لماذا تنتشر الأكاذيب عبر الإنترنت كالنار في الهشيم؟ دراسة حديثة تخبرنا

4 دقيقة
الأكاذيب عبر الإنترنت
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: أظهرت دراسة بحثية حديثة نشرتها دورية علم نفس التواصل (Communications Psychology) في مارس/آذار 2024 أن الكثير من الأشخاص يتعرض للأكاذيب الرائجة والاحتيال عبر الإنترنت، وقد حاولت هذه الدراسة التركيز على أسباب عدم اكتشاف الأشخاص لتلك الأكاذيب، وإليكم تفاصيل الدراسة عبر هذا المقال.

أجرى باحثون في جامعة كوليدج لندن (UCL) ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) دراسة بحثية حديثة من أجل معرفة سبب نجاح خداع بعض الأشخاص عبر الإنترنت وتصديقهم الأكاذيب الرائجة، وتؤكد هذه الدراسة التي نُشرت بدورية علم نفس التواصل (Communications Psychology) في مارس/آذار 2024 إن تزايد عمليات الاحتيال وانتشار الأكاذيب على الإنترنت يؤدي إلى خسائر مالية ومعنوية كبرى.

وإذا كنت صدقت من قبل بعض الأكاذيب الرائجة فقد تظن أنك شخصاً غبياً تعرض للخداع بسهولة لكن هذا سوء فهم كبير للطريقة التي يعمل بها العقل، إذ أن بعض تلك الأكاذيب يمكنها بسهولة تجاوز التفكير التحليلي الدقيق، ولهذا لا يوجد أحد محصن تماماً، لكن لماذا لا يتمكن بعض الأفراد من اكتشاف تلك الأكاذيب؟ الإجابة في هذا المقال.

لماذا تنتشر الأكاذيب عبر الإنترنت؟ دراسة حديثة تجيب

أوضحت دراسة بحثية حديثة إن الكثير من الأشخاص يخسرون المليارات بسبب عمليات الاحتيال عبر الإنترنت سنة بعد سنة، ولقد تفاقم هذا الأمر بشكل كبير منذ جائحة كوفيد-19 ويزداد سوءاً مع ظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي، وقد أكدت الباحثة المشاركة في الدراسة تالي شاروت (Tali Sharot) إن الأشخاص يستطيعون كشف الكذب في الحياة الواقعية من خلال نبرة الصوت ولغة الجسد ونظرات العيون، لكن عبر الإنترنت لا يمكن بأي حال من الأحوال الاعتماد على هذه الإشارات.

وقد شملت هذه الدراسة 310 شخص طُلب منهم المشاركة في لعبة ورق عبر الإنترنت يتم لعبها في شكل أزواج، وكجزء من اللعبة تم إعطاؤهم بعض المعلومات حول بطاقات اللعب؛ على سبيل المثال البطاقة الزرقاء تعني الفوز والبطاقة الحمراء تعنى الخسارة، والجدير بالذكر أن بعض البطاقات قد تؤدي إلى ربح المال، بينما قد تتسبب بطاقات أخرى في خسارة مالية، ويمكن للمشاركين اختيار الكذب بشأن البطاقة التي حصلوا عليها، لأن ذلك قد يسمح لهم بكسب المزيد من المال على حساب لاعب آخر، وتجدر الإشارة إلى أن الباحثين لم يطلبوا من المشاركين أبداً الكذب ولكنه كان مسموح؛ ومن ثم فإن قرار كونهم صادقين أم لا هو قرارهم وحدهم.

وفي نهاية الدراسة توصل الباحثون إلى نتيجة مفادها أن هناك عدة تفسيرات يمكن أن توضح سبب تصديق البعض الأكاذيب الرائجة عبر الإنترنت:

  1. نظرية الإسقاط الذاتي: المشاركين الذين كذبوا أكثر كانوا أكثر شكاً في الآخرين، وتشير هذه النتيجة إلى أن الناس يستخدمون سلوكهم لاستنتاج سلوك الآخرين فيما يُعرف باسم الإسقاط الذاتي بمعنى أنه إذا كذبت، فمن المحتمل أن يكذب الآخرون أيضاً، وفي هذا السياق توضح الباحثة تالي شاروت إن الأشخاص الصادقين هم الأكثر عرضة للاحتيال والأكثر تصديقاً للأكاذيب الرائجة لأنهم يعتقدون أن الآخرين صادقين أيضاً.
  2. نظرية الاستدلال العقلي: توضح هذه النظرية أن الأشخاص يستخدمون سلوكهم الخاص لفهم سلوك الآخرين والتنبؤ به، على سبيل المثال، يستخدم الناس أفكارهم ومعتقداتهم الشخصية لفهم وتفسير أفكار الآخرين ومعتقداتهم، وبالتالي إذا كانت الأكاذيب الرائجة تتوافق مع أفكار أحد الأشخاص ومعتقداته سوف يقوم بتصديقها على الفور حتى لو كانت كاذبة.
  3. الاحتمالات الإحصائية: استنتجت نتائج الدراسة أن ضعف كشف الكذب يرجع جزئياً إلى التدفق الكبير للمعلومات الخاطئة أو الأكاذيب الرائجة، على سبيل المثال، قد تؤدي خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي التي توصي بمحتوى مشابه لما تفاعل معه الأشخاص من قبل إلى تضخيم الاحتمال الواضح لمعلومات معينة، بما في ذلك المعلومات الخاطئة، وهذا يقلل من قدرة الفرد على كشف الأكاذيب لأنه يعتقد أنه من غير المنطقي أن يكون جميع المحتوى الذي يُعرض أمامه كاذب ولهذا يقوم بتصديق تلك الأكاذيب الرائجة.

اقرأ أيضاً: الكذب وسط كومة حقائق: كيف يُفلت النرجسي من تحمل مسؤولية أخطائه؟

لماذا يميل الأشخاص للكذب على منصات التواصل الاجتماعي؟

أشارت الباحثة تالي شاروت في دراستها البحثية إلى أن الأفراد يعتمدون في كشف الأشخاص الكاذبين على نبرة الصوت ولغة الجسد ونظرات العيون، وفي هذا السياق يوضح المختص التربوي جاسم المطوع أيضاً أن معرفة الشخص الكذاب لها بعض العلامات في العالم الواقعي؛ مثل الارتباك والتردد والإفراط في استخدام لغة الجسد والنبرة العدائية التي ترتكز على الهجوم، وبما أن هذه العلامات محجوبة في العالم الرقمي فإن الأشخاص عادة ما يكذبون على مواقع التواصل الاجتماعي لأنهم يعتقدون أنه لن يتم كشفهم.

وعلى الجانب الآخر يوضح أستاذ علم النفس الاجتماعي كينيث جيرجن (Kenneth Gergen) في كتابه "الذات المشبعة" (The Saturated Self)  إن تشبع البشر من التكنولوجيا قد يؤدي إلى ظاهرة تعدد الأصوات والتي تعني تجزئة الذات الواحدة إلى ذوات عديدة يضيع بينها الفرد، ويضيف جيرجن إن الكثير من الأفراد يعيدون تشكيل أنفسهم عبر الإنترنت وحتى يشعر هؤلاء الأفراد بذواتهم الجديدة فإنهم في الكثير من الأوقات يلجأون إلى الكذب، ومع مرور الوقت يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت أن تخلق إحساساً زائفاً بالواقع.

وفي هذا السياق يعتقد أستاذ علم النفس الإكلينيكي علي جزائري (Ali Jazayeri) إن بعض الأفراد يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت ليخلقوا صورة غير حقيقية عن ذواتهم تعتمد بشكل رئيسي على الكذب، وبدلاً من محاولة التعامل مع التحديات والمشكلات التي تواجههم فإنهم يدخلون عالم الإنترنت ويخلقون لأنفسهم نسخة جديدة خالية من العيوب والمشكلات.

اقرأ أيضاً: 8 علامات تؤكد أن شريك حياتك يكذب، فكيف تتعامل معه؟

كيف تحمي نفسك من التعرض للأكاذيب والاحتيال على الإنترنت؟

يعد انتشار المعلومات الخاطئة والأكاذيب الرائجة مشكلة كبيرة تؤثر على العديد من مجالات المجتمع بدءاً من الصحة العامة وحتى الحياة الاجتماعية وإليكم بعض النصائح من أجل حماية أنفسكم من التعرض للكذب عبر الإنترنت:

  1. اعرف مصدرك جيداً: قبل أن تضغط زر مشاركة الخبر أو إعادة التغريد تأكد من المصدر جيداً، ولهذا إذا وجدت خبر أو معلومة تثيرك عاطفياً انظر إلى من شاركها أولاً ثم تأكد من المصدر جيداً، يمكن للقراءة الجانبية أيضاً أن تساعد الأشخاص على تحديد جودة المعلومات، وتتضمن القراءة الجانبية البحث عن مصادر إضافية تتحدث عن مصداقية ما توشك على مشاركته.
  2. ابحث عن مجموعة متنوعة من مصادر الأخبار: ويجب أن تكون هذه المصادر ذات مصداقية عالية، ويفضل أن تكون من أطياف ولغات مختلفة حتى تضمن أن الأخبار دقيقة وغير كاذبة.
  3. لا تكتفِ بقراءة العنوان: في كثير من الأحيان تكون العناوين الرئيسية مضللة ولهذا من المهم للغاية قراءة القصة بالكامل، فالكثير من الأخبار على الإنترنت يعتمد على العناوين البراقة المليئة بالإثارة والغرض من ذلك هو دفع القارئ إلى فتح الرابط.
  4. لا تثق بالمرفقات أو الروابط الغير معروفة: يمكن للمحتالين في بعض الأحيان الحصول على معلوماتك الشخصية أو المالية حتى بدون علمك وذلك عن طريق إرسال مرفقات أو روابط  عبر البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية، وعادة ما تحتوي هذه الروابط والمرفقات على برامج ضارة قادرة على اختراق جهازك. وبمجرد قيامهم بذلك، يمكنهم الوصول إلى المعلومات والبيانات التي تمكنهم من سرقة هويتك أو الوصول إلى أموالك، ولهذا لا تنقر على أي مرفقات أو روابط لا يمكنك التحقق منها.
  5. استخدم طرق دفع محمية: إذا كنت تدفع مقابل شيء ما، فاستخدم طريقة دفع توفر الحماية للعملاء، لا تقم بتحويل الأموال مباشرة إلى أي شخص، استخدم خدمة تحويل الأموال أو الدفع عبر الإنترنت التي تم التحقق منها، أو قم بإجراء المعاملة باستخدام حسابك البنكي.

المحتوى محمي