6 إرشادات عملية لتتجنب تكرار أخطاء والديك التربوية

4 دقيقة
الأخطاء التربوية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: كلما رأيت أحد الآباء يعنف ابنه، يدور في ذهني هذا التساؤل: هل والده السبب؟ ويفتح هذا التساؤل الباب في عقلي لتساؤلات أخرى متتالية؛ مثل: ما مسؤولية المربي عن تأثير أخطاء والديه في سلوكياته؟ وإلى أي حد يمكن التحكم في هذا التأثير وتجنب امتداد ضرره إلى الأبناء؟ لذلك؛ كتبت هذا المقال الذي أتمنى أن يكون مفيداً في الحد من توارث الأخطاء التربوية بين الأجيال.

قرأت منذ عدة أيام تجربة تتحدث فيها إحدى الأمهات عن الألم النفسي الذي أصابها من جراء ضربها ابنها بالطريقة نفسها التي كانت تضربها بها أمها، ودعاني حديثها إلى التفكير كثيراً في الأسباب التي قد تدفع البعض إلى تكرار الأخطاء التربوية نفسها التي ارتكبها والداه بحقه مع أبنائه، وإلى أي مدى يمكن التحكم في استنساخ الشخص تجربة والديه التربوية وتكرارها دون وعي، ومن هنا كانت فكرة هذا المقال الذي نستعرض فيه الجوانب السابقة من منظور علمي.

لماذا قد نكرر أخطاء والدينا نفسها في تربية أبنائنا؟

ترى المعالجة النفسية البريطانية، فيليبا بيري (Philippa Perry)، أن الكثير من السلوكيات التي ورثناها من والدِينا يقع خارج نطاق وعي كلٍ منا؛ ما يصعّب علينا تجنب تكراره مع أطفالنا. لذا؛ عندما نواجه في أثناء تربية أطفالنا مواقفَ تنطوي على مشاعر قوية مثل الغضب أو الاستياء أو الإحباط أو الفزع، ولا نعي محفزات سلوكياتنا، سنتصرف لا إرادياً ونكرر أخطاء والدينا لأن ذلك هو الاختيار الأسهل!

وبكل أسف، الأخطاء التربوية التي تُرتكَب في حق الأبناء غالباً ما تكون متوارَثة من أجيال أبعد من الأب والأم؛ وهذا يعكس أهمية العمل بجد على وقف انتقالها. وإصلاح تلك الأخطاء يعني بالضرورة تصالحنا مع ذواتنا، فنحن سنكتشف حينها الآثار التي خلّفتها في حيواتنا ونضع أيدينا على حلول ربما لم تكن تخطر على بال أيٍ منا، وتلك رحلة لن تثمر بين ليلة وضحاها، فهي تتضمن الكثير من التمارين العملية التي تهدف إلى تنمية المشاعر الإيجابية والصحية تجاه أطفالنا، وقبل ذلك تجاه أنفسنا.

وتدلل بيري على ذلك بأحد الأشخاص الذي قصد عيادتها شاكياً من تعنيفه لابنه البالغ من العمر سنة ونصف في كل مرة يُسقط فيها طعامه على الأرض، وعندما بحثت المعالجة في جذور فعله وجدت أنه تعرض إلى الضرب من قِبل جده عندما أسقط طعامه، فكرر رد الفعل نفسه مع ابنه؛ لذا ساعدَته على التعاطف مع نفسه ومن ثم أصبح قادراً على التحلي بالصبر تجاه ابنه.

من جانبها، تشير المختصة النفسية، ليزا فايرستون (Lisa Firestone)، إلى بُعد ينبغي استيعابه هو أن أخطاء والدينا لا تعني تعمدهم إيذاءنا أو إلغاء هوياتنا، والهدف من حصرها قياس تأثيرها في سلوكياتنا، لا إلقاء اللوم على والدينا أو أن نظل سجناء الماضي الأليم. وعندما ننتقل إلى المرحلة التالية ونحد من التأثير الضار لتلك السلوكيات ونحاول أن نجعل ممارساتنا متصلة بأهدافنا الشخصية، سنكون قد نجحنا في صناعة نقطة تحول فارقة للأفضل في حياة كل منا.

ما أبرز السلوكيات التي قد تنتج عن تكرار الأخطاء التربوية للوالدين؟

قد تتكرر أخطاء الوالدين في التربية من خلال ظهور سلوكيات عديدة؛ أهمها:

1. تكليف الأطفال بتحقيق أحلام الآباء

أحياناً ينقل الوالدان، عن قصد أو غير قصد، أعباء طفولتهما إلى أبنائهما؛ ومن هذه الأعباء مطالبتهم بتحقيق الأحلام والتطلعات التي كانوا يتمنون تحقيقها ولم يستطيعوا، أو بأن يتجنبوا الأخطاء التي كانوا يودون تجنبها؛ ما يُشعِر الأبناء بأنهم مثقَلون بأعباء نفسية غير مرتبطة بذواتهم الحقيقية؛ لذا من الضروري الوعي بأن كل ابن له أحلام وطموحات متفردة.

2. استخدام أسلوب العقاب نفسه

يعد هذا الخطأ شائع الحدوث، فالكثيرون من الآباء والأمهات يلجؤون إلى تكرار الأسلوب العقابي الذي اتُّبع معهم نفسه، ظناً منهم أنه قد نجح في تربيتهم، غير مدركين للأبعاد السلبية التي تركها في شخصياتهم، فهناك فرق كبير بين العقاب وتحقيق الانضباط، فالأخير يتعلم الطفل منه كيف يصبح شخصاً أفضل؛ لكن العقاب يُلحق الأذى بالطفل ويضر بالعلاقة بينه وبينه والديه.

3. مقارنة طفولة الوالدين بطفولة أبنائهم

الحقيقة أن سرد تجربة الطفولة القاسية للأبناء لا يضيف لهم أي قيمة؛ إذ غالباً ما يكون غير مرتبط بواقعهم، ويُشعِرهم باللوم لأنهم ولدوا في ظروف أفضل ومع ذلك لم يستثمروها الاستثمار الأمثل! والأجدى التحدث عن الدروس المفيدة في الحياة وكيفية تحقيق النجاح.

6 إرشادات عملية لتُوقِف أخطاء والديك التربوية عندك

ربما يتبادر إلى ذهنك تساؤل عن الآلية التي يمكن باتباعها الحد من استمرار تأثير سلوكيات والديك الخاطئة في تربيتك لأبنائك؛ لذا إليك أهم الإرشادات العملية التي ستساعدك:

1. انتبه إلى جذور أسلوبك التربوي

مثلما ذكرنا في المقال؛ أحياناً قد تكرر أسلوب والديك التربوي نفسه دون وعي، وللتخلص من هذا السلوك، عليك أن تحلل أسلوبك التربوي وتستبعد منه الأساليب الخاطئة المأخوذة من تربية والديك.

2. كن واعياً باحتياجات ابنك

عليك أن تعي اختلاف احتياجات طفلك عن احتياجاتك، وأيضاً اختلاف نمط شخصيته عن نمط شخصيتك. معنى ذلك أن ما نجح مع والديك في تربيتك ليس بالضرورة أن ينجح معه، فاجعل استراتيجيتك التربوية قريبة من طفلك قدر الإمكان، وراعِ اختلافها بين أطفالك فما يصلح لأحدهم قد لا يصلح للآخرين.

3. لا توبخ ابنك على أخطائه

مثلما ارتكبت أنت في طفولتك أخطاء كثيرة؛ توقع الأمر نفسه من طفلك. ربما تكون أخطاء مختلفة؛ لكن المهم ألا تعنفه لمجرد ارتكابه الأخطاء، وأن تحاول فصل مشاعرك وما تعانيه من ضغوط عن ردودك لتجعلها ردوداً حكيمة متزنة.

4. فرّق بين العقاب والدفع نحو الانضباط

من المهم وضع قواعد أساسية في تربية أبنائك وتعليمهم ما ينبغي عليهم فعله وتجنبه؛ لكن ذلك ليس له علاقة بأن تعاقبهم وتعنفهم، فهناك العديد من الأساليب الصحية التي ستجعلهم أكثر انضباطاً وفي الوقت نفسه تعزز علاقتك بهم.

5. اعتذر عندما تخطئ

يؤكد مختص الصحة النفسية والكاتب، عماد رشاد عثمان، إن كلمة "آسف" عندما يقولها أحد الوالدين لابنهما قد تكون في كثير من الأحيان الحلَّ الفعلي لبعض المواقف التي قد تتفاقم في المستقبل، فعلى سبيل المثال؛ إذا انفعل الوالد على أحد أبنائه نتيجة مواجهته ضغوطاً في العمل، وبعد تفحصه لموقفه صارح ابنه بأنه ليس السبب فيما حدث، سيؤدي ذلك إلى تجاوزهما الموقف بطريقة صحية.

6. تدرب على تطبيق المنهج التربوي السليم

حتى نكون واقعيين، التخلص من أخطاء الوالدين التربوية لن يحدث سريعاً، فهو يحتاج إلى صبر وتمرن؛ لذا لا تفقد الأمل واكتشف أخطاءَك التربوية يوماً بعد يوم وصححها لتصل في النهاية إلى تنشئة أبنائك بطريقة إيجابية قدر المستطاع.

المحتوى محمي