تأثير المتفرج: ما الذي يجعل البعض يمتنعون عن مساعدة الآخرين في المواقف الصعبة؟

4 دقيقة
تأثير المتفرج
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: ربما شاهدتَ مقطع فيديو لإحدى تلك التجارب الاجتماعية التي تُنشر كثيراً على الإنترنت؛ حيث يصوّرون شخصاً يعاني محنة ما على مرأى الناس؛ إلا أن أحداً من المارة لا يكترث، وربما قد أثارت هذه المشاهد سخطك أو استغرابك، فما الذي يمنع الناس من تقديم المساعدة؟ في الواقع، ثمة العديد من الحواجز النفسية التي قد تثبط مروءة المارّة في حالات الطوارئ تلك؛ ربما بسبب الخوف من حكم الآخرين، أو الاعتقاد أن الموقف لا يمثل خطراً، أو بسبب تشتت المسؤولية. لفهم هذه الظاهرة وأسبابها وكيفية الحد منها، تابع قراءة هذا المقال.

رَوَت لي شقيقتي حادثة جرت في المنطقة التي تسكن بها؛ إذ حاول رجل يركب دراجة نارية سرقة حقيبة امرأة واقفة؛ لكنها تشبثت بالحقيبة، فما كان من الرجل إلا أن ترجّل عن دراجته وانهال على المرأة شتماً وضرباً وركلاً حتى كسر أضلاعاً عدة وشوّه وجهها، ثم أخذ الحقيبة ومضى. الغريب أن الحادثة جرت في وسط النهار وعلى مرأى العشرات من المارّة؛ إلا أنّ أحدهم لم يتدخل!

قد تفكر، مثلما فكرت أنا وكلّ من سمع بهذه الجريمة، أنك لو كنت هناك لما سمحت لهذا الرجل بفعل ما فعل، أو على الأقل لكنت حاولت طلب المساعدة، صحيح؟ في الواقع، ربما وربما لا؛ إذ يقترح علماء النفس أن تدخُّلك أم عدم تدخُّلك في مثل هذه المواقف يعتمد على عدد الشهود الآخرين الحاضرين، وهذا ما يُسمَّى بـ "تأثير المتفرج". فما هذا التأثير؟ ولماذا يحدث؟ وكيف يمكن التغلب عليه؟

اقرأ أيضاً: لماذا أصبح الشباب لا يردون على المكالمات الهاتفية؟ العلم يجيب

ما هو تأثير المتفرج؟

تشير المختصة النفسية، يسرا كمال، إلى أن تأثير المتفرج (Bystander effect) ظاهرة نفسية اجتماعية تعني الامتناع عن تقديم أي مساعدة للضحية عند وقوع اعتداء ما وذلك في حال وجود أشخاص آخرين حاضرين. وقد ظهر المفهوم لأول مرة بوساطة عالمَي النفس بيب لاتانيه (Bibb Latané) وجون دارلي (John Darley)، بعد جريمة طعنٍ تعرضت إليها الفتاة كيتي جينوفيز (Kitty Genovese) عام 1964 في مدينة نيويورك؛ حيث شهد العديد من الأشخاص الجريمة لكنهم لم يتدخلوا أو يتصلوا بالشرطة.

باختصار، يوضح تأثير المتفرج كيف يفترض الأفراد غالباً أن شخصاً آخر سيتدخل؛ ما يؤدي إلى التقاعس عن تقديم المساعدة. من الأمثلة لهذا التأثير تصوير الاعتداء بدلاً من الاتصال بخدمة الطوارئ، أو المشي إلى جوار شخص ملقىً في الشارع، أو غير ذلك.

اقرأ أيضاً: هل سمعت من قبل عن “الأنف الاجتماعي”؟ تعرف إلى تأثيره في علاقاتك بمن حولك

7 أسباب لتفسير ظاهرة تأثير المتفرج

ثمة العديد من الأسباب التي قد تفسر هذه الظاهرة؛ أهمها:

  • توزيع المسؤولية أو تشتتها: عندما يشهد أشخاص عدة حالة طوارئ، يشعر كل شخص بأنه أقل اضطراراً إلى التصرف؛ لأنه يعتقد أن شخصاً آخر سيتدخل؛ أي يعتقد أن مسؤولية التصرف مشتركة بين الحاضرين جميعهم، فيتضاءل في المحصلة الإحساس بالمسؤولية الشخصية.
  • التأثير الاجتماعي: من المعروف في علم الاجتماع أن الفرد يشعر بضرورة التصرف وفقاً لطرائق صحيحة ومقبولة اجتماعياً؛ لذلك فهو غالباً ما يتطلع إلى الآخرين لمعرفة كيفية التصرف في المواقف غير المؤكدة. فإذا بدا أن الآخرين هادئون أو غير مبالين، فقد يفسر الفرد الموقف بأنه غير طارئ. تُعرف هذه الظاهرة باسم "الجهل التعددي" (Pluralistic ignorance)؛ حيث يسيء الجميع تفسير حقيقة الموقف لأنهم يرون أن الآخرين لا يتفاعلون.
  • غموض الموقف: قد يتردد المارة في التدخل عندما لا تكون حالة الطوارئ واضحة المعالم. بكلمات أخرى: يعتمد الناس غالباً على ردود أفعال الآخرين لتحديد إذا ما كان الوضع خطِراً أم لا، فعندما لا يُبدي الآخرون تفاعلاً، فذلك يعزز الاعتقاد بأن لا حاجة لأي تصرف ضروري.
  • فشل في عملية اتخاذ القرار: غالباً ما تكون الظروف المحيطة بالمحنة فريدة وغير عادية ومتعددة الأوجه، وربما لم يواجه العديد من المارة مثل هذا الموقف سابقاً، ولا يمتلكون خبرة كافية عن كيفية التصرف الصحيح خلال اللحظات العصيبة. لذلك ووفقاً لعالمَي النفس الآنفَي الذِّكر، لاتانيه ودارلي؛ فإن الشخص الشاهد على الحادث يمر قبل أن يقرر المساعدة بعدة خطوات هي: ملاحظة حدوث أمر ما غير طبيعي، ثم تفسير الحادثة على أنها حالة طارئة، وبعد ذلك، الشعور بالمسؤولية الشخصية عن المساعدة، ولاحقاً اختيار كيفية المساعدة، وتنفيذ سلوك المساعدة. أما إذا فشل الشخص في أيٍّ من هذه الخطوات، فلن يبادر بالمساعدة.

اقرأ أيضاً: دراسة علمية: دعم من حولك في أوقات التوتر يساعدك على مواجهة إغراء الوجبات السريعة

  • تحليل التكلفة والفائدة: قد يزِن المارّة المخاطر والمكافآت المحتملة لقرار المساعدة قبل اختياره، فإذا عُدَّت المساعدة خطِرة أو تستغرق وقتاً طويلاً، فقد يقرر الأفراد أنها لا تستحق الجهد المبذول. وعلى العكس من ذلك، إذا رَأَوا فوائدَ شخصية؛ مثل الشعور بالرضا عن أنفسهم أو تلقي الموافقة الاجتماعية، فمن المرجح أن يساعدوا.
  • الحالة العاطفية: يمكن لأمزجة المارّة أن تؤثر أيضاً في احتمالية تقديم المساعدة؛ إذ تزيد المشاعر الإيجابية مثل السعادة والرضا احتمالية ملاحظة حالات الطوارئ والاستجابة لها؛ في حين يمكن للمشاعر السلبية مثل الاكتئاب أن تمنع سلوك المساعدة. ومع ذلك، وُجد أن المزاج السلبي مثل الشعور بالذنب أو الحزن قد يحفّز أحياناً على المساعدة في محاولة لتخفيف هذه المشاعر السلبية.
  • التأثير الاجتماعي المعياري: تؤدي الأعراف الاجتماعية والتوقعات الظرفية دوراً حاسماً في قرار المارّة بالتدخل، فغالباً ما يتّبع الأشخاص معاييرَ راسخة بشأن السلوك المناسب في أماكن محددة. على سبيل المثال؛ من غير المرجح أن يتدخل الناس في المناطق التي من غير المفترَض أن يدخولها، أو قد يكونون أقل ميلاً إلى المساعدة في الأماكن التي يُتوقَّع منهم أن يحافظوا فيها على الهدوء؛ مثل المكتبة.

اقرأ أيضاً: ما الطريقة الأمثل لدعم من تحب عاطفياً؟

كيف تتجنب الوقوع تحت هذا التأثير؟

يمكن اتباع العديد من الاستراتيجيات لمنع تأثير المتفرج من السيطرة على عقول الناس؛ مثل:

  1. ثقّف نفسك والآخرين: بتّ الآن تعلم أسباب هذه الظاهرة، وعليك إذاً أن تثقّف الناس عن هذا التأثير؛ ما يجعلهم يفهمون سبب ميلهم إلى عدم التدخل في حالات الطوارئ، ويدفعهم إلى تجاوز هذه الحواجز النفسية واتخاذ الإجراءات اللازمة عند الحاجة.
  2. بادِر بالمساعدة: يتطلع الناس إلى الآخرين للحصول على إشارات عن كيفية التصرف في المواقف غير المؤكدة؛ لذلك تحمّل المسؤولية واتخذ الخطوة الأولى للمساعدة؛ ما سيؤدي إلى سلسلة من ردود الفعل الإيجابية.

اقرأ أيضاً: ما الفرق بين الشخصية السيكوباتية والشخصية المضادة للمجتمع؟

  1. خاطِب شخصاً مباشراً على نحو محدد: إذا كنت في حالة طوارئ وتحتاج إلى مساعدة، فحاول أن تحدد أفضل السبل للتدخل، ثم اطلب من شخص معين في الحشد ما تود أن يفعله. على سبيل المثال؛ قُل: "أنت يا مَن ترتدي السترة الزرقاء، اطلُبِ الإسعاف، وأنت يا مَن ترتدي قبعة بيضاء، اتصل بالشرطة". احرص على أن تتواصل بصرياً مع الشخص الذي تخاطبه. يُذكر إنه إذا كنت أنت مَن يمر في محنة، فإن هذه الخطوة ستفيدك أيضاً؛ لذلك احرص على أن تتواصل بصرياً مع شخص محدد من المارة، واطلب منه المساعدة.
  2. تعلَّم طرائق الإسعافات الأولية: قد يمكّن التدرب على الإسعافات الأولية والإنعاش القلبي الرئوي وغيرها، الأشخاصَ من التصرف بثقة في المواقف الحرجة. تذكّر أن هذه المعرفة ستفيدك في حياتك اليومية، وقد تكون الحد الفاصل بين الحياة والموت في بعض الأحيان.