ملخص: نشرت مجلة جاما نيتورك أوبن (JAMA Network Open) دراسة بحثية حديثة في مايو/أيار 2024 توصلت من خلالها إلى نتيجة مفادها أن موقع منزلك في الطفولة يؤثر تأثيراً بالغاً في إصابتك بالقلق والاكتئاب. فإذا تعرضت للكثير من الضوضاء وتلوث الهواء خلال طفولتك، ستكون أكثر قلقاً واكتئاباً في مرحلة الشباب، وإليكم تفاصيل الدراسة عبر هذا المقال.
محتويات المقال
هل كان منزل طفولتك بالقرب من طريق مزدحم؟ في هذه الحالة قد تكون أكثر عرضة للإصابة بالقلق والاكتئاب، حيث توصلت دراسة بحثية حديثة نشرتها مجلة جاما نيتورك أوبن (JAMA Network Open) في مايو/أيار 2024 إلى نتيجة مفادها أن زيادة التعرض لتلوث الهواء والضوضاء خلال الحياة المبكرة بما في ذلك مرحلة قبل الولادة يزيد خطر الإصابة بالقلق والاكتئاب والاضطرابات الذهانية في مرحلة الشباب، فكيف يمكن أن يؤثر موقع منزل طفولتك في صحتك النفسية؟ الإجابة من خلال هذا المقال.
دراسة حديثة: موقع منزلك في الطفولة يؤثر في إصابتك بالقلق والاكتئاب
أظهرت الدراسة البحثية السابق ذكرها أن التعرض المتزايد للضوضاء والهواء الملوث في مراحل الحياة المبكرة يرتبط بزيادة خطر الإصابة بالقلق والاكتئاب والاضطرابات الذهانية في أثناء مرحلة الشباب، وقد حلّل فريق من الباحثين المشاركين في هذه الدراسة بيانات أكثر من 9,000 طفل وُلِدوا في التسعينيات وعاشوا في مناطق حضرية وضواحٍ ريفية مختلفة، ودرس الفريق مستوى تعرضهم للتلوث والضوضاء المرورية في أثناء نموهم، ووجد الباحثون أن الأطفال الذين نشأوا في منازل محاطة بالضوضاء كانوا أكثر عرضة بنسبة تصل إلى 22% للإصابة بالاكتئاب والقلق والاضطرابات الذهانية مثل الهلوسة، مقارنة بأولئك الذين عاشوا في مناطق أكثر هدوءاً ونظافة.
وقد أجرى الباحثون مقابلات مع السيدات الحوامل في مدينة بريستول بالمملكة المتحدة، هذا بالإضافة إلى الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و18 و24 عاماً، وكشفت النتائج أن التعرض لتلوث الهواء حتى في مرحلة ما قبل الولادة يؤثر سلباً في الصحة النفسية لأنه يسبب التهاباً في الدماغ وتلف الأنسجة، كما يؤدي إلى انخفاض الوزن عند الولادة، وهذه العوامل يمكن أن تزيد من احتمالية الإصابة بمشكلات الصحة النفسية مثل الاكتئاب والقلق.
وأضافت النتائج أن التلوث الضوضائي يزيد خطر الإصابة بالقلق لأنه يؤدي إلى اضطرابات النوم ويزيد التوتر، كما يؤثر في العمليات الإدراكية والمعرفية ما قد يضعف التركيز في أثناء سنوات الدراسة ويؤدي إلى المزيد من القلق والتوتر.
ما تأثير الضوضاء في الصحة النفسية والجسدية؟
نشرت مجلة نيتشر (Nature) العلمية دراسة بحثية في يناير/كانون الثاني 2024 وأكدت من خلالها أن التعرض للضوضاء يهدد الصحة النفسية والجسدية تهديداً كبيراً وذلك عبر مسارين؛ المسار المباشر الذي يعني التعرض لمستويات ديسيبل عالية جداً يسبب تلفاً لأعضاء الأذن، والمسار غير المباشر يتعلق بتأثير الضوضاء في جودة النوم وممارسة الأنشطة اليومية، حيث تؤدي الضوضاء إلى ارتفاع مستويات هرمونات التوتر مثل الكورتيزول وتنشيط الجهاز العصبي الودي، ولا يقتصر تأثير الضوضاء في حالات الصحة النفسية، ولكنه يمتد إلى الصحة الجسدية؛ إذ يزيد خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
وأضافت نتائج الدراسة أن التعرض لضوضاء الطائرات في أثناء الليل يؤدي إلى اعتلال تاكوتسوبو القلبي (Takotsubo Cardiomyopathy) المعروف أيضاً باسم "متلازمة القلب المكسور" (Broken Heart Syndrome) وهي حالة طبية تنجم عن الإجهاد العاطفي والإفراط في إفراز هرمونات التوتر، ويمكن القول إن الإجهاد والانزعاج الناتجين عن الضوضاء المزمنة يسببان انخفاض القدرة على التكيف ومقاومة الإجهاد، وهو الأمر الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى الشعور بالعجز المكتسب الذي يتسم بالاستسلام السلبي جراء الافتقار إلى الشعور بالسيطرة، وغالباً ما ينشأ هذا العجز من التعرض المزمن لضغوط لا يمكن السيطرة عليها.
وعلى الجانب الآخر، تؤدي الضوضاء إلى تنشيط محور الغدة النخامية والكظرية (HPA) وزيادة الالتهاب العصبي، هذا إلى جانب أن التعرض للضغط النفسي الناتج عن الضوضاء فترات طويلة قد يؤدي إلى استراتيجيات التكيف غير الصحية مثل التدخين، هذا وقد تبين من التجارب العلمية التي أُجريت على الفئران أن الضوضاء يمكن أن تسبب انخفاض كثافة الخلايا العصبية، ما يؤدي إلى التدهور المعرفي.
اقرأ أيضاً: ما هي متلازمة القلب المكسور؟
كيف يؤثر تلوث الهواء في صحتك الجسدية والنفسية؟
أكدت الجمعية الأميركية للطب النفسي (APA) أن تلوث الهواء يؤثر تأثيراً خطيراً في الصحة النفسية والجسدية؛ حيث يزيد من خطر الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي والقلب والأوعية الدموية، ويسبب تلوث الهواء أكثر من 4 ملايين حالة وفاة مبكرة سنوياً في أنحاء العالم كافة وذلك بسبب السكتات الدماغية ومرض الانسداد الرئوي المزمن والتهابات الجهاز التنفسي السفلي الحادة.
وتشمل ملوثات الهواء التي تؤثر تأثيراً سلبياً في صحة الإنسان ما يلي:
1. الملوثات الغازية: مثل أكاسيد النيتروجين (NOx)، بما في ذلك ثاني أوكسيد النيتروجين (NO2)، وأول أوكسيد الكربون (CO)، والأوزون (O3)، وثاني أوكسيد الكبريت (SO2).
2. الملوثات الجسيمية: وتنقسم وفقاً لحجمها إلى جسيمات خشنة (PM10)، وجسيمات دقيقة (5)، وجسيمات متناهية الصغر (UFPs).
3. ملوثات الهواء بالمعادن الثقيلة: مثل الكادميوم والرصاص والزئبق وغيرها.
ووفقاً لدراسة بحثية نشرتها المجلة الطبية البريطانية (The BMJ) في أبريل/نيسان 2023 فإن التعرض للجسيمات الدقيقة وثاني أوكسيد النيتروجين يزيد خطر الإصابة بالخرف، ويمكن القول إن تلوث الهواء يؤثر تأثيراً ضاراً في الدماغ؛ بدءاً من مرحلة الحمل وحتى الشيخوخة، ما يعني أن تلوث الهواء يؤثر في أدمغتنا قبل أن نولد، وذلك لأن الأم الحامل تستنشق الهواء الملوث وينتقل إلى الجنين عبر مجرى الدم، وبالنسبة للأطفال يؤثر تلوث الهواء بطريقة سلبية في الأداء السلوكي والمعرفي، ويمكن أن يسبب القلق والاكتئاب.
وفي تجربة علمية أُجريت على الفئران تبين أن الفئران التي تعرضت لمستويات أعلى من التلوث استغرقت وقتاً أطول لتخرج من المتاهة، وارتكبت الكثير من الأخطاء، وذلك مقارنة بالفئران التي كانت تتنفس الهواء النظيف، كما أظهرت هذه الفئران الكثير من علامات الاكتئاب، لذا يمكن القول إن تلوث الهواء يزيد خطر الإصابة بالكثير من الاضطرابات النفسية مثل الفصام والاضطراب الثنائي القطب، هذا بالإضافة إلى ارتفاع خطر الإصابة بالتهاب الدماغ والجهاز العصبي والإجهاد التأكسدي؛ حيث يخلق تلوث الهواء استجابات التهابية داخل الجسم، وقد يسبب التهاباً مزمناً في الدماغ عبر تلف الخلايا العصبية والاستجابات التنظيمية للجهاز العصبي.
وللتوضيح أكثر فتلوث الهواء يدخل الدماغ ويسبب الالتهاب عبر عدة مسارات منها:
- عبور حاجز الدم في الدماغ عبر الأوعية الدموية والخلايا التي تشكل أنسجة الدماغ ودخول الخلايا العصبية الشمية التي تربط الأنف بالدماغ، حيث يُستنشق الهواء الملوث عن طريق الأنف ويمكن أن يسبب تلف الخلايا العصبية.
- الدخول إلى المعدة والجهاز الهضمي حيث الجهاز العصبي المعوي، الذي يُشار إليه غالباً باسم "الدماغ الثاني".
وفي هذا السياق يوضح استشاري الطب النفسي جمال فرويز أن تلوث الهواء يخلق بعض الجراثيم التي تؤثر في النواقل العصبية وبالتالي يمكن أن تقل نسبة الدوبامين وترتفع نسب هرمونات التوتر مثل الأدرينالين، ويضيف فرويز أن التلوث يزيد من خطر معدلات الانتحار، كما أن الأطفال الذين يولدون في بيئات ملوثة بالهواء عادة ما يكونوا أقل ذكاءً من أطفال البيئات النظيفة.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن يؤذي تلوث الهواء صحتك النفسية؟ وماذا تفعل لتتقي ضرره؟
3 إرشادات لتحمي نفسك من تأثير الضوضاء وتلوث الهواء
لا يمكن تجنب الضوضاء وتلوث الهواء في الكثير من الأوقات. وعلى الرغم من ذلك، عليك أن تحاول قدر الإمكان حماية صحتك النفسية عبر اتباع الإرشادات التالية:
1. قلّل الضوضاء الصادرة عن أجهزتك الكهربائية: هناك بعض الأجهزة الكهربائية في منزلك التي قد تسبب لك الضوضاء مثل التكييف والمراوح وغيرها من الأجهزة، ولهذا أوقِف تشغيلها في بعض الأوقات أو فعّل الضبط المؤقت بمعنى تشغيلها في أوقات محددة خلال اليوم.
2. اخلق مساحة خاصة في بيتك من أجل الشعور بالاسترخاء: ثمة حقيقة تعلمتها من واقع تجربتي الخاصة، وهو أننا لن نستطيع السيطرة على أمور حياتنا كافة، ولهذا ستظل دائماً هناك بعض الأشياء الخارجة عن نطاق سيطرتنا مثل الضوضاء وتلوث الهواء، ومع ذلك يمكننا خلق مساحة خاصة بنا من أجل الشعور بالراحة والاسترخاء، وعليه يمكنك عزل الصوت الخارجي عن غرفتك، وإذا كنت تعيش في بيئة مزعجة وضاغطة، مارِس الهوايات التي تساعدك على الاسترخاء، اشرِك حواسك كلها وعدّل مزاجك، إذا كنت ترغب في الشعور بالتباطؤ اختر موسيقا هادئة مثل صوت أمواج المحيط واستنشق رائحة اللافندر الذي يساعد على تقليل الشعور بالقلق والتوتر.
3. زيّن بيتك بالنباتات: هناك بعض النباتات التي يمكنها إزالة الملوثات السامة من الهواء مثل البنزين والفورمالديهايد والزيلين والتولوين، وهذه النباتات هي على سبيل المثال اللبلاب الإنجليزي وصبار الألوفيرا الذي ينتج الكثير من الأوكسجين على مدار اليوم، وزنبق السلام وشجرة التنين.