ملخص: بالنسبة إلى بعض الأفراد، أثبتت الطرائق التقليدية في علاج الاكتئاب نجاحها؛ حيث أعادتهم إلى حياة بمنأى عن ظلال الاكتئاب. ومع ذلك، بالنسبة إلى آخرين، قد تظل النتيجة المتوقعة بعيدة المنال بسبب معاناتهم مما يُعرف بـ "الاكتئاب المقاوم للعلاج". فما هو؟ وكيف يمكن التعامل معه؟
محتويات المقال
تبين في دراسة نشرتها مجلة الدماغ والسلوك (Brain and Behavior) عام 2023، أن حالات الانتحار أو محاولاته تزداد لدى الأفراد الذين يعانون الاكتئاب المقاوم للعلاج، بنحو ضعفين إلى 10 أضعاف مقارنة بأولئك الذين يعانون صوراً أقل شدة من الاكتئاب.
بالإضافة إلى ذلك، أفادت الدراسة بأن نحو 30% من الأشخاص الذين يعانون الاكتئاب المقاوم للعلاج قد يحاولون الانتحار على الأقل مرة واحدة في حيواتهم؛ مقارنة بـ 15% فقط من الأشخاص الذين يعانون الاكتئاب.
ربما دفعتك الأرقام السابقة إلى التساؤل عن مدى نجاح علاج الاكتئاب الذي تتبعه أنت أو أحد معارفك المصابين به، وإذا ما كان سبب تأخر نتائج العلاج أو بطء ظهورها ناتجاً عن الإصابة بالاكتئاب المقاوم للعلاج، وكيف تعلم ذلك. هذا ما سنحاول توضيحه لك في المقال.
ما الاكتئاب المقاوم للعلاج؟
قد يجدي علاج الاكتئاب بالنسبة إلى بعض الأشخاص على النحو المأمول ويجدون طريقهم للعودة إلى حياة خالية من الاكتئاب؛ لكن في أحيان أخرى، قد لا يقدم التأثير المطلوب.
ووفقاً للطبيب النفسي، شريف سعد؛ تُمكن ملاحظة الاكتئاب المستمر أو المقاوم للعلاج (Treatment-Resistant Depression) عندما لا يحدث تحسن في أعراض الاكتئاب بعد اتباع معظم خيارات علاج الاكتئاب. ويوضح سعد إن الاكتئاب المقاوم للعلاج يحدث عندما لا يستجيب المريض لمحاولتين علاجيتين بنوعين من الأدوية، بجرعات ومدة كافية لا تقلّ عن 6 أسابيع.
اقرأ أيضاً: الاكتئاب الباسم: إخفاء المعاناة خلف قناع السعادة
5 أعراض للاكتئاب المقاوم للعلاج
لتحديد إن كنت تعاني الاكتئاب المقاوم للعلاج، ابدأ بسؤال نفسك بضعة أسئلة:
- هل فشل العلاج في تحسين حالتك؟
- هل ساعدك علاجك قليلاً؛ لكنك ما زلت لا تشعر أنك على طبيعتك القديمة؟
- هل من الصعب عليك التعامل مع الآثار الجانبية لمضادات الاكتئاب؟
في الحقيقة، إذا أجبت بنعم عن أي من الأسئلة السابقة، فأنت بحاجة إلى استشارة مختص للتحقق من إصابتك بالاكتئاب المقاوم للعلاج.
أما أهم أعراض الاكتئاب المقاوم للعلاج فتشمل:
- زيادة تكرار نوبات الاكتئاب وشدتها ومدتها.
- قصر لحظات التحسن بين نوبات الاكتئاب.
- زيادة القلق.
- الميل إلى التفكير والسلوك الانتحاري.
- انخفاض القدرة على الاستمتاع.
اقرأ أيضاً: كل ما تريد معرفته عن الاكتئاب
ما أسباب الإصابة بالاكتئاب المقاوم للعلاج؟
لم يتمكن الباحثون حتى اليوم من تحديد الأسباب الدقيقة للإصابة بالاكتئاب المقاوم للعلاج؛ لكن نظراً إلى أنه نوع من اضطراب الاكتئاب؛ فإنه يتأثر بالعديد من العوامل التي تسهم في الإصابة بالاكتئاب مثل الوراثة وكيمياء الدماغ والحالة الاجتماعية.
على وجه العموم، ونظراً إلى أن الاكتئاب المقاوم للعلاج أثبت عدم نجاح الطرائق التقليدية في علاجه؛ فإن أسبابه تكمن في عدم نجاح العلاج نتيجة أن:
- الخطة العلاجية غير مناسبة: يمكن أن تظهر أعراض الاكتئاب المقاوم للعلاج عندما لا يكون الدواء الموصوف هو الدواء الصحيح، أو إذا أُوقِف مبكراً، أو لم يتابع المريض المراحل التالية من العلاج النفسي.
- التداخل الدوائي: قد يتداخل بعض الأدوية أو العلاجات العشبية مع فعالية أدوية علاج الاكتئاب.
- العوامل النفسية والاجتماعية: منها خوض الصراع في العلاقة العاطفية، والتنمر والضغط في العمل، ونقص الدعم الاجتماعي.
- الأمراض المصاحبة: قد يصاحب الاكتئاب اضطرابات غير مكتشَفة بعد؛ مثل القلق أو اضطراب الأكل. لذا؛ إذا ظلت هذه الأمراض غير معالَجة، لن ينجح علاج الاكتئاب.
اقرأ أيضاً: هل يمكن أن يكون الاكتئاب وراثياً؟ دراسة حديثة تجيب
كيف يمكن علاج الاكتئاب المقاوم للعلاج؟
الاكتئاب المقاوم للعلاج ليس بأي حال من الأحوال اكتئاباً غير قابل للعلاج، فلمجرّد أن المريض لم يستجب للعلاج، لا يعني أنه المذنب أو أن حالته ميؤوس منها؛ بل هو فقط بحاجة إلى العثور على الاستراتيجية العلاجية المناسبة له؛ وقد تتضمن:
- منح مضاد الاكتئاب الحالي مزيداً من الوقت ليعطي مفعوله.
- زيادة جرعة مضاد الاكتئاب.
- استخدام نوع جديد من مضادات الاكتئاب.
- الجمع بين طرائق العلاج المختلفة وعدم الاكتفاء بالعلاج الدوائي.
وعلى وجه العموم، تنقسم طرائق علاج الاكتئاب المقاوم للعلاج إلى:
العلاج النفسي
يساعد العلاج النفسي لدى طبيب نفسي أو مختص في علم نفس، على تحديد الأسباب الكامنة للاكتئاب المقاوم للعلاج، بالإضافة إلى تقديم الإرشادات اللازمة من أجل:
- المساعدة على التكيّف مع الحياة.
- الكشف عن صدمات سابقة والتعامل معها.
- تعلّم إدارة العلاقات.
- السيطرة على الحياة الشخصية.
وتشمل أساليب العلاج النفسي المتبعة:
- العلاج المعرفي السلوكي: هو علاج كلامي للكشف عن الأفكار والمشاعر والسلوكيات التي تؤثر في الحالة المزاجية، ثم العمل على علاجها.
- العلاج بالقبول والالتزام: أحد أنواع العلاج المعرفي السلوكي الذي يتضمن الانخراط في ممارسة سلوكيات إيجابية حتى مع وجود أفكار ومشاعر سلبية.
- العلاج السلوكي الجدلي: يعد وسيلة فعالة لبناء استراتيجيات القبول ومهارات حل المشكلات، وهو أسلوب علاجي ناجح للتعامل مع حالات محاولة الانتحار أو إيذاء النفس.
- التركيز الذهني: يوجه فيه المعالج تركيز المريض نحو أفكاره ومشاعره ليتقبلها دون الحكم عليها.
- التنشيط السلوكي: أسلوب علاجي هدفه تقليل انعزال المريض ووحدته تدريجياً، بزيادة انخراطه في الأنشطة الممتعة بالنسبة إليه.
العلاج الدوائي
أشهر الأدوية المتاحة لعلاج الاكتئاب المقاوم للعلاج ما يلي:
- أريبيبرازول (Aripiprazole) وبريكسيبرازول (Brexpiprazole): هي أدوية ذهان من الجيل الثالث، يمكنها تحسين مستويات هرمونَي السيروتونين والنورإبينفرين.
- الكيوتيابين (Quetiapine) والأولانزابين (Olanzapine): هي أدوية مضادة للذهان من الجيل الثاني، ولها آثار مهدئة.
- بخاخ الإسكيتامين الأنفي (Esketamine): يوفّر هذا البخاخ نتائج سريعة تبدأ بالظهور خلال أول 24 ساعة من خلال تحسن في الأعراض الاكتئابية والأفكار الانتحارية.
- إسكاليث (Eskalith): هو مركب كربونات الليثيوم؛ حيث يمكن تناوله بوصفه دواءً مساعداً لمضادات الاكتئاب.
- براميبيكسول (Pramipexole): عقار معتمَد لعلاج مرض باركنسون؛ لكنه يمكن أن يخفف أعراض الاكتئاب المقاوم للعلاج.
اقرأ أيضاً: هذه الأدوية الشائعة قد تُصيبك بالاكتئاب!
أساليب علاجية أخرى
يمكن اتباع أحد الأساليب العلاجية التالية لعلاج الاكتئاب المقاوم للعلاج:
- العلاج بالصدمات الكهربائية (ECT): يتضمن هذا الإجراء تمرير تيار كهربائي خفيف عبر الدماغ لتنشيط الخلايا العصبية؛ ما قد يعزز الحالة المزاجية.
- التحفيز المغناطيسي المتكرر عبر الجمجمة: في هذه التقنية، يُؤثَّر في النشاط الدماغي في مناطق معينة من الدماغ؛ ما قد يؤثر إيجاباً في الحالة المزاجية.
- تحفيز العصب المبهم: تتضمن هذه الطريقة زرع جهاز صغير في الرقبة، يمكنه إرسال نبضات خفيفة ومنتظمة من الطاقة الكهربائية إلى جذع الدماغ عبر العصب المبهم، وتساعد هذه النبضات على تغيير مستويات الناقلات العصبية التي تنظم الحالة المزاجية.
ينبغي التنويه بأنه على الرغم من فعالية هذه الأدوية والعلاجات، فإنها ليست مناسبة للمصابين بالاكتئاب المقاوم للعلاج جميعهم؛ لذا ينبغي استخدامها فقط تحت إشراف الطبيب المختص.
اقرأ أيضاً: هل يمكن للساعات الذكية اكتشاف إصابتك بالاكتئاب؟