خرخرة القطط: قوة علاجية خفيّة، تعرّف إليها!

5 دقائق
خرخرة القطط

خرخرة القطط أو "العلاج بخرخرة القطط"، العنوان يجعلك تبتسم، ومع ذلك فهو يمثل حقيقة؛ إذ تمتلك القطط قوى علاجية حقيقية تعمل على تهدئتنا والحد من الضغوط النفسية الخاصة بنا، وإزالة الأفكار السوداوية من أذهاننا!

تقول زهور؛ 48 عاماً، وهي تعمل في مجال السياحة: "في الأمسيات التي أعود فيها إلى المنزل وأنا أشعر بالتوتر ولا رغبة لدي في التواصل مع البشر، آخذ قطي في حضني وأخبره بمخاوفي، فهو يضم جسده إلي، ويسمح لي بالتحدث دون أن يعارض ما أقوله، ويمنحني صوت خرخرته شعوراً بالسكينة. وعندما لا يكون لدي المزيد لأقوله، فإنني أداعبه بصمت. ومن خلال ذلك أصل تدريجياً، إلى نوع من النعيم الذي لا يُضاهى".

تُظهر العديد من الدراسات أن مربي القطط، يتمتعون بصحة نفسية أفضل من غيرهم. (كل شيء حول علم نفس القطط، جويل ديهاسي وأوديل جيكوب). وهم يرون -يوماً بعد يوم- قوة تأثير أصدقائهم هؤلاء فيهم دون أن يتمكنوا من تفسير ذلك. ومن المفارقات أن الصحفية فيرونيك آياتش هي "عدو" سابق للقطط، وهي التي تحل هذا اللغز جزئياً في كتاب جميل بعنوان "العلاج بخرخرة القطط" (La Ronron Thérapie). تقول فيرونيك آياتش: "لم أكن اكترث فعلاً بالحيوانات الأليفة"، وتستدرك: "لكن ابنتي أصرت بشدة على اقتناء قط، لذا قررت أن أحاول إقناع نفسي بالأمر، ودخل بلوم حياتي، ووجدت نفسي أستمتع بحضوره؛ بل وأستلهم الكتابة من صوت خرخرته. لقد أصبح بلوم؛ البالغ من العمر عامين اليوم، "روح المنزل"، كما قال الشاعر الفرنسي كوكتو. في الواقع؛ لقد كتبت هذا الكتاب لأنني لم أجد أي شيء، باستثناء بعض المعلومات المتناثرة على الإنترنت، يساعد على فهم كيف يمكن أن تكون لهذه الخرخرة البسيطة فائدة كبيرة جداً لجسد الإنسان وروحه".

خرخرة القطط واضطراب الرحلات الجوية الطويلة

ولولا جان إيف غوشيه؛ الطبيب البيطري في تولوز بفرنسا والمبتكر الحقيقي لـ "العلاج بالخرخرة"، لما رأى هذا الكتاب النور أبداً، وحول هذه "الطريقة العلاجية" التي اكتشفها مصادفةً؛ يتذكر الطبيب البيطري قائلاً: "بدأ كل شيء في أبريل/نيسان 2002، عندما كنت أبحث عن معلومات لـ "إيفرفيزسنس"؛ المجلة العلمية الصغيرة التي أديرها على الإنترنت. خلال بحثي؛ صادفت دراسة من آنيمال فويس؛ وهي جمعية بحثية تدرس أساليب التواصل مع الحيوانات، ووجدت -من خلال الإحصائيات الداعمة- أن القطط التي تتعرض للكسور أو الإصابات تعاني من مضاعفات 5 مرات أقل مقارنةً بالكلاب، كما يمكنها التعافي من إصاباتها 3 مرات أسرع. ومن هنا جاءت فرضية وجود قوة علاجية حقيقة في صوت خرخرة القطط؛ إذ إنها تستعين بهذا الصوت لتتمتع بمقاومة أعلى للمواقف الخطرة التي قد تتعرض لها، وذلك لأنها لا "تهتز" بهذه الطريقة عندما تنام وتشعر بالسعادة فقط؛ بل في حالات الألم والتوتر الشديد أيضاً".

بعد ذلك؛ نشر جان إيف غوشيه على الفور مقالاً حول هذا الموضوع، وقدم "اختبار قوة تأثير خرخرة القطط" عبر قرص ليزري يحوي تسجيلاً مدته 30 دقيقة، بعنوان "استرخِ مع روكي"، وروكي هو قط موجود بالفعل، وهو في الواقع واحد من "مرضاه". أما عن الاختبار، فقد كانت النتائج تتحدث عن نفسها؛ إذ لمس الـ 250 متطوعاً الذين خضعوا لاختبار "صوت الخرخرة" مشاعر راحة وصفاء وسهولة أكبر في النوم. من وجهة نظر فيزيائية بحتة، فإن هذه الأصوات هي عبارة عن اهتزازات صوتية بترددات منخفضة بمعدل 25 إلى 50 هرتز، وهي الترددات نفسها التي يستخدمها متخصصو العلاج الطبيعي وجرّاحو العظام والطب الرياضي لإصلاح العظام المكسورة والعضلات التالفة وتسريع الشفاء، كما يستخدم مؤلفو موسيقى الأفلام أيضاً هذه الترددات المنخفضة لإثارة المشاعر.

يقول جان إيف غوشيه: "يستهدف صوت خرخرة القطط نفس المسار في الدماغ، عبر منطقة الحُصين واللوزة الدماغية؛ إذ ترتبط هذه المنطقة ارتباطاً وثيقاً بإثارة الخوف لدى الإنسان". ويؤدي الاستماع إلى هذا الصوت الجميل إلى إنتاج مادة السيروتونين "هرمون السعادة"، الذي يساهم في تعزيز جودة نومنا وتحسين حالتنا المزاجية؛ إذ يساهم في استعادة الذكريات الجميلة؛ ولكنه قد لا يكون كذلك بالنسبة للبعض ممن تعرضوا لخدش من قط عندما كانوا في السادسة من عمرهم، إذا كانوا لا يزالون يعانون من أثر هذه الصدمة حتى اليوم.

لاحقاً؛ لاحظ الطبيب البيطري أن هذه الاهتزازات التي تصدرها القطط تساعد على تخفيف التوتر والتعب الناتجَين عن اضطراب الرحلات الجوية الطويلة (jetlag). وفي ربيع عام 2009، صمم بالتعاون مع عملاقة تكنولوجيا المعلومات الأميركية، آبل، تطبيقاً مخصصاً لهواتف آيفون المحمولة، وكان الهدف منه مساعدة الأشخاص على استعادة إيقاع حياتهم الطبيعي بشكل أسرع بعد الرحلات الجوية الطويلة، عبر مزيج ذكي من صوت الخرخرة المُسجل، وبعض النصائح الغذائية (تناول المكسرات بشكل خاص)، وميزة نشر الضوء الأزرق الذي يولد إنتاج هرمون الميلاتونين.

هل تهدف القطط إلى منحنا الراحة عبر الخرخرة؟

تُخرخر القطط لتشفي نفسها؛ لكن هل تقوم بهذا السلوك بنيّة منحنا الراحة أيضاً؟ نأمل أن يكون ذلك صحيحاً. تقول فرح؛ 40 عاماً، وهي صيدلانية: "كان لدى مختص التحليل النفسي الذي كنت أزوره قطة، وكانت دائماً ما تلزم مكانها بهدوء؛ إلا عندما كنت أمر بأوقات صعبة للغاية خلال الجلسات، فقد كانت تصعد إلى الأريكة وتجلس بجواري".

ومع ذلك، فإن جويل ديهاسي؛ الطبيب البيطري في بروكسل ببلجيكا، يعارض هذه الفكرة، ويوضح أن القطط تُخرخر لتمنح نفسها الراحة في المقام الأول، وإذا كان لذلك دور في تخليصنا من طاقتنا السلبية، فذلك لأن القطط تدرك أن الإنسان الذي ينعم بالهدوء النفسي سيكون أكثر انتباهاً لها وستكون استجابته لاحتياجاتها أفضل. ويمكن للقطط التعرف غريزياً على الحالة النفسية السيئة التي نمر بها؛ وذلك بفضل الفرمونات التي يفرزها جسدنا (كل عاطفة لها رائحتها الخاصة). إذاً لا ينطوي سلوك القطط على نوع من الإيثار تجاهنا؛ ولكن ما لم تكن تعاني من الحساسية تجاه فرائها، فإن هناك فوائد نفسية وجسدية لوجودها في حياتك.

وتقتبس فيرونيك آياتش تجارب سابقة إذ توضح: "في عام 1982، أثبت الطبيب النفسي الأمريكي آرون كاتشر مباشرةً أمام كاميرات التلفزيون، تأثير خرخرة القطط في تخفيف القلق وخفض ضغط الدم؛ ما يعني الحد من خطر الإصابة بالنوبات القلبية. كما خلص دينيس آر أونبي؛ رئيس قسم أمراض الحساسية والمناعة في جامعة جورجيا بالولايات المتحدة، بعد دراسة استمرت 7 سنوات، إلى أن ملامسة القطط بشكل يومي يعني التعرض لمركبات معروفة بدورها الفعال في حماية جهاز المناعة. لكن الغريب أنه إذا كان للقطط خصائص مضادة للاكتئاب، فإن ذلك لا يعني منحنا حالةً مزاجيةً جيدةً، ويوضح جويل ديهاسي: " تحرر القطط البشر من طاقتهم السلبية؛ دون أن تجلب لهم أي طاقات إيجابية، ويرتبط الشعور بالرفاهية التي تمنحه لنا بشكل أساسي باختفاء الحالة المزاجية السيئة التي تعترينا".

مداعبة القطط كمضاد للتوتر

ليست الخرخرة "الوظيفة" العلاجية الوحيدة للقطط، فبعضها لا يُخرخر. كما أن بعض مربي القطط قد ينزعجون من هذا الصوت إذا كان عالياً. تقول مروى؛ 60 عاماً، مؤرخة: "كانت لدي قطة اسمها أوليمب، كانت تنام معي وتخرخر بصوت عالٍ أثناء نومها؛ لكن هذه الضوضاء التي من المفترض أن تمنحني الرضا، كانت تزعجني كثيراً؛ إلا أن مداعبتها برفق كانت تساعدني على النوم". ربما تمنحنا مداعبة القطط بالدرجة الأولى الشعور بالراحة؛ إذ يُشعرنا هذا الاتصال الجسدي الذي يربطنا بها بالسعادة، كما أنه يعمل على استرجاع تجربة الاحتضان الأولى مع الأم. علاوةً على ذلك، وكما جاء في كتاب "الحصان، مرآة مشاعرنا"(Cheval, miroir de nos émotions):"كلما افتقرنا إلى الحنان في مرحلة الطفولة، نميل أكثر إلى اللجوء إلى الحيوانات في الكبر بحثاً عن الكمال العاطفي فيها".

في طوكيو باليابان، اشتهرت "حانات القطط" بشكل كبير؛ حيث يقصدها اليابانيون للتخفيف من توترهم والاسترخاء بصحبة هذه الكائنات اللطيفة؛ والتي تؤدي هذه الوظيفة كما يجب، "تعال، اذهب" هكذا يتفاعل الزوار مع القطط، إضافةً لمداعبتها واللعب معها بينما يستمتع آخرون بمراقبة هذا المشهد. على مداخل "حانات القطط" ستجد تحذيراً واضحاً يقول: "يُمنع إجبار القطط على المداعبة"، ومن أجل توفير أجواء هادئة للجميع، فإنه يُمنع اصطحاب الأطفال. توضح فيرونيك آياتش في كتابها: "يصرح القانون لأصحاب المباني السكنية بمنع وجود الحيوانات الأليفة، بسبب ضيق المساحة ولأغراض النظافة"، لذا تتيح لك "حانات القطط" الحصول على فوائد التفاعل معها دون قيود. "وأقتبس هنا قصة رجل وامرأة من زوار إحدى هذه الحانات، كانا يداعبان نفس القطة دائماً، وبهذه الطريقة تعرفا إلى بعضهما، وتزوجا في نهاية الأمر". يقول جان إيف غوشيه: "لا أعتقد أن الإنسان أدخل القطط إلى حياته بسبب الخدمات التي تقدمها له فقط؛ مثل تخليصه من القوارض، وأنا على يقين بأن البشر والسنوريات خُلقوا ليجد بعضهم بعضاً. إن طبيعة هذه العلاقة أبعد من تصوراتنا، وتتجاوز إدراكنا".

في الواقع؛ إن العلاقة بين الإنسان والقطط هي سحر حقيقي!

المحتوى محمي