ملخص: كيف تتعامل مع عملك ومهامك الوظيفية؟ هل دائماً ما تقضي الوقت بعد انتهاء ساعات العمل وأنت تتصفح البريد الإلكتروني وترد على رسائل المدراء وترغب في إنجاز المهام الموكلة إليك كلها، حتى خلال أيام العطلات؟ الحقيقة أن هذه الممارسات ربما تدل على إصابتك بمتلازمة عامل الفقاعة، وإليك تفاصيلها كافةً من خلال المقال.
محتويات المقال
هل ترد على مكالمات العمل الهاتفية بعد العودة إلى البيت؟ هل سبق وأنهيت مهام عملك في أثناء عطلة نهاية الأسبوع وردَدْت على رسائل البريد الإلكتروني؟ الحقيقة أن هناك الكثير من الأشخاص الذين قد يواجهون صعوبة في تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية؛ لكنهم على الرغم من ذلك يحاولون تحقيق النجاح في أعمالهم مع إفساح الوقت للعائلة والأصدقاء والاهتمامات الشخصية.
ثمة أيضاً بعض الأفراد الذين لا يستطيعون وضع الحدود الواضحة بين العمل وحيواتهم الشخصية لأنهم مرتبطون بوظائفهم، وهؤلاء الأفراد تحديداً يعانون متلازمة عامل الفقاعة (Bubble Worker Syndrome)، فما المقصود بهذه المتلازمة؟ وكيف يمكن أن يدمر العمل حياتك؟ الإجابة من خلال هذا المقال.
ما المقصود بمتلازمة عامل الفقاعة؟
عندما نتحدث عن متلازمة عامل الفقاعة (Bubble Worker Syndrome)، فنحن بالأساس نشير إلى هؤلاء الأشخاص الذين لا يستطيعون الانفصال عن أعمالهم بالكامل، فخلال أوقات الفراغ أو في أثناء المكوث في المنزل بعد انتهاء ساعات العمل، يظل الأشخاص المصابون بهذه المتلازمة متصلين طوال الوقت بأجهزتهم الإلكترونية؛ وذلك من أجل الانتهاء من المهام المرتبطة بالعمل أو البحث عن أفكار جديدة تخص المشروع القادم في العمل أو متابعة تطورات سير العمل؛ ولذلك يواجهون مشكلات خطِرة تتعلق بفكرة الفصل بين حيواتهم المهنية والشخصية. ويؤكد استشاري الصحة النفسية، وليد هندي، إن تلك المتلازمة انتشرت بشدة منذ تفشي جائحة كوفيد-19؛ تلك الفترة التي أجبرت الموظفين على العمل من المنزل؛ ما دفع البعض إلى الجلوس ساعات طويلة أمام الكمبيوتر من أجل إنهاء العمل.
8 علامات أساسية لمتلازمة عامل الفقاعة
قد يَصعُب اكتشاف الأشخاص المصابين بمتلازمة عامل الفقاعة؛ ولكن هناك بعض العلامات الرئيسة التي يمكن أن توضح معاناة هؤلاء الأشخاص بسببها. على سبيل المثال:
- العمل الإضافي المستمر: أحياناً نعمل ساعاتٍ إضافيةً بسبب ضغط المواعيد النهائية أو في أوقات اقتراب تسليم بعض المشروعات؛ ولكن هذا يحدث استثنائياً. وفي الوقت الذي يصبح فيه العمل الإضافي هو القاعدة وليس الاستثناء، تظهر أهم علامة من علامات متلازمة عامل الفقاعة؛ بمعنى استمرار مهام العمل بعد العودة للبيت وفي عطلات نهاية الأسبوع والإجازات السنوية وغيرها.
- الشعور بالذنب لعدم إنجاز المزيد من العمل: غالباً ما يسعى الأشخاص الذين يعانون متلازمة عامل الفقاعة إلى الإنتاجية السامة؛ حيث إنهم لا يستطيعون الانفصال عن العمل إلا بعد إكمال قدر استثنائي من المهام بدلاً من القدر المعقول؛ وربما يعود ذلك الأمر إلى انتشار الثقافة الحديثة تساوي بين السعادة والنجاح والإنجاز؛ إذ أصبحت إدارة الشعور المزعج بأننا لن نكون سعداء إذا لم نكن منتجين دائماً صعبة.
- المشاركة في الأنشطة المنتجة فقط: يشعر الأشخاص الذين يعانون متلازمة عامل الفقاعة في الكثير من الأوقات أنهم يضيعون الوقت إذا لم يعملوا على تحقيق أهداف محددة خاصة بوظائفهم؛ ومن ثَمّ قد يتجنبون الأنشطة "غير المنتجة" مثل قضاء الوقت مع الأصدقاء والعائلة، أو مجرد الاسترخاء، أو حتى الاستمتاع بالهواء الطلق.
- إهمال الرعاية الذاتية: لأن هؤلاء الأشخاص يتجنبون الأنشطة غير المنتجة فإنهم بالتبعية لا يولون أي أهمية للرعاية الذاتية لأنهم يجدونها مضيعة للوقت، فأنشطة مثل طهو الوجبات الصحية في البيت أو قضاء الوقت بصحبة الأصدقاء أو ممارسة الرياضة والتأمل أو طلب إجازة من العمل، يمكن أن تعوق تقدمهم الوظيفي؛ ومن ثَمّ فإنهم لا يمارسونها.
- معاناة التوتر والقلق المزمن: على الرغم من الاهتمام الذي يبذله الأشخاص المصابون بمتلازمة عامل الفقاعة من أجل العمل، فإن محاولة الإنتاجية المستمرة طوال الوقت يمكن أن يكون لها أثر خطِر في الصحة العقلية والجسدية؛ فالأشخاص الذين لا يستطيعون التوقف عن العمل، سوف يشعرون بالتوتر بشأن المهام التي يتعين عليهم إنجازها كافةً، وسوف ينهشهم الإحساس بالقلق لأنهم لا ينجزون ما يكفي من العمل.
- الاحتراق الوظيفي (Burnout): عندما يضغط هؤلاء الأشخاص على أنفسهم فترةً طويلة، سوف يصابون في نهاية المطاف بالاحتراق الوظيفي؛ وهو حالة نفسية تُصيب الموظف وتجعله يفقد الرغبة في العمل، وعادة ما يترافق ذلك مع انخفاض مستوى الإنتاجية والشعور بالصداع وفقدان القدرة على التركيز والشعور بعدم الرضا عن الذات.
- الاعتماد الكبير على خدمة الاتصال بالإنترنت: لأن العمل يأتي دوماً على قائمة أولويات الأشخاص المصابين بمتلازمة عامل الفقاعة؛ فإن انقطاع خدمة الإنترنت وعدم قدرتهم على متابعة سير المهام يسببان لهم ضغطاً نفسياً كبيراً.
- اضطرابات النوم: يواجه هؤلاء الأشخاص صعوبة كبرى في النوم إما بسبب قضاء الوقت على الشاشة قبل الخلود إلى النوم أو بسبب القلق المفرط نتيجة عدم الانتهاء من مهام العمل في الوقت المناسب.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن يصيبك تفانيك الزائد في العمل بالاكتئاب والتوتر؟
ما أسباب الإصابة بمتلازمة عامل الفقاعة؟
متلازمة عامل الفقاعة ليست تشخصياً سريرياً رسمياً؛ ولكن يمكن القول إنها ظاهرة حديثة نسبياً تفشّت بسبب التقدم السريع لتقنيات الاتصالات الجديدة؛ التي من خلالها يمكن للناس الاستمرار في العمل من المنزل أو عن بعد، ومن أهم أسباب الإصابة بها:
- ضغط العمل المفرط: يشعر بعض الموظفين أنهم ملزمون بالعمل ساعات طويلة عندما يكون العمل شاقاً ويحتوي الكثير من المهام اليومية التي يجب الانتهاء منها؛ ولذلك يجد الشخص المصاب بمتلازمة عامل الفقاعة نفسه ملزماً بالانخراط في العمل في أثناء الإجازات والعطلات حتى يحقق توقعات المديرين.
- التطور التكنولوجي: نعيش اليوم تطوراً هائلاً غير مسبوقٍ في التطورات الإلكترونية، فالهاتف الذي تمسكه في يدك متصل بالبريد الإلكتروني الخاص بالعمل؛ ومن ثَمّ ففكرة الانفصال عن المهام الوظيفية قد تكون صعبة في بعض الأوقات؛ ولذلك يجد بعض الأشخاص أنفسهم مضطرين للرد على تساؤلات العمل بعد انتهاء ساعاته. وفي هذا السياق، توضح المختصة النفسية، نرجس عبيد، إن الانغماس ساعاتٍ طويلةً في العمل دون أخذ قسط من الراحة أضحى إحدى سمات العصر الحديث الذي يحتّم على الأشخاص متابعة التطورات من حولهم جميعها. وبسبب الأجهزة الإلكترونية الحديثة؛ يصعب الفصل بين العمل والحياة الشخصية ومن ثَمّ يحدث الانهيار النفسي.
- الاعتماد العاطفي: قد يشعر بعض الأشخاص أن وظائفهم هي حيواتهم، وأن هوياتهم مغمورة بالكامل في مهام العمل، وهؤلاء الأشخاص يعملون وقتاً أطول حتى يشعروا بالرضا عن أنفسهم، علاوة على أنهم يحاولون إثبات قيَمهم الذاتية من خلال إنجاز المزيد من العمل.
كيف يمكن أن يدمر العمل صحتك النفسية والجسدية؟
العمل ساعات طويلة يؤدي إلى الاحتراق الوظيفي، والحقيقة أن الاحتراق هو أكثر من مجرد شعور بالإرهاق؛ إنه رد فعل نفسي وعاطفي وجسدي على الضغط المستمر. وعادة ما يسلبك الاحتراق طاقتك وقدرتك على الإنتاجية ويمكن أن يمتد إلى حياتك الشخصية، فتعود إلى المنزل وأنت تشعر بالإرهاق الدائم والخوف من اليوم التالي؛ إذ لم يعد لديك شيئاً تقدمه للعمل! وهذه أهم تأثيرات الاحتراق الوظيفي في الصحتين النفسية والجسدية:
- الشعور بالقلق والاكتئاب.
- عدم القدرة على الوفاء بالمسؤوليات.
- الإحساس الدائم بالغضب والعدوانية.
- فقدان الحافز.
- عدم القدرة على التركيز.
- النظرة السلبية إلى الحياة.
- اضطرابات النوم.
- فقدان الإنتاجية في العمل.
- اللجوء إلى وسائل التكيف غير الصحية مثل المخدرات والكحول.
- زيادة احتمالية الإصابة بأمراض القلب والسكري وارتفاع ضغط الدم.
اقرأ أيضاً: ما هو الاحتراق الوظيفي؟ وما الفرق بينه وبين الانتحار الوظيفي؟
5 طرائق فعالة للتعامل مع متلازمة عامل الفقاعة
لا تنتظر حتى تشعر بالاحتراق الوظيفي أو الإرهاق الدائم حتى تأخذ قسطاً من الراحة، وإليك أهم طرائق التعامل مع متلازمة عامل الفقاعة:
- خذ استراحة في أثناء العمل: اعمل مدة 50 دقيقة ثم خذ استراحة مدتها 10 دقائق. فّعل زر إيقاف تشغيل الكمبيوتر مدة 10 دقائق على الأقل في نهاية الساعة، وضع هاتفك على الوضع الصامت وأبعِد الأجهزة التي تشتت انتباهك، ولا تنسَ الوقوف والتمدد وتناول مشروب تفضله، وأيضاً تناول وجبة صحية. يمكنك أيضاً التحدث إلى أحد زملائك؛ لكن ليس عن العمل.
- أعِد صياغة مفهوم النجاح: إن الميل إلى الإنجاز والنجاح ليس بالضرورة أمراً سيئاً؛ لكن عندما ترتفع الإنتاجية إلى مستويات مفرطة، فقد يؤدي ذلك إلى التوتر والقلق والإرهاق وإهمال العلاقات؛ ولهذا فالمشكلة هنا في تحديد صياغتك لمفهوم النجاح لأن عقليتك هي الفخ، خاصة أنك لا ترى أي قيمة في الوقت الذي تقضيه بصحبة أصدقائك أو عائلتك. لهذا؛ احرص جيداً على إعادة صياغة مفهوم النجاح على النحو الذي يحقق التوازن بين عملك وحياتك الشخصية.
- خصص وقتاً للنشاط البدني: ادمج التمارين الرياضية في روتين يومك؛ لأنها تساعد كثيراً على تقليل التوتر والقلق الناتجين عن تراكم العمل.
- اخرج من المنزل: ربما لا يكون لديك اهتمام كبير بالخروج؛ لكنه طريقة لتجنب الوقوع في إغراء وجودك أمام الكمبيوتر من أجل إنهاء مهام العمل المتراكمة؛ ولذلك من الأفضل ممارسة بعض الأنشطة بعيداً عن جهاز الكمبيوتر الخاص بك. على سبيل المثال؛ اذهب في نزهة سيراً على الأقدام واستمتع بالهواء الطلق واترك هاتفك في المنزل حتى لا تتفقد إشعارات البريد الإلكتروني من وقت إلى آخر.
- ضع الحدود وارفض العمل الإضافي: احرص على وضع الحدود الواضحة بين أوقات العمل ووقت الراحة. ضع جدولاً زمنياً لمهام مثل التنظيف والتسوق والطهو وممارسة الرياضة؛ وذلك من أجل تجنب الإفراط في العمل في أثناء وقت فراغك. وعلى الجانب الآخر، تعوّد على قول "لا" للعمل الإضافي. وحتى لو كنت شغوفاً بعملك، يجب أن تتوقف قليلاً من أجل الراحة، فليس من الضروري إنهاء المهام كلها اليوم؛ لن يحدث شيء إذا تركت رسالة بريد إلكتروني دون إجابة حتى الصباح!