ملخص: هل فكرت من قبل في السبب الحقيقي الذي يقف وراء الأعراض التي تظهر على المصاب باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه؟ حسناً، دعني أجيبك من واقع الدراسة العلمية الحديثة التي اطلعت عليها: السر كله يكمن في الدماغ! إذ يعاني المصابون باضطراب فرط الحركة من تغيرات تجعل أدمغتهم تعمل بطريقة مختلفة عن أدمغة الآخرين، وحتى تتضح الصورة أكثر، أدعوك إلى قراءة هذا المقال.
محتويات المقال
قبل أن تعنّف طفلك المصاب باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، هل جربت أن تفكر كيف يعمل دماغ بداخله 30 قناة تلفزيونية يخرج صوتها في وقت واحد وجهاز التحكم مفقود؟ ضع نفسك مكان طفلك قبل تعنيفه.
كلمات واضحة بسطت من خلالها المختصة النفسية انتصار رضي معاناة المصابين باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه بتسليط الضوء على ما يجري داخل أدمغتهم، فهذا الاضطراب لا يؤثر فقط في معدل الذكاء؛ إنما يؤثر كذلك في قدرة الشخص على التحكم في انتباهه وإدارة وعواطفه، ويسهم في فرط نشاطه واندفاعه، فيا تُرى ما الذي يحدث في دماغه بالضبط حتى تنتج التغيرات السابقة جميعها؟ هذا ما سنعرفه في مقالنا.
دراسة جديدة: دماغ المصاب باضطراب فرط الحركة مزدحم بالدوائر!
توصلت دراسة علمية نشرتها المجلة الأميركية للطب النفسي (the American Journal of Psychiatry) في مارس/آذار 2024 إلى أن المصابين باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه لديهم دوائر دماغية أو شبكات عصبية أكثر من اللازم؛ وهو ما يجعل أدمغتهم أكثر نشاطاً إلى درجة تصعّب عليهم أن يبقوا ساكنين أو يخضعوا إلى التعليمات الموجهة لهم.
وقد وجد الباحثون أن أدمغة المصابين بالاضطراب تتصل دوائرها على نحو مفرط يصعّب نقل إشارات معينة، ويؤثر ذلك في عملية العلاج وفقاً لمؤلف الدراسة لوك نورمان (Luke Norman) الذي يشير إلى أن مناطق الدماغ المسؤولة عن التحكم في السلوكيات الاندفاعية والتحكم في الانتباه لا تستجيب عند محاولة علاج اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه.
للتوضيح أكثر، يضرب نورمان مثالاً بأنه عندما يلعب الأطفال المصابون باضطراب فرط الحركة ألعاباً تتطلب منهم الانتباه والتحكم في دوافعهم، تُظهر فحوصات أدمغتهم أنهم يواجهون حينها صعوبة في إنشاء اتصالات عصبية لاستكمال اللعبة.
ما الذي يفعله اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه في دماغ المصاب به؟
حسناً، يمكن اعتبار الدراسة السابقة مدخلاً نستشف منه أن دماغ الشخص المصاب باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه تشريحياً ليست مثل دماغ الشخص غير المصاب؛ لذا إليك أبرز التغيرات التي تظهر في دماغ المصاب باضطراب فرط الحركة.
1. بنية الدماغ
أظهرت دراسة علمية نشرتها مجلة لانسيت للطب النفسي (The Lancet Psychiatry) في عام 2017 وجود اختلافات هيكلية في أدمغة المصابين باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه؛ أهمها أن حجم الدماغ يكون أصغر في 5 مناطق تحت قشرية، إلى جانب أن حجمه الإجمالي يكون أصغر أيضاً، ويظهر هذا الفارق في الحجم بدرجة أكبر عند الأطفال ويقل بين الكبار.
من النقاط المثيرة للاهتمام كذلك أن أدمغة المصابين تنمو بوتيرة أبطاً من أدمغة غير المصابين، ويترواح الفارق من سنة إلى 3 سنوات، وفي النهاية، لا يصل دماغ المصاب باضطراب فرط الحركة أبداً إلى درجة نضج دماغ الشخص غير المصاب نفسها.
أما أهم المناطق التي تتميز بالصغر في دماغ المصاب بالاضطراب فهي اللوزة الدماغية والحُصين، وهما منطقتان مسؤولتان عن معالجة العواطف والتحكم في الدوافع.
2. وظائف الدماغ
توجد تقنيات تصوير عديدة سمحت للباحثين برصد التغيرات الموجودة في دماغ مصاب اضطراب فرط الحركة وأهمها المتعلقة بتدفق الدم؛ إذ كشفت دراسة بحثية نشرتها مجلة بي إم أس للطب النفسي (BMC Psychiatry) عام 2019 أن المصاب باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه يعاني انخفاضاً في تدفق الدم إلى منطقة الفص الجبهي، المسؤولة عن عدة وظائف مهمة مثل التخطيط والتنظيم والانتباه والتذكر والقيام بردود الفعل العاطفية.
ولاحظ الباحثون في دراسة أخرى أجرتها جامعة كاليفورنيا (University of California) أن الأطفال المصابين باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه لا توجد لديهم الروابط الطبيعية بين القشرة الدماغية الأمامية ومنطقة المعالجة البصرية؛ ما يعني أنهم يعالجون المعلومات على نحو مختلف عن غيرهم.
3. كيمياء الدماغ
حتى نفهم جيداً ما يحدث في الدماغ، يمكننا تشبيهه بشبكة اتصالات مزدحمة تنتقل فيها الرسائل من خلية عصبية إلى أخرى عن طريق المشبك العصبي الذي يسد الفجوة بينهما؛ لكن حتى تُمرَّر الرسالة، يجب أن يمتلئ هذا المشبك العصبي بناقل عصبي أي مادة كيمائية تحمل الإشارات بين الخلايا العصبية.
وفي حالة المصاب باضطراب فرط الحركة، وجدت دراسة نشرتها مجلة جاما للطب النفسي (JAMA Psychiatry)، خللاً في نظام هرمون الدوبامين المسؤول عن التحفيز والمكافأة، فإما أنه ينخفض إفرازه وإما أنه لا توجد مستقبلات كافية للاستفادة منه. ويفسر انخفاض مستوى الدوبامين بحث المصابين باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه قهرياً عن أنشطة يصحبها إفراز عالٍ له بهدف تنشيط مركز المكافأة في الدماغ. وقد لاحظت الدراسة انخفاض مستوى هرمون النورإبينفرين المسؤول عن اتزان المزاج والتركيز في دماغ المصابين؛ وهو ما يؤدي إلى تراجع قدراتهم على ضبط حالاتهم المزاجية والحفاظ على تركيزهم.
لماذا يصاب بهذا الاضطراب أشخاصٌ دون غيرهم؟
يوجد العديد من الأسباب التي تجيب السؤال السابق؛ وفي مقدمتها العامل الوراثي، فقد أظهرت دراسة علمية أجراها مركز السدرة للطب والبحوث بدولة قطر ونُشرت في عام 2021، أن البعد الوراثي مسؤول عن 60% إلى 90% من الحالات.
أما السبب الثاني من حيث الأهمية فهو الاختلافات البيولوجية، وبالأخص ذات الصلة بهرمون الدوبامين، فالمصاب باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه يسبب اضطراب إفراز الدوبامين بدرجة بالغة تجعله غير قادر على إدارة حالته المزاجية وسلوكياته والحفاظ على تركيزه.
علاوة على ذلك، تسهم بنية الدماغ أيضاً في الإصابة بهذا الاضطراب؛ إذ توضح أبحاث التصوير العصبي أن التغيرات الهيكلية والوظيفية في الدماغ مثل النمو غير المكتمل لمناطق معينة تؤدي إلى الإصابة باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه.
توجد أيضاً أسباب أخرى قد تؤدي إلى إصابة الشخص باضطراب فرط الحركة مثل إصابات الدماغ الشديدة والتهاب الأعصاب والولادة المبكرة، والتعرض إلى السموم البيئية مثل المعادن الثقيلة أو المواد الكيمائية السامة.
كيف يمكن أن يتحايل المصاب باضطراب فرط الحركة على دماغه؟
حسناً، لقد علمنا جيداً ما الذي يحدث في دماغ المصاب باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه؛ لذا من الضروري أن نقدم له مجموعة من الإرشادات العملية التي يمكن من خلالها الحد من تأثير تلك التغيرات؛ مثل:
- احرص على جعل الأشياء المملة مثيرة للاهتمام: مثلاً إذا كنت تدرس، فاختر أقلاماً ملونة وملصقات جاذبة تجعل رحلة تعلمك ممتعة.
- حوّل المهام إلى تحديات: فمثلاً إذا كان لديك موعد ستسلم فيه أحد مشروعاتك في العمل، لمَ لا تجرب أن تسلم مشروعك قبل زملائك؟ سيُشعرك ذلك بالمزيد من الحماس ويمدك بالطاقة.
- أوجد طرائقَ مختلفة لممارسة روتينك اليومي: فمثلاً إذا كنت تحب المشي، لا تجعل مسارك ثابتاً؛ إنما ابحث عن مسارات عديدة تجرب واحداً منها كل يوم.
- حاول إشراك الآخرين فيما تفعله: على سبيل المثال؛ في حال ذهابك للتسوق، اصطحب أحد أفراد أسرتك ليشاركك الوقت.