الأشخاص الذين يشعرون بالوحدة أكثر عرضة إلى الإصابة بالاكتئاب بمقدار الضعف من أولئك الذين نادراً ما يشعرون بالوحدة أو لا يشعرون بها.

ما هو الفرق بين الوحدة والعزلة؟

تُعّرف هذه الدراسة البحثية الوحدة على أنها حالة نفسية مؤلمة تحدث عندما يشعر الأفراد بأن احتياجاتهم الاجتماعية لا تُلبّى على نحو كافٍ في علاقاتهم الشخصية، ويمكن القول إن الوحدة هي عاطفية إنسانية معقدة وفريدة من نوعها، والشعور بالوحدة لا يعني بالضرورة أن تكون وحيداً؛ إذ يوضح المختص النفسي، أسامة الجامع، إن الشعور بالوحدة لا يعني عدم وجود أشخاص حولك؛ إنما يعني الشعور بفقدان التواصل بمن يفهم مشاعرك حتى لو كثر الناس من حولك.

أما العزلة الاجتماعية فإنها تنطوي على قطع الاتصال بالآخرين، وتختلف الوحدة عن العزلة الاجتماعية التي عادةً ما تكون طوعية وتتضمن استمتاع الأفراد بقضاء الوقت بمفردهم. ويمكن القول إنّ كلاً من الوحدة والعزلة يمكن أن تحمل تأثيرات سلبية في الصحة النفسية، خاصة إذا طالت مدتها.

اقرأ أيضاً: لماذا أشعر بالوحدة في كثير من الأحيان؟

6 علامات تؤكد شعورك بالوحدة

توضح أستاذة علم النفس في كلية الطب بجامعة ولاية فلوريدا (Florida State University)، أنجلينا سوتين (Angelina Sutin)، إن الوحدة تؤثر في جوانب الصحة كلها، وهذه هي أهم علامات الشعور بالوحدة:

  1. الانفصال عن الآخرين.
  2. الشعور بالحزن.
  3. فقدان الشهية.
  4. صعوبة القدرة على التركيز.
  5. اضطرابات النوم.
  6. انخفاض مستويات الطاقة.

لماذا قد يشعر بعض الأشخاص بالوحدة؟

تعود حاجتنا إلى العلاقات والتواصل مع الآخرين إلى أقدم البشر ومجتمعات الصيادين؛ حيث كانت المجموعات تعتمد على بعضها بعضاً، ولم يكن أحد يستطيع البقاء بمفرده؛ وربما لهذا السبب نحس بالحزن في أثناء الوحدة التي غالباً ما تحدث لبعض الأسباب؛ ومنها:

1. فقدان الأشخاص المقربين

عادة ما يكون الشعور بالوحدة بعد فقدان الأصدقاء أو أفراد الأسرة أمراً شائعاً، وخاصة بين كبار السن الذين فقدوا العديد من الأحباء في فئتهم العمرية.

2. الإصابة بالاكتئاب

ثمة حلقة مفرغة بين الشعور بالوحدة والاكتئاب؛ إذ غالباً ما يتسبب الاكتئاب في الإحساس بالوحدة. على الجانب الآخر، فإن الشعور بالوحدة يمكن أن يؤدي إلى الإصابة بالاكتئاب.

3. انخفاض احترام الذات

في الكثير من الأوقات، يعتقد الأشخاص الذين يفتقرون إلى الثقة في أنفسهم أنهم لا يستحقون اهتمام الآخرين أو تقديرهم؛ ما قد يؤدي إلى معاناتهم الوحدة المزمنة.

4. الموقع الجغرافي البعيد

يمكن للأفراد الذين يعيشون في مناطق نائية أو منفصلين جغرافياً عن العائلة والأصدقاء، أن يشعروا بالوحدة.

5. العلاقات المسيئة

يتجنب الأشخاص في العلاقات المسيئة أحياناً الاتصال بالعائلة أو الأصدقاء أو زملاء العمل بسبب عدم الرغبة في الكشف عن وضعهم الحقيقي، وفي بعض الأوقات، قد يتعمد الطرف المسيء عزل الآخر عن المحيط الاجتماعي؛ ما يجعله يشعر بالوحدة والحزن.

كيف تؤثر الوحدة في الصحة النفسية والجسدية؟

على الرغم من زيادة الاتصال عبر الإنترنت، يجد العديد من الأفراد أنفسهم يشعرون بالوحدة والانفصال الاجتماعي على نحو متزايد، ويمكن القول إن هناك الكثير من التأثيرات السلبية للوحدة في الصحة النفسية والجسدية؛ ومنها على سبيل المثال:

1. زيادة احتمالية الإصابة بالالتهابات

الأشخاص الذين يشعرون بالوحدة لديهم مؤشرات حيوية أعلى للالتهابات، وزيادة نشاط الجينات الالتهابية، وانخفاض نشاط الجينات المضادة للفيروسات. علاوة على ذلك، لديهم نشاط متزايد للجهاز العصبي الودي؛ وهو جزء من الجهاز العصبي مسؤول عن استجابة القتال أو الهروب للتعامل مع التوتر أو التهديدات، ويؤثر الشعور بالوحدة في محور تحت المهاد والغدة النخامية والغدة الكظرية؛ الذي ينظم أدوار هرمونات التوتر في الاستجابة للقلق.

ويمكن القول إن الارتباط بين الشعور بالوحدة والتوتر ارتباط تطوري؛ لأنه حدث مع تطور البشر منذ آلاف السنين؛ إذ كان الشعور بالوحدة يشير إلى شيء خطِر: أنك لست مع مجموعتك؛ ومن ثَمَّ معرض إلى الخطر حرفياً؛ وهذا ما يجعل الأشخاص الوحيدين يستجيبون للقلق والتوتر على نحو مختلف.

2. تفاقم القلق الاجتماعي

يمكن أن يؤدي الشعور بالوحدة إلى تفاقم القلق الاجتماعي لدى المصابين به؛ حيث إن وجود نظام دعم قوي هو عامل وقائي ضد القلق؛ لذلك إذا لم يكن لدى الأشخاص المصابين هذا الدعم، فقد ترتفع مستويات القلق العامة لديهم، ويجدون صعوبة بالغة في تنظيم مشاعرهم.

3. الإحساس بالألم الجسدي

أظهرت عمليات مسح الدماغ أن تجارب مثل الاستبعاد من قبل المجتمع والشعور بالوحدة تنشط المناطق نفسها في الدماغ التي تستجيب للألم الجسدي.

4. الانخراط في العادات السيئة

الأشخاص الذين يشعرون بالوحدة قد ينخرطون في سلوكيات غير صحية أكثر مقارنة بالأشخاص الذين يحسون بالارتباط الاجتماعي. على سبيل المثال؛ الأفراد الوحيدون يمارسون الرياضة أقل من الأفراد غير الوحيدين، وأحياناً قد يلجأ الأشخاص الوحيدون إلى أساليب التكيف غير الصحية مثل الإفراط في تناول الطعام، وتدخين السجائر، واللجوء إلى تعاطي المخدرات.

اقرأ أيضاً: 5 نصائح للتغلب على الوحدة وتجنب فخ الاكتئاب

كيف تحمي نفسك من الشعور بالوحدة؟

إذا كنت تعاني الوحدة، فهناك بعض النصائح التي يمكنك اتباعها للتعامل مع الوحدة؛ ومن أهم هذه النصائح:

1. انضمَّ إلى فصل أو نادٍ

سواء كان فصلاً فنياً أو فصلاً للتمارين الرياضية أو نادياً للكتب، فإن الانضمام إلى فصل أو نادٍ يجعلك تقابل مجموعة من الأشخاص الذين يشاركونك اهتماماً واحداً على الأقل؛ ولهذا ابحث عن أقرب مكتبة عامة، واطلع على جدول الأنشطة الترفيهية في المدينة لمعرفة ما هو متاح؛ إذ يمكن أن يوفر الانضمام إلى فصل أو نادٍ أيضاً شعوراً بالانتماء يأتي مع كونك جزءاً من مجموعة. علاوة على ذلك، يمكن أن يحفز الإبداع لديك، ويمنحك شيئاً تتطلع إليه خلال اليوم.

2. تطوَّع

يوفر لك التطوع من أجل قضية تؤمن بها الفوائد نفسها التي تحصل عليها من حضور فصل دراسي أو الانضمام إلى نادٍ؛ حيث يمكنك مقابلة الآخرين، والانضمام إلى مجموعة، وخلق تجارب جديدة. بالإضافة إلى أنه سوف يعلّمك الإيثار ويمكن أن يساعدك على تعزيز معنى حياتك.

3. عزّز علاقاتك القائمة

ربما لديك بالفعل أشخاص في حياتك يمكنك التعرف عليهم على نحو أفضل، أو علاقات مع العائلة يمكن تعميقها. وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا تتصل بالأصدقاء، وتخرج معهم أكثر، وتجد طرائقَ أخرى للاستمتاع بعلاقاتك الحالية وتعزيز روابطك الاجتماعية؟ وإذا كنت تجد صعوبة في إعادة التواصل مع أصدقائك، يمكنك أن تبدأ ببطء؛ فكر في صديق واحد داعم أو فرد من العائلة وتواصل معه.

4. مارس الرعاية الذاتية

عندما تشعر بالوحدة، تأكد من أنك تفعل ما بوسعك لرعاية نفسك بطرائق أخرى؛ فرعاية الذات هي دائماً فكرة جيدة، وخاصة عندما تشعر بالإحباط. في هذا الوقت، يمكنك دوماً تناول الطعام الصحي، وممارسة الرياضة، والحصول على قسط كافٍ من النوم، فهذه الأمور ستجعلك تشعر بتحسن على المدى الطويل.

5. تحدَّث إلى الطبيب النفسي

إذا جربت النصائح كلها ولم تشعر بتحسن، لا تتردد في الذهاب لمقابلة الطبيب النفسي، خاصة إذا كانت أعراض الاكتئاب ترافق الشعور بالوحدة.

المحتوى محمي