كانت يارا تبلغ من العمر 20 عاماً عندما التقت بوسام؛ الشاب اللامع والجذاب، ووقعت في حبه واستسلمت لسحره ووقعت في الفخّ. شيئاً فشيئاً؛ جعلها تشعر بالذنب، وأخذ يقلل من قيمتها ويهينها. أرادت يارا أن تقدم شهادتها لمجلتنا "علم النفس" (Psychologies) حول حب منحرف نرجشي وتأثير هذا المنحرف النرجسي الذي كاد يدفعها إلى الجنون، وتروي لنا كيف خرجت من هذا الموقف أخيراً.
يارا اليوم تبلغ من العمر 26 عاماً، وهي ممرضة.كان لطيفاً ومهذبا جداً في البداية
"كان يمثل كل شيء في حياتي. اليوم، وبعد فوات الأوان؛ يبدو الأمر سخيفاً إذا نظرنا إلى الوراء طبعاً. كيف وصلت إلى هذه الحالة؟ كيف سمحت لنفسي بالهوان دون أن أعترض؟ لم أكن أكثر من عبد له عليه أن يقول نعم لكل شيء! حسناً؛ لقد وقعت في الفخ دون أن أدرك ذلك في الواقع. كان وسام ذكياً، وكان لديه متسع من الوقت".
الشيء الغريب أنني لم أحب وسام عندما التقيت به أول مرة في كلية الطب. كان لدي حدس سيئ تجاهه حقاً؛ كان شديد البرودة، متعجرفاً ومغروراً؛ لم يكن نوعي المفضل على الإطلاق! ثم فجأة ذات يوم؛ عندما لم تكن الأمور تسير على ما يرام، أعتقد أنه أصبح أكثر قرباً مني، وأُعجبت به. كان لطيفاً جداً ومتفهماً وأراد مساعدتي ودعمي. تسبب هذا التحول بإرباكي، وشعرت بالذنب لأول مرة نحوه، ولم أعد أدرك حقيقة مشاعري تجاهه. قلت لنفسي أنني ربما كنت مخطئة بشأنه، ربما هو رجل طيب وكنت أظنه عكس ذلك.
الشعور بالتميز
والأغرب من ذلك أنه اختارني أنا، أنا التي لا أثق حتى بنفسي! شعرت أنني محظوظة. لقد كان جذاباً للغاية ومثيراً للإعجاب وذا حضور طاغٍ. شعرت كما لو أنه يحسن إلي. هل كنت سعيدةً؟ ربما. لقد أعطاني كل ما أحتاج إليه؛ الأمان والثقة والحيوية. جعلني أصدق أن كل شيء سيكون على ما يرام معه. تنفست من خلاله السعادة والحياة؛ لكن ذلك لم يكن سوى كذبة.
سرعان ما بدأت الحلقة المفرغة، وبدأت أخسر نفسي أكثر يوماً بعد يوم. كان سلوك وسام جنونياً، دورياً بالأحرى، فدائماً كانت هناك تلك المراحل نفسها التي تبدأ وتنتهي مراراً وتكراراً. مرحلة الحب والإغواء، حين يكون كل شيء على ما يرام. ثم تتلاشى فجأة لأني أحبطه لسبب ما (نتشاجر، لا ألبس ثياباً تعجبه... إلخ). ثم يبدأ بإذلالي وإهانتي، وأخيراً يصبح عدوانياً. وبعد ذلك، لأنه يحتاجني، ولأن الجلاد يحتاج دائماً إلى ضحية؛ يوافق على العودة، ويتكرّم عليّ بقبول الاعتذارات التي لم أتوقف عن تقديمها له، ثم نعود إلى مرحلة الحب، وهكذا تتكرر الحالة.
لا تزعجيه
كان الفخ هو اعتقادي بأن وسام ملاك، وهذا ما أردته أن يكون عليه، أو سأخسر كل شيء. كان علي أن أفعل كل شيء لأجعل هذا الرجل سعيداً وراضياً وأحافظ عليه. شيئاً فشيئاً؛ تنسى نفسك، تتلاشى ذاتك، دون أن تدرك ذلك. لم تعد تفكر، تصبح كالدمية، وفوق كل شيء؛ أنت خائف.
عشت خائفة من أن يتخلى عني. كنت دائماً في حالة تأهب؛ أتوقع أي موقف. بات أهم شيء بالنسبة لي عدم إزعاجه أو مضايقته، لأن العواقب ستكون وخيمةً حينها. ومع ذلك؛ كنت أخشى أن أفقده. عندما تتخيل أنك لا شيء من دون الآخر، فربما ينتهي بك الأمر إلى تصديق ذلك.
كان من المستحيل بالنسبة لي فهم سلوكي غير المنطقي هذا. اختلقت له الأعذار، قلت لنفسي أن وسام يتصرف بهذه الطريقة لأنه شعر بأن والديه الغائبين قد أهملاه، وبأن إخوته همشوه. ظننت أنه يعاني من نقصٍ مثلي؛ ولكنه عاش وفقاً لنمط "إما هم، أو أنا". بعد ذلك، وكي يبقى بإمكاننا مواصلة العيش معاً؛ لم يكن أمامي خيار سوى التفكير في أن المشكلة تكمن حتماً في مشكلةٍ نفسية يعاني منها، وبدون هذا التفسير؛ كنت سأجن بالتأكيد.
لم أستطع الوثوق بأحد
يعتقد الناس غالباً أن ضحايا المنحرفين النرجسيين مجانين، لأن من حولك لا يستطيع فهم هذا الخضوع. وبالفعل، كان وسام ساحراً في محيطه، لامعاً ومحبوباً ومحترماً جداً. لقد فعل كل ما في وسعه لينال إعجاب الآخرين، كان يولي أهميةً كبرى لصورته في أعين الآخرين. إذاً ماذا أقول للآخرين؟ بمن أثق؟ لن يستطيع الآخرون فهمي. بالنسبة لهم؛ كنت في حالة هستيرية بالطبع. علاوةً على ذلك؛ لم يكن لدي أي كدمات على وجهي، ولم يهنني ولا حتى مرةً واحدة في الأماكن العامة. لا أحد يمكنه رؤية هذا النوع من المعاناة، لذلك من الصعب تخيلها. هذا هو الأثر الثاني للتلاعب، للعزلة والصمت اللذين عشتهما.
ثم ماذا أقول لهم على أية حال؟ أنه سخر من فشلي بعد السنة الأولى من الطب بعد أن اجتازها هو؟ أقول لهم أنه قد يصطحبني عبر باريس تحت المطر عند الفجر؟ أو أنه رفض حضوري حفلاتٍ لا أنتمي إليها؟ وأنه منعني من تناول أطعمةٍ معينة مثل الجبن؟ أنه ادعى بأنني عاجزة وعديمة الفائدة؟ أنه يشتمني ويناديني بالمقرفة والعاهرة؟ لا، لا يمكنني قول هذه الأشياء للناس.
لم أتركه، بل هربت
لماذا وقعت في براثنه؟ لماذا تركته يفعل ذلك بي؟ أعتقد اليوم أنني كنت فريسةً سهلةً له. لقد كنت بالفعل ضعيفةً، سهلة الانقياد، حساسة. وبعد ذلك، مع قصة وتجارب صعبة مع والدي، كانت الأمور معقدةً: لم يكن يعجبه شيء، ولم أكن جيدةً بنظره بما فيه الكفاية. بطريقةٍ ما؛ كنت مستعدةً للذل مجدداً، وكنت أعرف ذلك، لأنني كنت معتادة عليه. ربما لم تساعدني العلاقة الوثيقة مع والدتي في دفع الأمور نحو الأفضل.
بعد عامين من العيش معه، لم أكن أنام جيداً، لا أفكر، لم أكن على قيد الحياة. لقد أصبحت ظلاً لنفسي القديمة، بلا عقل ولا روح، أشبه بإنسانٍ آلي. إلى أن استيقظت في أحد الأيام، وأردت أن أؤمن بحدسي الأول، أيام الكلية. ماذا لو كنت على حقّ؟ لم يعد باستطاعتي الإيمان بالمنطق، ربما أردت أن أؤمن بحدسي فقط. فتركته. لم يكن الأمر سهلاً بالنسبة لي، ولم يخلُ من المعاناة والألم اللذين كان من الصعب عليّ التخلص منهما.
ما زلت أخشى رؤيته
أنا لم أتركه؛ بل هربت. لا أريد فهم أي شيء، ولا أرغب بتفسير الأمر، فقط أردت الهروب وإنقاذ نفسي. وما زلت أهرب منه، من المستحيل مثلاً أن أمر بالحي الذي يقطن فيه. نعم، ما زلت خائفة، خائفةً من السقوط مرة أخرى، من العودة إليه لطالما كان الضحايا يشعرون بالذنب لفترةٍ طويلة. أحاول الآن إعادة بناء نفسي شيئاً فشيئاً. هذه الشهادة هي خطوة جديدة. أشعر وكأنني كنت مكممة طوال هذه السنوات، ومشاركة تجربتي وقصتي وسيلة بالنسبة لي لاستعادة حقي في الكلام. أعتقد أن لدينا جميعاً ما يلزم لنعتز بذاتنا، وهذا أعظم قتال.