يحتاج الأطفال والمراهقون إلى بيئة تعليمية آمنة خالية من العنف المدرسي ورعاية شاملة للنمو والازدهار فيها من أجل تحقيق أهدافهم. ومع ذلك؛ بالنسبة للعديد من الطلاب، فإن تعرضهم للعنف المدرسي -بطريقة مباشرة أو غير مباشرة- يهدد قدرتهم على الاستفادة الكاملة من الفرص التعليمية.
تتعدد أشكال هذا العنف؛ والتي تشمل التنمر والعنف الجسدي مثل اللكم والصفع والركل، والعنف الجنسي.
تعريف أشمل للعنف
إن ظاهرة العنف هي إحدى الظواهر المنتشرة؛ لكن يتم تجاهلها في بعض الأحيان لعدم وجود تعريف واضح للمشكلة، لذلك فهو يُترك لحكم الأشخاص. المفاهيم المتعلقة بما هو مقبول وغير مقبول من حيث السلوك وما قد يشّكل ضرراً، يتأثر بثقافة المجتمع، ويخضع للمراجعة باستمرار، مع تطور القيم والأعراف الاجتماعية. لكن على الرغم من هذا الاختلاف في تقييم العنف بين المجتمعات، فإن الحاجة إلى بذل الجهد لمحاربته أمر مهم.
بحسب منظمة الصحة العالمية، فالعنف هو الاستخدام المُتعمّد للقوة، سواء كان تهديداً أو أذىً فعلياً، ضد النفس أو ضد شخص آخر أو مجموعة أو مجتمع، وينتج عنه أو من الممكن أن يؤدي إلى الإصابة أو الوفاة أو الأذى النفسي أو سوء النمو أو الحرمان.
مدى انتشار العنف المدرسي
بينما تتعدد أنواع العنف المدرسي، تشير إحصاءات اليونيسيف UNICEF في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط إلى أن التنمر من قبل الزملاء في المدرسة، هو أكثر أشكال العنف شيوعاً في المدارس. في 14 دولة من بين 17 دولة لديها بيانات متاحة عن التنمر، أبلغ أكثر من 1 من كل 4 مراهقين تتراوح أعمارهم بين 13 و 15 عاماً عن تعرضهم للتنمر في المدرسة مرة واحدة على الأقل في الشهرين الماضيين لإجراء الاستبيان.
كذلك؛ وفقاً لاستطلاع أُجري عام 2019 من قبل مركز السيطرة على الأمراض (CDC) لطلاب المدارس الثانوية في جميع أنحاء الولايات المتحدة شمل 13677 طالباً، فإن حوالي 1 من كل 5 من الطلاب تعرضوا للتنمر خلال العام الماضي، وكان 8% في معركة جسدية على ممتلكات المدرسة مرة واحدة أو أكثر خلال الاثني عشر شهراً التي سبقت المسح.
كما تعرض أكثر من 7% من طلاب المدارس الثانوية للتهديد أو الإصابة بسلاح -سكين على سبيل المثال- مرة واحدة أو أكثر خلال الاثني عشر شهراً التي سبقت المسح. كما امتنع ما يقرب من 9% من الطلاب عن الذهاب إلى المدرسة يوماً واحداً على الأقل خلال الثلاثين يوماً السابقة للمسح، لأنهم شعروا أنهم سيكونون غير آمنين في المدرسة أو في طريقهم إلى المدرسة أو عند العودة منها.
علاوة على ذلك، فالأمر لا يقتصر على الطلاب. بحسب دراسة هدفت للتحقق من مدى مساهمة المناخ المدرسي، ولا سيما العلاقات بين المعلم والطالب، في الحد من العنف المدرسي؛ أظهرت أن العنف المدرسي يؤثر أيضاً على المعلمين، ويمكن أن يؤدي إلى تركهم للمهنة.
وتقترح الدراسة أنه يجب أن تكون عواقب العنف الذي يتعرض له المعلمون موثقة جيداً، خاصة أنها أصبحت مصدراً للقلق المتزايد في العديد من البلدان. كما أن الاقتراح بأن السياسات التعليمية يجب أن تتيح بيئات مدرسية أكثر أماناً لجميع الطلاب قد لا يكون كافياً إذا لم يتم التعامل مع رفاهية المعلمين بشكل واضح وشامل وسط الجهود المبذولة لتطوير خطط الوقاية من العنف المدرسي.
3 أسباب رئيسية للعنف المدرسي
على الرغم من أن العنف قضية مهمة للغاية تستدعي إنهاءها في أقرب وقت ممكن؛ إلا أنها تعتبر نتاج قضايا أعمق تحتاج إلى معالجة إذا كانت الرغبة في منع العنف في المدارس حقيقية. تشمل هذه الأسباب:
1. عدم وجود أنظمة تأديبية واقعية وفعالة
في كثير من الأحيان؛ يتم التركيز بشكل كبير على وقف العنف في المدارس عند حدوثه بالفعل بدلاً عن اتخاذ خطوات وإجراءات استباقية لمنعه في المقام الأول؛ ما ينتج عنه تكرار حدوث العنف لعدم وجود عقاب رادع واضح لمرتكبيه.
2. عدم وجود رابطة بين الآباء والمعلمين
يحتاج الشباب إلى نظام دعم قوي من أولياء أمورهم ومعلميهم. يجب أن تركز إدارة المدارس على إنشاء تواصل دوري وإلزامي بين هذه المجموعات، وألا تقتصر على اجتماعات الآباء والمعلمين فقط بعد أن يُظهر الطالب سلوكاً عنيفاً وعدوانياً.
3. قطع الاتصال بين الطلاب
نظراً لأن الطلاب هم عادةً من يتسببون في العنف في المدارس، فإن المفتاح الحقيقي لتقليل أحداث العدوان والعنف يكمن في دمجهم للمشاركة في منع العنف المدرسي من خلال تدريبهم على طرق مكافحة التنمر والعنف، وإتاحة ذلك لجميع الطلاب لإلهامهم الشعور بالانتماء للمجتمع ورعاية مدرستهم.
اقرأ أيضاً: كيف تقنع طفلك بالذهاب للمدرسة؟
كيف نمنع العنف في المدارس؟
يتطلب منع العنف المدرسي معالجة العوامل التي تعرض الناس للخطر أو تحميهم منه. تشمل جهود الوقاية من قبل المعلمين والإداريين وأولياء الأمور وأفراد المجتمع وحتى الطلاب التي يمكن أن تقلل من العنف وتحسين البيئة المدرسية:
1. التحدث إلى الأطفال
يعد خلق وإبقاء الروابط مع أطفالك خطوة مهمة للاستمرار في المشاركة في واجباتهم المدرسية وأصدقائهم وأنشطتهم. حاول أن تسألهم كيف كان يومهم الدراسي؛ اطرح أسئلة مفتوحة واستخدم عبارات مثل "أخبرني المزيد" و "ما رأيك؟" تظهر تلك العبارات لأطفالك أنك تستمع وأنك تريد أن تسمع المزيد.
كذلك؛ ابدأ مناقشات مهمة مع أطفالك حول موضوعات مثل العنف والتدخين وغيرها، واعرض نصائح لمناقشة المواقف الصعبة التي قد يتعرضون لها، حتى لو كانت الموضوعات صعبة أو محرجة؛ لا تنتظر أطفالك يأتوا إليك للحديث عن تلك الموضوعات.
2. وضع قواعد وحدود واضحة لأطفالك
يحتاج الأطفال إلى قواعد وحدود واضحة موضوعة لهم حتى يعرفوا ما هو متوقع منهم وعواقب عدم الامتثال لها. عند وضع القواعد والحدود العائلية، تأكد من أن الأطفال يفهمون الغرض من القواعد وأن يكونوا متسقين في تنفيذها.
يكون ذلك الأمر أكثر فعالية إذا كان الأطفال مشاركين في وضع القواعد، وكذلك في تقرير العواقب. تذكر أن تكون عادلاً ومرناً، وأظهر لأطفالك من خلال أفعالك كيفية الالتزام بالقواعد، وتحمل المسؤولية، والتعاطف مع الآخرين، والتحكم في الغضب، وإدارة التوتر.
3. التعرف على علامات الخطر
يمكن أن تساعدك معرفة السلوك الطبيعي لابنك أو ابنتك في التعرف حتى على التغييرات الطفيفة في السلوك، وإعطائك تحذيراً مبكراً بأن شيئاً ما يزعجه.
يمكن أن يشمل ذلك الابتعاد من الأصدقاء، وانخفاض الدرجات، والإقلاع المفاجئ عن ممارسة الألعاب الرياضية التي كان يستمتع بها سابقاً، واضطرابات النوم، ومشاكل الأكل، والمراوغة، والكذب.
4. معرفة الوقت الأنسب للتدخل
يحتاج الآباء إلى التدخل عندما يُظهر الأطفال سلوكاً أو مواقف يمكن أن تضر بهم أو بالآخرين. كوليّ أمر؛ لست مضطراً للتعامل مع المشكلات بمفردك، فالتدخلات الأكثر فعالية تتطلب أن يعمل الآباء والمعلمين معاً لتوفير المراقبة والدعم المستمرين. كذلك؛ تواصل مع معلمي طفلك طوال العام الدراسي، وليس فقط عند ظهور المشاكل.
5. المساعدة في تطوير خطة الوقاية من العنف المدرسي
إن المجتمعات المدرسية التي لديها خطط لمنع العنف وفرق إدارة الأزمات تكون أكثر استعداداً لتحديد المشاكل المحتملة وتجنبها، ومعرفة ما يجب فعله عند حدوث أزمة. يتم تطوير خطط الوقاية والاستجابة للعنف الأكثر فعالية بالتعاون مع مسؤولي المدرسة والصحة وأولياء الأمور وأفراد المجتمع. تتضمن هذه الخطط تحديداً لسياسات السلامة المدرسية وعلامات الإنذار المبكر واستراتيجيات التدخل وخطط الاستجابة للطوارئ وإجراءات ما بعد الأزمة.
وأخيراً؛ يحق لجميع الطلاب التعلم في بيئة مدرسية آمنة - الأمر الذي يستدعي تكاتف أولياء الأمور والمعلمين والمسؤولين لوضع قوانين واضحة لردع مرتكبي العنف وحماية حقوق الطلاب في التعلم كاملة.