ملخص: كثيراً ما نبالغ في تقدير ما يحدث حولنا أو نسيء الظن بالآخرين أو نتوصل إلى استنتاجات خاطئة، ومع ذلك لا نتساءل دائماً عن سبب هذه الأخطاء المتكررة في عمليات إدراك الواقع وتصوّر أحداثه. لكنّ علم النفس اهتمّ بهذه الظاهرة وتمكّن من تحليلها ووصفها وتحديد أنواعها وأسبابها والحلول المناسبة لها. إليك التفاصيل.
نحن لا نرى بأعيننا فقط بل بعقولنا أيضاً، وهي غالباً ما تخضع إلى الأحكام المسبقة المتسرّعة التي نسميّها في علم النفس "التحيّزات المعرفية".
ما التحيّز المعرفي؟
التحيزات المعرفية أخطاء تقديرٍ أو إدراك تتكرّر باستمرار ولا ينتبه إليها الأشخاص الذين يصدرونها في معظم الأحيان، بل يخطئون في اعتبارها إدراكاً حقيقياً للواقع.
يمكن أن نميّز بين أنواع مختلفة من التحيزات المعرفية:
- التحيزات الإحصائية: تتعلق بالتقدير الزائد أو الناقص لحجم ظاهرة أو موقف ما.
- التحيزات السّببية: ننسب أحياناً حدثاً ما إلى السبب الخاطئ، يحدث هذا على سبيل المثال عندما نعتقد أنّ شيئاً إيجابياً سيحدث لنا في يوم معين لأنّه يمثل "يوم حظنا"، بينما لا يرتبط ذلك الحدث بالحظ بل يكون مجرّد صدفة.
- تحيزات العلاقات: يحدث هذا مثلاً عندما نسيء الظنّ بشخص ما.
الدماغ يتلاعب بنا جميعاً
لا أحد بمنأى عن التحيزات المعرفية، فنحن نقع فيها جميعاً، ولا سيّما أنها تحدث لا شعورياً في معظم الأحيان. إنها أفكار تلقائية يمكن أن تظهر بسبب عاطفة أو شعور أو فكرة أخرى. غالباً ما تعود جذور هذه التحيزات المعرفية إلى مرحلة الطفولة أو المراهقة، فهي نماذج تفكير مكتسبة من الوالدين أو ثقافة المجتمع أو الماضي الشخصي. كما تلبّي احتياجات حيوية للفرد مثل الحاجة إلى الشعور بالأمان أو التقدير الذاتي أو الانتماء إلى المجتمع.
في المقابل تساعدنا التحيّزات المعرفية على اتخاذ قرار سريع أو تلقائي في الحالات الطارئة على الرغم من أن هذا القرار قد لا يكون منطقياً أو عقلانياً. وتظهر أيضاً كلّما واجهتنا صعوبات فكرية مثل ضرورة معالجة كمّ كبير من المعلومات أو الحاجة إلى استجابة سريعة أو خلال المواقف الغامضة. كما تعتمد على معتقداتنا وتدفعنا إلى التصرّف أحياناً على نحو لا يتوافق مع واقع المواقف التي نمرّ بها. وإذا كانت التحيّزات المعرفية تساعدنا أحياناً على الخروج من بعض المواقف الصعبة فإنّها تقدّم لنا في مواقف أخرى رؤية محدودة عن الواقع، وترسّخ سلوكيات ومعتقدات تسبّب لنا المعاناة.
كيف نتخلّص من تحيّزاتنا المعرفية؟
ترتكز المرحلة الأولى في عملية الحدّ من تأثير التحيزات المعرفية في قراراتنا على كشف مظاهرها في حياتنا اليومية. لتحقيق ذلك يجب عليك أن تحدد قائمة المواقف التي تُصدر فيها أحكاماً سلبية حول نفسك أو الآخرين. إذا تكرّرت هذه المواقف فهذا يعني أنّ وراءها تحيّزاً معرفياً ما. عندما يتكرر هذا الموقف في المرة القادمة تريّث قليلاً وخذْ استراحة ثم فكرّ في التصّرف المناسب.
يمكنك أن تستخدم في هذا السياق أسلوب اليقظة الذهنية الكاملة المعروف بـ "تمرين التوقّف" (S.T.O.P): S: توقّفْ (stop) عن السلوك الذي تفعله. T: خذ (Take) نفساً عميقاً كي تتصل بذاتك وتنغمس في اللحظة الحاضرة. O: لاحظ (Observe) موقفك وعواطفك وأحاسيسك من زاوية خارجية. P: تابع (Proceed) ما كنت تفعله أو عدّله.
وعلاوة على هذا التمرين هناك أيضاً أسلوب التفكير في بديل لقرارك الأساسي، ومقارنتهما ثم اختيار القرار الأفيد لك. يتجلّى هذا الحلّ في التعامل مع أيّ موقف باعتباره جديداً وفريداً وليس تكراراً لموقف سابق. وإذا تعرّضت من قبل إلى موقف شعرت فيه بالفشل أو المعاناة فلا تستخلص منه نتائج متسرّعة أو أحكاماً فورية، فماضيك يجب ألّا يحدّد مصير الموقف الحالي الذي تمرّ به لأنّه يمثل تجربة جديدة ومستقلة عن التجارب السابقة.
اقرأ أيضاً: لعنة المعرفة: هل كلما ازداد علمك قلّت سعادتك؟