دراسة حديثة: ثورات الغضب القصيرة تؤذي قلبك، فكيف تتقيها؟

5 دقيقة
نوبات الغضب القصيرة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: توصلت دراسة عملية حديثة أجراها باحثون في مركز إيرفينغ الطبي بجامعة كولومبيا (Columbia University Irving Medical Center)، وكلية الطب بجامعة ييل (Yale School of Medicine)، وجامعة سانت جون في نيويورك (St. John’s University) ونشرتها مجلة جمعية القلب الأميركية في مايو/أيار 2024 إلى نتيجة مفادها أن نوبات الغضب القصيرة تُضعف وظيفة الأوعية الدموية؛ ما يزيد خطر الإصابة بأمراض القلب، وإليكم تفاصيل الدراسة عبر هذا المقال.

أظهرت دراسة بحثية حديثة نشرتها مجلة جمعية القلب الأمريكية (Journal of the American Heart Association) في مايو/أيار 2024 أن نوبات الغضب القصيرة تضعف الأوعية الدموية؛ ما يزيد خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية. وقد شارك في هذه الدراسة 280 شخصاً لم يكن لديهم تاريخ من أمراض القلب أو السكتة الدماغية أو ارتفاع ضغط الدم أو مرض السكري من النوع الثاني أو أي مشكلات تتعلق بالصحة النفسية، فهل لحظات الغضب القصيرة تؤذي قلبك؟ وكيف تتقيها؟ الإجابة من خلال هذا المقال.

ما النتائج التي توصلت إليها الدراسة؟

توصلت الدراسة البحثية السابق ذكرها التي أجراها باحثون في مركز إيرفينغ الطبي بجامعة كولومبيا (Columbia University Irving Medical Center)، وكلية الطب بجامعة ييل (Yale School of Medicine)، وجامعة سانت جون في نيويورك (St. John’s University)، إلى نتيجة مفادها أن نوبات الغضب القصيرة تُضعف وظيفة الأوعية الدموية.

وقد شارك في هذه الدراسة 280 شخصاً قُسّموا إلى 4 مجموعات، وقد طلب منهم الباحثون القائمون على الدراسة ما يلي:

  1. المجموعة الأولى عليها تذكر أحداث سابقة تثير الغضب.
  2. المجموعة الثانية عليها تذكر أحداث سابقة تثير الحزن.
  3. المجموعة الثالثة عليها الشعور بالقلق عبر استدعاء تجارب وأحداث سابقة.
  4. المجموعة الرابعة طُلب منها الحفاظ على حالة عاطفية محايدة دون تذكر أي شيء.

اختبر الباحثون، بعد المهمة السابقة، عينات دم المشاركين، وقاسوا تدفق الدم والضغط قبل الدراسة وبعدها، وركزوا  على وجه التحديد في الأوعية الدموية. وكشفت النتائج عن انخفاض قدرة الأوعية الدموية على التمدد لدى المشاركين في المجموعة الغاضبة على نحو ملحوظ مقارنة بالمجموعة المحايدة. بالإضافة إلى ذلك، لم يتأثر تمدد الأوعية الدموية لدى المشاركين الذين ينتمون إلى مجموعات الحزن والقلق؛ ما يعني أن الغضب يمكن أن يؤثر تأثيراً مباشراً في صحة القلب، وذلك عكس المشاعر السلبية الأخرى التي لا تملك التأثير نفسه.

ويمكن القول إن التمدد يؤثر في تدفق الدم داخل الأوعية الدموية بالأجزاء الضرورية من الجسم، وأي تأثير سلبي في تمدد الأوعية الدموية يدل على تصلب الشرايين؛ الذي يسبب النوبات القلبية والسكتات الدماغية وأمراض القلب التاجية واضطرابات الكلى.

وفي هذا السياق، يؤكد أستاذ أمراض القلب في جامعة كولومبيا والمؤلف الرئيس للدراسة، دايتشي شيمبو (Daichi Shimbo)، إن نوبات الغضب القصيرة التي امتدت 8 دقائق أثرت في الأوعية الدموية طوال مدة وصلت إلى 40 دقيقة. ويضيف شيمبو إن هذا الأمر قد لا يبدو سيئاً في حد ذاته ولكن ما زال علينا القلق بشأن التأثير التراكمي، فالشخص الذي يغضب مراراً وتكراراً سوف تضعف أوعيته الدموية على نحو مزمن.

اقرأ أيضاً: لا تعدّ إلى العشرة لتنفّس عن غضبك: إليك أفضل البدائل العلمية

ماذا يحدث لك حين تغضب؟

توضح أستاذة أمراض القلب والأوعية الدموية في كلية الصحة العامة بجامعة هارفارد (the Harvard School of Public Health)، لورا كوبزانسكي (Laura Kubzansky)، إن الغضب المعتدل يعد أمراً صحياً؛ لكن الأشخاص الذين ينفجرون ويقذفون بالأشياء ويصرخون فيمن حولهم، بالإضافة إلى الأشخاص الذين يكبتون الغضب، هم الأكثر عرضة إلى خطر الإصابة بأمراض القلب. وبخلاف ما جاء في الدراسة، تضيف كوبزانسكي إن الأمر لا يقتصر على الغضب، فالمشاعر السلبية المتطرفة كلها خطِرة أيضاً؛ إذ إن المستويات المرتفعة من القلق والاكتئاب تزيد خطر الإصابة بأمراض القلب، وهذا ما يحدث داخلك حين تغضب:

  1. الشعور بالتحفز المستمر: يشرح أستاذ علم النفس في جامعة ويسكونسن (the University of Wisconsin) ومؤلف كتاب "لماذا نغضب: كيف تستخدم غضبك من أجل إحداث تغيير إيجابي" (Why We Get Mad: How to Use Your Anger for Positive Change)، راين مارتن (Ryan Martin)، إننا عندما نشعر بالغضب، تعالج أدمغتنا تلك المشاعر ثم ترسل المعلومات إلى منطقة ما تحت المهاد المسؤولة عن الحفاظ على أجسامنا في حالة مستقرة ومتوازنة، ويُطلق على تلك المنطقة اسم "الجهاز العصبي الودي" أو "نظام القتال والهروب"، ففور شعورك بالغضب، يضخ جسمك هرمونات التوتر مثل الأدرينالين والكورتيزول التي تسّرع بدورها ضربات القلب وترفع ضغط الدم، ويضيف مارتن إن أجسامنا غير مصممة للعيش مع هذه الحالة فتراتٍ طويلة من الزمن؛ إذ يجب أن يُخرجك الغضب من حالة التهديد اللحظي وبعدها يعود جسمك إلى حالته الطبيعة المستقرة؛ لكن مع استمرار شعورك بالغضب، قد تجد نفسك تحس بالتحفز المستمر ما يؤدي إلى استمرار إطلاق هرمونات التوتر في جسمك.
  2. ضعف جهاز المناعة: ترى أستاذة علم النفس في جامعة تيلبورغ (Tilburg University)، ستيفاني دويندام (Stefanie Duijndam)، إن الغضب يؤثر سلباً في جهاز المناعة عن طريق تثبيط الخلايا المناعية، وزيادة الالتهاب، وتعزيز الاستجابة المناعية غير المتوازنة. ومع نوبات الغضب المتكررة، يهاجم جهاز المناعة الخلايا السليمة؛ ما يزيد خطر الإصابة بأمراض المناعة الذاتية مثل التهاب المفاصل والتصلب المتعدد.
  3. ظهور مشكلات في الرئة: عندما تشعر بالغضب الشديد، يتخذ جسمك وضعية الهروب أو القتال التي تزيد ضربات القلب ومعدل التنفس؛ ولهذا يحاول جسمك في هذا الوقت الحصول على كمية كبيرة من الأوكسجين لأنها تعد ضرورية لبعض المناطق مثل الدماغ والعضلات، وتترتب على ذلك زيادة فرص الإصابة بنوبات الربو وضعف الجهاز التنفسي.
  4. الإحساس بالألم المزمن: ترفع نوبات الغضب درجة حرارة جسمك، ثم تنتقل تلك الحرارة من قلبك مناطق مثل صدرك وذراعيك؛ ولهذا يعمل الغضب على توتر العضلات ما يؤدي إلى الشعور بالألم المزمن.
  5. مشكلات الجهاز الهضمي: أمعاؤك التي تشمل المعدة والأمعاء الغليظة والأمعاء الدقيقة، تملك جهازاً عصبياً خاصاً بها يحتوي الكثير من الخلايا العصبية التي تراقب ما يحدث في أمعائك، إلى جانب الخلايا العصبية الحركية التي تتحكم في تقلصات الجهاز الهضمي المسؤولة عن عملية الهضم. وحين تشعر بالغضب، يؤثر الدماغ في الانقباضات المرتبطة بعملية الهضم؛ ما يؤدي إلى أعراض مثل الغثيان والإمساك والإسهال وآلام المعدة، ومع زيادة نوبات الغضب، يحدث خلل في العلاقة بين الأمعاء والدماغ ما يزيد فرص الإصابة بمتلازمة القولون العصبي (IBS)، والإمساك المزمن.
  6. الطفح الجلدي: على غرار الأمعاء؛ يتفاعل الجلد أيضاً مع الغضب. وفي هذا السياق، يوضح أستاذ علم النفس الإكلينيكي، ريتشارد فريد (Richard Fried)، إن الشعور بالغضب طوال الوقت يسبب بعض الأمراض الجلدية المباشرة، خاصة إذا كان غضبك يمنعك من النوم ويجعلك تتناول الطعام غير الصحي أو إذا كنت تميل إلى لمس وجهك حين تحس بالتوتر والغضب.

اقرأ أيضاً: ما الاضطراب الانفجاري المتقطع؟وكيف يمكن علاجه؟

كيف تتحكم في نوبات الغضب لحماية قلبك؟

يعتقد مختص الإرشاد الأسري، ياسر الحزيمي، إن التحكم في نوبات الغضب لا يعني عدم الغضب نهائياً؛ بل يتضمن تعلم كيفية التعرف إلى غضبك والتعامل معه والتعبير عنه بطرائق صحية؛ وذلك لأن الغضب حين يخرج عن السيطرة يؤدي إلى السلوك العدواني، وحين تكتم الغضب بداخلك دون تعبير قد تصبح شخصاً ضعيفاً. لذا؛ ربما تتساءل: "كيف أتحكم في غضبي؟"، وعلى الرغم من أن التغيير لا يحدث بين عشية وضحاها، فإن هناك بعض الاستراتيجيات التي يمكنك استخدامها للتحكم في غضبك؛ منها:

  1. حدد محفزاتك: إذا كنت معتاداً على فقدان أعصابك، حدد الأشياء التي تثير غضبك. على سبيل المثال؛ الطوابير الطويلة، أو الاختناقات المرورية، أو التعليقات اللاذعة، أو الشعور بالتعب المفرط. بعد ذلك، حاول تجنب تلك المحفزات، فإذا كنت تكره الاختناق المروري في ساعات الذروة الصباحية اخرج للعمل في موعد مبكر.
  2. ركّز على الحلول الممكنة: بدلاً من التركيز على المشكلات التي تسبب لك الغضب، حاول حلها. على سبيل المثال؛ هل تجعلك غرفة طفلك الفوضوية منزعجاً؟ اطلب منه تنظيفها وشارك معه في عملية التنظيف. هل تعمل وقتاً إضافياً يومياً في العمل؟ تحدث إلى مديرك. بالإضافة إلى ذلك، افهم أن بعض الأمور سوف تظل خارجة عن سيطرتك؛ لذا كن واقعياً وذكّر نفسك بن الغضب لن يصلح أي شيء وقد يزيد الأمر سوءاً.
  3. خذ مهلة: امنح نفسك فترات قصيرة من الراحة على مدار اليوم، اجلس بعيداً عن الآخرين، افصل هاتفك عن الاتصال بالإنترنت، واستمتع بالاسترخاء. في هذا الوقت، تستطيع معالجة الأحداث والتعامل مع مشاعرك بهدوء، وحاول قدر الإمكان جدولة هذا الوقت ضمن روتينك اليومي.
  4. اكتب يومياتك: إذا شعرت بانهمار سيل المشاعر في داخلك، أو تمكن منك الغضب ولم تعد تعرف كيف تعبر عنه بطريقة صحية، اكتبه. أحضر أجندة صغيرة ودوّن ما تحس به؛ فقد تساعدك الكلمات المكتوبة على تهدئة مشاعرك وإعادة تقييم الأحداث التي مررت بها وأدت إلى تلك المشاعر.
  5. مارس التمارين الرياضية: وذلك لأنها تخفف الضغط وتقلل التوتر وتسمح لك بتصفية ذهنك؛ ما يمنحك منظوراً أكثر وضوحاً إلى المشكلات التي تزعجك وتجعلك تشعر بالغضب.
  6. غيّر طريقة تفكيرك: عندما تكون غاضباً، ستشعر أن الأمور أسوأ مما هي عليه بالفعل؛ لذلك جرّب تقنية تُعرف باسم "إعادة الهيكلة المعرفية" والتي تُمكّنك من استبدال أفكار أكثر منطقية بالأفكار السلبية غير المفيدة. على سبيل المثال؛ بدلاً من التفكير في أن "كل شيء سيئ للغاية"، قل لنفسك: "هذا أمر محبط؛ لكنه ليس نهاية العالم".