ملخص: تظهر الحساسية المفرطة في سلوكيات متنوعة ترتكز كلّها على التفاعل الزائد مع بعض المواقف أو الأزمات. ومن بين مظاهرها سلوك فرط اليقظة الذي يجعل الإنسان يرى الخطر أينما ولّى وجهه. قد يرتبط فرط اليقظة بأسباب نفسية آنية؛ لكنّ جذوره قد تعود أحياناً إلى الماضي. فما علاقة فرط اليقظة بأحداث الطفولة؟ إليك الإجابة في المقال التالي.
ترتبط الحساسية المفرطة بعدّة مظاهر عاطفية ومعرفية وشخصية. ويعدّ الفرد مفرطَ الحساسية عندما يظهر لديه بعض هذه المظاهر أو تكون تفاعلاته غير متناسبة مع المواقف التي يمرّ بها، وتصبح حساسيته المفرطة مؤكدة أكثر عندما تسيطر هذه السلوكيات عليه وعلى حياته اليومية وعلاقاته بالآخرين.
أشهر هذه المظاهر هو فرط الحساسية العاطفية الذي يعني الانفعال العاطفي الزائد في مواقف يمكن أن تولّد عواطف مريحة أو مزعجة. إنه باختصار إمكانية البكاء الشديد أو الفرح الغامر بسهولة. تعدّ هذه الفورة العاطفية ميزة في العديد من المواقف، لكنها يمكن أن تزعجك في حياتك اليومية وتضعف قدرتك على مواجهة الأحداث غير المتوقّعة، وتُظهرك في صورة شخص متقلّب؛ وهذا ما قد يعقّد علاقاتك مع الآخرين. علاوة على ذلك، ثمة أشكال أخرى من الحساسية المفرطة مثل حساسية الروائح أو الملمس التي تشمل أيضاً الحواسّ المرتبطة بها.
عندما تؤدي الحساسية المفرطة إلى فرط اليقظة
لا تقتصر الحساسية المفرطة على التفاعل الزائد مع في حالة الفرح أو الحزن فحسب؛ بل تشمل أيضاً استجابات أخرى مثل القلق الحادّ والانفعال العاطفي المقرون بالاندفاع الشديد، والتوتّر العصبي الذي تصعب السيطرة عليه وعدم تحمّل الشعور بالملل وفرط اليقظة.
على سبيل المثال؛ قد تولّد الضوضاء البسيطة لديك تفاعلاً ذهنياً ونفسياً مفرطاً ومبالغاً فيه؛ وربّما يكون سبب ذلك هو فرط اليقظة الذي تتّسم به. علاوة على ذلك، يرتبط سلوك فرط اليقظة بغريزة البقاء الموروثة من أسلافنا. وفي عصرنا هذا، نقصد بالشخص المفرط في اليقظة ذلك الفرد الذي يبالغ بسبب حساسيته المفرطة في تحليل ما يحدث في بيئته، للتعامل على نحو استباقي مع التهديدات والمخاطر. إنه يضع حواسّه في حالة تأهب دائمة؛ لكنّه يبالغ في ذلك إلى درجة تجعله يتوهّم الخطر في كلّ ما يحيط به.
ما العلاقة بين التفكّك الأسري وفرط اليقظة؟
قد تكون هناك علاقة بين الطفولة وظهور الحساسية المفرطة أو فرط اليقظة؛ لأن الأطفال الذين نشؤوا في أسر مفكّكة معرّضون إلى تطوير هذه السلوكيات وهذه الأشكال من الحساسية والاستمرار في إظهارها بعد البلوغ. نقصد بالأسر المفكّكة تلك التي شهدت ظواهر مؤذية مثل الاكتئاب والعنف والتمزّق بسبب انفصال الزوجين. إنها أسر لا تتيح إمكانية تنمية الشعور بالأمان العاطفي الضروري للنمو الإيجابي للطفل.
إن نشأة الطفل في أسرة مفككة محروماً من التعاطف والحبّ قد تعرّضه إلى القلق النّاجم عن المخاطر التي يلاحظها في البيت. لذا؛ يلجأ هذا الطفل إلى حماية نفسه من أجل "البقاء"؛ حيث يطور دون وعي فرط اليقظة من خلال الإفراط في تحليل بيئته "لحماية" نفسه ومن ثمّ يتعلّم أيضاً، دون أن يدرك ذلك، كشف بدايات الأزمات وتحديد طبيعة العواطف المختلفة لأفراد أسرته. وطوال فترة الطفولة التي يقضيها في أسرة مفكّكة، يعوّد الطفل نفسه دون وعي على كبت عواطفه الشخصية، حيث يتعلّم بسبب المشاهد العاطفية العنيفة التي يشاهدها اللجوء إلى سلوك الانسحاب كي لا "يُفاقم" الموقف؛ وهذا هو سبب إثارة موضوع الارتباط القوي بين الحساسية المفرطة المصحوبة بفرط اليقظة وظاهرة التفكّك الأسري.
وبعد البلوغ، يظل الشخص الذي نشأ في هذه الظروف مفرطاً في الحساسية واليقظة، وقد يبقى أيضاً قلقاً وغاضباً في أغلب الأحيان وغير قادر على تحمّل أيٍّ من صور الظلم أو العنف. إذا نشأت في أسرة مفكّكة ولاحظت أنك تعاني حساسية وحذراً مفرطين، يمكنك الخضوع إلى العلاج كي تتعلّم كيفية السيطرة على تفاعلاتك العاطفية غير المتناسبة مع المواقف التي تمرّ بها، وتتمكن من العيش بطمأنينة وتقلّل شعورك بالوحدة. وفي هذا الإطار، يعدّ العلاج المعرفي السلوكي من العلاجات المفيدة لمشكلة فرط اليقظة.
اقرأ أيضاً: