ملخص: يُعرف الحزن الاستباقي بشعور الضيق الذي يصيبنا قبل وقوع الخسارة؛ ما يجعلنا نشعر بالقلق والغضب وحتى اليأس. لكن، من المهم تذكر أن الحزن الاستباقي أمر طبيعي ويمكن التغلب عليه. في هذا المقال، نتناول أبرز أسباب الشعور بالحزن الاستباقي، وأعراضه، والطرائق الفعالة للتعامل معه.
محتويات المقال
الحزن تجربة فردية نمر بها عندما نتكبد خسارة ما، أو نفقد شخصاً عزيزاً على سبيل المثال، وتختلف شدة الحزن وطرائق التعامل معه، وفقاً لعدة عوامل؛ مثل العمر والتجارب السابقة وقيم الفرد ومعتقداته. لكن قد يداهم المرء شعوراً بالحزن قبل وقوع الخسارة أو الفقدان، ويُطلق عليه "الحزن الاستباقي" (Anticipatory grief)، ومع أنه يتيح فرصة للاستعداد والتكيف مع الخسارة المحتملة؛ لكن الأمر يصبح الأمر مربكاً ومؤلماً. في هذا المقال، نتعرف إلى مسببات الحزن الاستباقي وعلاماته وخطوات التعامل معه.
اقرأ أيضاً: 7 تجارب حياتية تجعلك أكثر قوة وتحملاً
ما هي الأسباب المؤدية للإصابة بالحزن الاستباقي؟
يُعرف الحزن الاستباقي، والذي يُدعى أيضاً "الحزن التوقعي"، بشعور الضيق الذي يصيب الشخص قبل حدوث فقدان أو خسارة وشيكة، ويرتبط عادة بإصابة الشخص أو أحد أفراد عائلته بمرض شديد؛ لكن يمكن أن يحدث أيضاً عند تكبد أنواع أخرى من الخسائر، أو مواجهة تغييرات كبيرة في الحياة. وقد يعاني الشخص الحزن الاستباقي بسبب التفكير فيما سيصبح عليه الحال بعد الخسارة والفقدان الوشيك، الذي يمكن أن يحدث نتيجة العديد من الأشياء المختلفة، بما في ذلك:
- الإصابة بمرض عُضال: إذ قد يعاني المرضى المصابون بحالات مرضية خطرة؛ مثل السرطان والشلل الرعاش وضمور العضلات، الحزن الاستباقي، بالإضافة إلى المرضى الذين ينتظرون زرع أعضاء أو المتبرعين المحتملين، إلى جانب المضطرين إلى الخضوع إلى عملية بتر أو إجراءات طبية قد تخلّف تشوهاً؛ مثل استئصال الثدي. وقد يرجع ذلك إلى خوف المرضى من احتمالية فقدان حيواتهم، أو خسارة قدرتهم على القيام بالأشياء التي اعتادوا فعلها سابقاً، وقلقهم مما ستكون عليه الحياة بعد ذلك، أو خشية اضطرارهم إلى الالتحاق بدار للرعاية مثلاً.
- الحمل والولادة وتحديات الرعاية: يمكن أن يشعر الوالدان بالخوف من فقدان الطفل الذي لم يولد بعد خاصة عند معرفة أنه قد يكون مصاباً باضطراب خَلقي؛ أو يخشى الوالدان حدوث مضاعفات في أثناء الولادة. علاوة على ذلك، قد يعاني الوالدان الراعيان لطفل مصاب بمرض مزمن أو اضطراب في النمو، أو أسرة الشخص المصاب، إلى جانب أصدقائه ومقدمي الرعاية إليه الحزن الاستباقي، وقد يرجع ذلك إلى خوف الأهل من خسارة أحبابهم وافتقاد الأنشطة التي كانوا يمارسونها معهم مثلاً، أو يمكن أن يمارسونها معهم لولا المرض.
- التجارب والتغيرات الحياتية: مثل الطلاق الوشيك، أو فقدان الوظيفة، أو مرض الحيوان الأليف وموته المحتمل.
في المقابل، يمكن أن تتسبب التغييرات المرغوبة والمُخطط لها في أن يعاني الشخص الحزن الاستباقي، مثل:
- البدء في وظيفة جديدة: إذ قد يفتقد الشخص الصداقة مع زملاء العمل السابقين.
- علاقة جديدة: فأحياناً يخشى المرء عند الدخول في علاقة جديدة فقدان الروتين الذي تعود عليه، أو تغيّر هويته في أثناء العلاقة.
- التغيير المكاني: قد يفتقد الشخص الأصدقاء والبيئة المألوفة، عند الاضطرار إلى الانتقال إلى منزل جديد، وكذلك عندما يغادر المراهق المنزل للانتقال إلى الجامعة مثلاً؛ حيث يعاني كل من المراهق والأهل الحزن الاستباقي لفقدان الروتين العائلي.
وتختلف مدة الحزن الاستباقي من شخص لآخر؛ ففي كثير من الأحيان، يمكن أن يستمر حتى يحدث الفقدان، ويمكن لبعض الأبناء أن يعانوا الحزن الاستباقي والخوف من فقدان أحد الوالدين قبل أن يمرض أحدهما أو يتقدم في السن، بينما قد لا يعاني آخرون الحزن الاستباقي حتى توشك الخسارة أن تحدث، ويمكن أن يعاني المرء أيضاً الحزن الاستباقي حتى إذا تعافى القريب المريض في النهاية.
اقرأ أيضاً: كيف تهيئ نفسك في حالة إصابتك بالسرطان؟
8 علامات شائعة تدل على معاناتك الحزن الاستباقي
قد يواجه الأشخاص الذين يعانون "الحزن الاستباقي" صعوبة في النوم والتركيز، إلى جانب فقدان الشهية، ويمكن أن يشعروا بمجموعة متنوعة من المشاعر، التي قد تكون مربكة ومرهقة؛ مثل الحزن والغضب والوحدة، وتشمل الأعراض الشائعة الأخرى:
- القلق: إذ قد يقلق المرء حول كيفية تدبير الأمور المالية، وما إذا كان سيتمكن من إعالة نفسه وعائلته بعد ذلك، وقد يخشى الطريقة التي يمكن أن ينظر بها الآخرون إليه، أو يتساءل عما إذا كانوا سيتخلون عنه بعد وقوع الخسارة.
- الشعور بالذنب: فمثلاً، قد يشعر الشخص بالذنب لعجزه عن فعل أي شيء، بينما تتدهور صحة أحد أفراد أسرته الذي يعاني المرض؛ فيتمنى انتهاء معاناة المريض ولو كان ذلك يعني موته. أو العكس، قد يتمنى بقاء قريبه ولو كان الأمر يعني استمرار معاناة هذا القريب مع المرض. كذلك قد يشعر المرء باللوم والندم على ما فعل أو لم يفعل.
- الانغماس في التفكير حول الاحتمالات المختلفة: فعندما نتوقع الخسارة، فإننا نتخيل أيضاً المستقبل بعد حدوث هذه الخسارة، لكن لا يمكننا التأكد مما سيكون عليه هذا المستقبل بالفعل؛ ونتيجة لذلك، قد نفقد إحساسنا بالسلامة والأمان.
- الإنكار: يظهر في رفض قبول الواقع الوشيك، والشعور بالخوف والذعر من فقدان الشخص أو الشيء المرغوب.
- الرغبة في الانسحاب: فأحياناً يتجنب الشخص حضور الالتزامات الاجتماعية، وينعزل عن الآخرين.
- اليأس: قد يفتقد الشخص الشعور بالمعنى في الحياة ويتملك منه الإحباط واليأس، بسبب الخسارة والفقدان الوشيك.
- الخمول أو النشاط الشديد: قد يفتقد الشخص الدافع للقيام بالأعمال والنشاطات اليومية، أو يزداد اهتمامه الشديد بموضوع حزنه الاستباقي.
- فقدان السيطرة: قد يفقد المرء سيطرته على عواطفه، ويشعر بالتهيج والبكاء والغضب الشديد لأقل سبب، أو يتصرف بطرق غير طبيعية.
اقرأ أيضاً: ما لا تعرفه عن القلق التوقّعي
كيف تنجح في التعامل مع الحزن الاستباقي؟
يمكن أن يصبح التعامل مع الحزن الاستباقي أكثر صعوبة من التعامل مع الحزن التقليدي، فقد يتساءل بعض الناس عن سبب حزنك قبل حدوث الخسارة؛ ويمكن لذلك أن يؤدي إلى تفاقم الشعور بالذنب. ولكن من المهم أن تتذكر أن الحزن الاستباقي أمر طبيعي، ويمكن للشخص الذي يعانيه أن يحسن وضعه عن طريق اتباع بعض الخطوات والنصائح، مثل:
- تقبل مشاعرك وشاركها مع الآخرين: لا تتجنب مشاعرك أو تحاول قمعها أو تجاهلها؛ فعندما نتقبل هذه المشاعر ونسامح أنفسنا والآخرين، تزداد قابلية التخلص من مشاعر الاستياء والألم. ويمكن أن تشارك مشاعرك مع آخرين يعانون تجربة مشابهة، أو تنضم إلى مجموعات الدعم، سواء عن طريق الإنترنت أو هاتفياً أو بالمقابلة على أرض الواقع.
ويمكن أن يساعدك تدوين ما تشعر به على التعبير عن الأشياء التي لا تشعر بالراحة عند مشاركتها مع صديق، كما يمكن أن تمنحك كتابة مشاعرك في رسالة إلى من تحبه على فراش الموت فرصة لقول كل الأشياء التي تود قولها.
- ثقف نفسك وتهيأ للمستقبل: يمكن أن يساعدك فهم ما يحدث على الشعور بالسيطرة؛ فمثلاً، يمكن للتعرف إلى حالة أحد أفراد عائلتك، والأعراض والآثار الجانبية المحتملة لأي علاج وطبيعة التشخيص أن يساعد على تخطيط الترتيبات اللازمة وتوفير متطلبات الرعاية.
كذلك، إذا كان أحد أفراد عائلتك لا يزال في صحة جيدة بما فيه الكفاية، سيعطيك ذلك الفرصة لقضاء بعض الوقت مع من تحبه، وإجراء محادثات هادفة، ومناقشة المسائل القانونية والمالية، مثل التي تتعلق برغبات المريض والتحضيرات في حالة حدوث الوفاة أو أي مضاعفات صحية، وتدبير سبل الرعاية والنفقة لمن يكفلهم المريض، إن وجدوا، وغير ذلك، إذا كان الأمر متاحاً، ويمكن أن يساعدك ذلك أيضاً على توديعه وتقبل الفقدان المحتمل.
- اطلب المساعدة ممن حولك: إذا كنت من مقدمي الرعاية، فقد يداهمك شعور بالذنب لرغبتك في أخذ فترات راحة من تقديم الرعاية، لكن يمكن أن تطلب المساعدة من أحد أفراد العائلة أو الأصدقاء أو أحد متطوعي دور رعاية المسنين أو مساعد مدفوع الأجر؛ حتى تتمكن من أخذ قسط كافٍ من الراحة، واجتمع مع الأصدقاء، وحاول قضاء وقت ممتع عندما تستطيع.
- مارس الرعاية الذاتية: قد نتوقف عن الاعتناء بأنفسنا عند المرور بتجربة ضاغطة؛ لذلك، تأكد من النوم عدد ساعات كافية لا يقل عن 7 ساعات، واتباع نظام غذائي صحي، مع بذل جهد بدني، و شرب الكثير من الماء، والتواجد حول أشخاص آخرين يشعرونك بالسعادة، ويمكن لتقنيات الاسترخاء والتنفس العميق والتأمل أن تساعدك في تهدئة مشاعرك.
- غير نظرتك تجاه الأحداث: يؤكد استشاري الطب النفسي، عبد الله أبو عدس، على أن الحزن الاستباقي تجربة شائعة، كما أن الفقدان والخسارات جزء طبيعي في حياة الإنسان. وينصح بممارسة اليقظة الذهنية بالتركيز على اللحظة الحاضرة، والنظر إلى الأمور بإيجابية. ويوضح أبو عدس أن الإيجابية هي موقف الإنسان تجاه الأحداث، سواء كانت إيجابية أو سلبية؛ ما يؤثر في طريقة تعامله معها، ويجعله أكثر قدرة على بناء غده.
- استعن بمختص نفسي عند الحاجة: يمكن أن يتحول الحزن الاستباقي إلى اضطراب الحزن طويل الأمد (Prolonged Grief Disorder) أو الحزن المعقد (Complicated grief)؛ خاصة عندما يعوق قدرتك على إدارة المهام اليومية، أو على الذهاب إلى العمل أو رعاية منزلك وأطفالك. لذا يمكن أن يساعدك مختص الصحة النفسية على التعبير عن مشاعرك، وتحديد الأفكار السلبية، وإعادة صياغة مفهوم الفقدان والخسارة، وقبول الواقع، وتقييم أفكارك حول نفسك والعالم والمستقبل، مما يساعدك على تجاوز الحزن الاستباقي بنجاح.
اقرأ أيضاً: كيف تتأقلم مع المتغيرات الحياتية التي لا تنتهي؟