هناك ارتباط وثيق بين صحتنا الجسدية والنفسية، فأي تغيُّر يحدث على المستوى البدني يكون له أثر على الصحة النفسية. من تلك التغيُّرات ذات الأثر القوي على الصحة النفسية: متلازمة ما قبل الحيض (PMS).
يمكن تعريف متلازمة ما قبل الحيض على أنها مجموعة من الأعراض الجسدية، والنفسية، والسلوكية التي تبدأ قبل قرابة أسبوع من الدورة الشهرية، وتتراوح في شدتها وإمكانية حدوثها من امرأة لأخرى.
ما هي أعراض متلازمة ما قبل الحيض؟
تتمثّل الأعراض النفسية والسلوكية لمتلازمة ما قبل الحيض في الشعور بالضغط أو القلق والتوتر، والاكتئاب ونوبات البكاء والتقلبات المزاجية؛ كالشعور بالغضب، فقد تستيقظين في حالة مزاجية جيدة؛ ولكنكِ قد تجدين نفسكِ غاضبةً وسريعة الانفعال بعد فترة وجيزة دون سبب. كذلك تحدث تغيرات في الشهية وتزداد الرغبة في تناول الطعام، بالإضافة إلى الأرق وضعف التركيز.
بينما تتمثل الأعراض الجسدية في الشعور بألم في المفاصل أو العضلات والصداع والإرهاق وزيادة الوزن المرتبطة باحتباس السوائل، بالإضافة إلى انتفاخ البطن، والشعور بألم عند ملامسة الثدي، وانتشار حب الشباب، وكذلك الإمساك أو الإسهال
على الرغم من أن تلك الأعراض تزول خلال أربعة أيام من بداية الدورة الشهرية عند معظم السيدات؛ فإنها قد تكون شديدةً كفاية لدى البعض للتأثير على حياتهم اليومية، فتكون تلك الأعراض مُعيقةً لممارسة أنشطتهم.
هناك حالتان تكون فيهما الأعراض والتقلُّبات المزاجية أشدّ حدةً قبل الدورة الشهرية:
1- الاضطراب المزعج السابق للحيض (PMDD)
وهو يشبه إلى حد بعيد متلازمة ما قبل الحيض؛ لكن أعراضه تكون أكثر حدةً. بالنسبة للبعض، فإنه يتسبب في تقلبات مزاجية شديدة تتداخل مع الحياة اليومية. في حين تشير الأبحاث الحديثة إلى أن نحو 75% من النساء يعانين من متلازمة ما قبل الحيض خلال سنوات الإنجاب؛ إلا أن ما بين 3 و8% من النساء فقط مصابات بـهذا الاضطراب.
2- تفاقم أعراض الاضطرابات النفسية خلال فترة ما قبل الحيض (Premenstrual Exacerbation)
وهو يشير إلى الحالات التي تصبح فيها أعراض بعض الأمراض أو الاضطرابات موجودة بشكل واضح مثل القلق أو الاكتئاب، وتزداد سوءاً في الأيام التي تسبق الدورة الشهرية.
ارتباط الإجهاد بمتلازمة ما قبل الحيض
هدفت دراسة من جامعة "سانتياغو دي كومبوستيلا" بإسبانيا لتحديد العوامل النفسية المرتبطة باضطراب ومتلازمة ما قبل الحيض؛ كالإجهاد والعصابية، - تُعرَف العُصابية على أنها سمة شخصية تتميز بعدم الاستقرار وانعدام الأمن العاطفي، ومستويات عالية من القلق-.
ووجدت ارتباطاً وثيقاً بينهم؛ الشيء الذي يؤثر بدوره على الحياة اليومية للمرأة في مجالات العمل والدراسة والعلاقات الشخصية خلال تلك الفترة.
أوضحت الباحثة التي قادت الدراسة أنه على الرغم من وجود خلاف حول معنى "الإجهاد" الذي تعاني منه المرأة في تلك الفترة؛ إلا أنه عموماً يشير إلى عملية تتجاوز معها؛ ما يتسبب في تغيرات نفسية وبيولوجية غير مرغوب فيها.
مدى انتشار الأعراض النفسية لمتلازمة ما قبل الحيض
أوضحت دراسة حديثة من جامعة النجاح الوطنية في فلسطين مدى انتشار أعراض متلازمة ما قبل الحيض وعلاقتها بالحالة النفسية ونمط الحياة للطالبات، أن 100% من المشاركات في الدراسة، وعددهم 398 مشاركة، قد عانين من عرض أو أكثر من أعراض تلك المتلازمة.
ففي حين أبلغت كل المشاركات أن لديهنّ أعراضاً جسديةً؛ أشارت 99.7% من المشاركات أنهن اختبرن أعراضاً نفسيةً، و85.2% اختبرن أعراضاً سلوكيةً.
كذلك؛ كشفت الدراسة أن أكثر من ثلثيّ المشاركين أي نحو 72.4% قد عانين من الاكتئاب، ونحو 76.1% قد عانين من القلق، وأن نحو 80.9% منهم قد عانين من الإجهاد.
اقرأ أيضا:
لكن لماذا تحدث كل هذه التغيُّرات؟
أثناء تلك الفترة؛ تتفاعل العوامل النفسية مع التغيرات الفيزيولوجية المُلازمة للدورة الشهرية؛ كالتغير في الهرمونات، والتغيرات الكيميائية في الدماغ؛ ما يؤدي لمجموعة من الأعراض.
تحدث التغيُّرات في الهرمونات في أثناء الإباضة في منتصف الدورة الشهرية. خلال هذا الوقت؛ يطلق الجسم بويضة؛ ما يتسبب في انخفاض مستويات هرمونيّ الإستروجين والبروجسترون، فيؤدي ذلك إلى تغُّيرات جسدية ونفسية وسلوكية.
كذلك؛ تحدث تغيُّرات كيميائية في الدماغ نتيجةً لتقلُّبات مستوى السيروتونين؛ وهي مادة كيميائية في الدماغ تؤدي دوراً بالغ الأهمية في تغُّيرات الحالة المزاجية، وينتج عن ذلك الشعور بالضيق في حالة انخفاض مستوى السيرتونين.
قد يساهم عدم كفاية كميات السيروتونين أيضاً في ظهور الاكتئاب السابق للدورة الشهرية، بالإضافة إلى الإرهاق والرغبة المُلحَّة في تناول الطعام بشراهة واضطرابات النوم.
اقرأ أيضا:
كيف يمكن التغلُّب على هذه الأعراض؟
على الرغم من وجود ارتباط بين الدورة الشهرية والعديد من الآثار النفسية؛ فإنكِ يجب ألا تدعيها تتحكم في حياتك وممارستك للأنشطة والقيام بمهامك، فاتباع بعض التعديلات على نمط الحياة قد يساعدكِ في تخفيف تلك الأعراض، ويمنحك فرصةً أفضل للتعامل معها.
في البداية؛ يجب تتبع الدورات الشهرية وما تشعرين به خلال مراحلها المختلفة. سيساعد ذلك في تحديد ما إذا كانت التقلبات المزاجية مرتبطةً بها بالفعل، أم أن هناك أسباباً أخرى، فمعرفة سبب التقلُّبات المزاجية يساعد على إبقاء الأمور في نصابها.
بالإضافة إلى ذلك؛ يجب اتباع النصائح التالية:
نظام غذائي مناسب
- لتقليل احتفاظ الجسم بالسوائل؛ يجب تقليل تناوُل الملح والأطعمة المالحة.
- لتجنب التوتّر وسرعة الانفعال؛ يُنصح بتقليل الكافيين.
- للحد من الانتفاخ والإحساس بالامتلاء السريع؛ يجب تناول وجبات أصغر وأكثر تقارُباً.
- للتحكُّم في الشهية؛ يُنصح بتناول الأطعمة ذات المحتوى المرتفع من الكربوهيدرات المعقَّدة؛ مثل الفاكهة والخضروات والحبوب الكاملة، وكذلك الامتناع عن تناول الأطعمة الغنية بالسكريات لتجنُّب التقلُّبات في نسبة السكر في الدم؛ والتي قد تؤدي للعصبية.
ممارسة التمارين الرياضية
لدمج ممارسة الرياضة في النشاط اليومي -حتى لو كان المشي لفترة قصيرة يومياً- أثر مهمّ في تقليل الشعور بالحزن والتهيُّج والقلق، وكذلك الأمر بالنسبة لركوب الدراجة، أو السباحة لمدة 30 دقيقة على الأقل أغلب أيام الأسبوع. يمكن للتمرين اليومي المُنتظَم المساعدة في تحسين الصحة العامة والتغلُّب على بعض الأعراض؛ مثل الإرهاق والمزاج السيء.
وبخصوص العادات اليومية؛ يجب الحصول على قدر كاف من النوم، وممارسة تمرينات ارتخاء العضلات أو تمارين التنفس العميق للمساعدة في تقليل الصداع والقلق والأرق. كذلك، ممارسة اليوغا أو التدليك قد تساعد على الاسترخاء وتخفيف التوتر.
اقرأ أيضا: