دراسة حديثة: الحياكة مفيدة لصحتك النفسية، فكيف تبدأ ممارستها؟

4 دقيقة
الحياكة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: محمد محمود)

ملخص: هل فكرت من قبل في ممارسة هواية جديدة بهدف تحسين حالتك النفسية وتحيرت كثيراً؟ إذاً دعني أقدم لك واحدة من أفضل الهوايات المفيدة للصحة النفسية وفقاً لدراسة علمية، ألا وهي الحياكة التي تتميز بقدرتها على إمدادك بالهدوء وزيادة تأقلمك مع حياتك، لكن ماذا عن الفوائد النفسية الأخرى لها؟ وكيف تبدأ في ممارستها؟ هذا ما نجيب عنه في مقالنا.

أذكر في طفولتي رؤيتي لجدتي رحمها الله وهي تحيك بعض المشغولات البسيطة: قفاز شتوي، جورب، قبعة، وغير ذلك. لم تكن تخيط قطعاً كبيرة من الملابس. الأمر كان أشبه بهواية تستمتع بممارستها في أوقات فراغها، وحتى وقت قريب لم يخطر في بالي أن هذه العادة الصغيرة لها أثر نفسي كبير، حتى قرأت عن دراسة علمية حديثة تؤكد أن الحياكة يمكنها تحسين الصحة النفسية، فما السر وراء ذلك؟ وكيف تبدأ أولى خطواتك في تعلمها؟ الإجابة في هذا المقال.

دراسة حديثة: الحياكة تمدك بالهدوء والاتزان النفسي

توصلت دراسة علمية حديثة أجرتها جامعة غوتنبرج السويدية (University of Gothenburg) ونُشرت في يناير/ كانون الثاني من العام الحالي إلى أن الحياكة مفيدة للأشخاص الذين يعانون من مشكلات الصحة النفسية، فهي تمدهم بالهدوء وتساعدهم على التأقلم مع حياتهم بالتالي تحسن حالتهم النفسية.

وقد أظهرت نتائج الدراسة أن ممارسة الحياكة تساعد على الاسترخاء، كما أن بعض المشاركين لاحظوا تغيراً إيجاباً في قدراتهم الذهنية، فهم عندما يحيكون المشغولات يكون تفكيرهم أكثر وضوحاً وتزيد قدرتهم على إدارة ضغوطهم وما يجري حولهم.

وتصف إحدى المشاركات تأثير الحياكة بقولها أنها عندما تنشغل يداها بإمساك الخيط والإبرة فإن إيقاع تسارع الأفكار في ذهنها يتباطأ بشكل ملحوظ، وبدلاً من أن تفكر في كل شيء في آن واحد فهي تتمكن من التفكير في شيء واحد فقط.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن يدفعك القلق الشديد إلى السعي الدائم للإنجاز الفائق

ما تأثير الحياكة في الصحة النفسية؟

تؤكد المختصة النفسية ساهرا أودهيرتي (Sahra O’Doherty) أن للحياكة العديد من التأثيرات النفسية المفيدة في مقدمتها قدرتها على إيصال ممارسها إلى حالة التدفق، وهي تعني استمتاعه بما يفعل إلى حد عدم شعوره بمرور الوقت.

كما أن الحياكة يمكن وصفها من وجهة نظر أودهيرتي بترياق الاكتئاب لدورها في إخراج الأشخاص من دوامة التفكير السلبي وإعادة تركيزهم على الأشياء التي تمنحهم الإحساس بالإنجاز، وهو ما يجعلهم قادرين على مقاومة الشعور بانعدام القيمة والعجز واليأس، فالقطع التي تنتج عن عملية الحياكة تمد الشخص بشعور أنه منتج، وهذا يمده بدفعة من الثقة في النفس تجعله يمضي قدماً في حياته.

بالإضافة إلى ما سبق وجدت دراسة علمية أجرتها جامعة تكساس بدالاس (University of Texas at Dallas) أن الحياكة تحفز وظائف المخ، وهذا يعني أنها تحسن المهارات المعرفية بما فيها القدرة على التذكر والتفكير.

وبما أن الحياكة تتطلب تركيزاً كبيراً فربما نستطيع إطلاق عليها تسمية "اليوغا الجديدة"، إذ إن الساعات التي يقضيها الإنسان في الحياكة غالباً ما ينفصل فيها عن عالمه الخارجي، ويجعله ذلك يمارس اليقظة الذهنية بالتوازي مع الحياكة، وتنعكس هذه الحالة عليه إيجاباً في إراحة ذهنه من أعباء الحياة وتجديد طاقته حتى يعود لاحقاً إلى ممارسة أنشطته وهو منتعش ذهنياً.

لا تتوقف الفوائد النفسية عند هذا الحد فالمعالجة النفسية إميلي سترو (Emily Straw) ترى أن الحياكة من أهم الممارسات التي تمنع المتعافي من الإدمان من الانتكاس، نتيجة دورها في تنشيط منطقة الدماغ المسؤولة عن الشعور بالحب والانتماء، وفيما يبدو أن هذا التأثير يرتبط بالواقع إلى حد كبير فهناك قصة نيلسون ميندونكا (Nelson Mendonca) الذي عاني من إدمان المخدرات لأكثر من 20 عاماً وفي آخر مرة دخل فيها السجن تعلم الحياكة، وبعد إطلاق سراحه كوّن مجموعة من 10 أشخاص يجمعهم هدف واحد هو حياكة القبعات والتبرع بها للمحتاجين، ويؤكد ميدونكا على أنه يشعر براحة وفرحة غامرة عندما ينتهي من حياكة كل قطعة ويعطيها لشخص محتاج.

حتى الأشخاص الذين يرغبون في تحسين حالتهم المزاجية تعد الحياكة واحدة من الحلول المفيدة لهم، فوفقاً لاستطلاع رأي نشرت نتائجه المجلة البريطانية للعلاج المهني (British Journal of Occupational Therapy) أفاد 81% من الأشخاص الذين يمارسون الحياكة أنهم يشعرون بالسعادة بعد انقضاء الوقت الذي يقضونه في التطريز، وتفسير ذلك الشعور أن حركة الإبرة المتكررة والملمس الناعم للغزل تطلق هرمون السيروتونين في الدماغ الذي ينعكس إيجاباً على المزاج ويخفف الإحساس بالألم.

اقرأ أيضاً: نمط الحياة البطيء أم السريع: أيهما أفضل لصحتك النفسية؟

لماذا أصبحت الحياكة هواية الشباب؟

ظهرت في أولمبياد طوكيو 2021 صورة غير متوقعة للاعب الغطس البريطاني توم دالي (Tom Daley) وهو يمارس هوايته في الحياكة في أثناء انتظاره دوره في اللعب، وبعد فوزه بالميدالية الذهبية قام بحياكة كيس قماشي لحفظها من الخدش، وقد أكد دالي على أن الحياكة ساعدته على الاتزان النفسي ومواجهة الإرهاق الناتج عن ممارسته لرياضة الغطس.

ولا يعد دالي الشاب الوحيد الذي يمارس هواية الحياكة فمؤخراً أخذت هذه الهواية التي كانت معروفة بأنها خاصة بكبار السن تنتشر في أوساط الشباب، والأسباب وراء ذلك عديدة لكن في مقدمتها محاولة إبطاء إيقاع الحياة والحفاظ على الصحة النفسية بالأخص مع عيشنا في عالم تكنولوجي شديد السرعة، فالحياكة تعلمك أن تحتفل بالنتائج غير المثالية في عالم أصبح يقدر الكمالية بدرجة ملحوظة، وتعلمك أيضاً أن تكون صبوراً مع نفسك ومع الآخرين.

كيف تبدأ ممارسة الحياكة؟

حسناً، ربما تكون قد اقتنعت بفائدة الحياكة لصحتك النفسية لكنك لا تدري من أين تبدأ، لذلك إليك أهم الخطوات التي ستمهد لك الطريق:

  1. ابدأ بصنع قطعة سهلة للغاية مثل منشفة للمطبخ، ويمكنك بمرور الوقت الانتقال إلى أشكال أكبر وأكثر تعقيداً.
  2. اختر في البداية الخيوط ذات الألوان الفاتحة فهي ستجعلك أكثر قدرة على رؤية غرزك، وكذلك احرص على شراء الإبر الخشبية فهي أخف وزناً وعملية وستجعلك غير قلق من انزلاقها.
  3. لا تتردد في الانضمام إلى مجموعات على الفيسبوك تمارس نفس الهواية وذلك حتى يساعدك أعضائها على معرفة الأماكن المناسبة لشراء مستلزمات الحياكة وإمدادك بأهم الدروس المستفادة من خبراتهم، وأيضاً قد تنضم إليهم في بعض الفعاليات.

اقرأ أيضاً: 5 تمارين لتتخلص من شعورك بعدم التقدم في حياتك

المحتوى محمي