ملخص: عادة ما يرتبط الاكتئاب بفصل الشتاء بسبب برودة الطقس وقلة ضوء الشمس. وعلى الرغم من ذلك، ثمة اكتئاب ربيعي يظهر مع قدوم الأيام المشرقة، فما سبب هذا الاكتئاب؟ وما علاماته؟ وكيف يمكن التعامل معه؟ الإجابة في هذا المقال.
محتويات المقال
تطلع معظمنا إلى قدوم فصل الربيع؛ إنه وقت التجديد والنمو حيث تغرد الطيور وتشرق الشمس فترةً طويلة وتتفتح الأزهار، وتكون درجات الحرارة ألطف. ولكن على الرغم من ذلك، فأيام الربيع المليئة بالدفء لا تجلب الراحة للجميع؛ حيث يعاني بعض الأشخاص اكتئاب الربيع. وبينما ربط باحثو علم النفس بين الاكتئاب وفصل الشتاء بسبب قلة ضوء الشمس، فقد نتساءل: ما الذي يسبب الكآبة والحزن في فصل الربيع؟ ولماذا يمتزج خلال هذا الوقت من العام المزاج المظلم مع الأيام المشرقة؟ إليكم الإجابات من خلال هذا المقال.
ما اكتئاب الربيع؟
الاكتئاب الموسمي أو الاضطراب العاطفي الموسمي (SAD) هو نوع من اضطراب الاكتئاب الشديد الذي يتبع نمطاً موسمياً ثابتاً. وإذا كنت تعاني الاكتئاب الموسمي، فستواجه نوبات اكتئاب خلال أشهر الشتاء تتحسن بحلول الربيع أو الصيف. ولكن مع ذلك، فثمة اكتئاب ربيعي، وهو الشكل الأكثر نُدرة من أشكال الاضطراب العاطفي الموسمي الذي يحدث خلال فصل الربيع، ويؤثر هذا الاكتئاب في عدد أقل من الأشخاص، وعادة ما يُصيب النساء أكثر من الرجال.
5 أعراض تصاحب اكتئاب الربيع
غالباً ما تؤثر تغيرات الطقس في الصحة النفسية. وكما أن الطقس البارد وغياب الشمس يؤدي إلى اكتئاب الشتاء؛ فإن الطقس الدافئ المفاجئ يعزز الإصابة باكتئاب الربيع، ومن المهم أن تكون على دراية بكيفية تأثير هذه التغيرات الموسمية في الحالة المزاجية حتى تتمكن من فهم مشاعرك واتخاذ تدابير استباقية من أجل التعامل مع حالتك المزاجية.
والحقيقة أن أعراض الاضطراب العاطفي الموسمي تختلف من وقت إلى آخر، ففي فصل الشتاء، تتجسد الأعراض في زيادة فترات النوم والرغبة الشديدة في تناول الأطعمة الغنية بالكربوهيدرات؛ أما أعراض اكتئاب الربيع فهي:
- صعوبة العثور على الدافع لروتينك اليومي المعتاد.
- الأرق ومواجهة صعوبة في الحصول على قسط كافٍ من النوم.
- فقدان الشهية وعدم الرغبة في تناول الطعام.
- الإحساس بالحزن وسوء الحالة المزاجية.
- فقدان الاهتمام بالأنشطة التي كانت ممتعة في السابق.
اقرأ أيضاً: 5 طرق فعالة لمواجهة اكتئاب الخريف
ما أسباب الإصابة باكتئاب الربيع؟
يعد اكتئاب الربيع أقل شيوعاً من اكتئاب الشتاء، ولا يعرف علماء النفس على وجه التحديد أسبابه؛ لكن هناك بعض العوامل التي يمكن أن تعزز الإصابة به وتشمل:
- مفارقة الربيع: يؤكد أستاذ الطب النفسي في جامعة هارفارد ومؤلف كتاب "التقويم العاطفي: فهم التأثيرات الموسمية لتصبح أكثر سعادة وتحكماً في حياتك" (The Emotional Calendar: Understanding Seasonal Influences and Milestones to Become Happier, More Fulfilled, and in Control of Your Life)، جون شارب (John Sharp)، إن فصل الربيع يرتبط عادة بزيادة معدل دوران السيروتونين أو ما يُعرف باسم "هرمون السعادة" في الدماغ؛ ومن ثَمّ تتسارع عملية التمثيل الغذائي لدينا ويرتفع مستوى الطاقة داخل جسم الإنسان. ولهذا السبب؛ قد يبدو فصل الربيع وكأنه الوقت المناسب أخيراً لاتخاذ القرارات المؤجلة مثل الخروج من علاقة ما، أو الانتقال، أو ترك وظيفتك. ولكن هناك بعض الأشخاص الذين لا يستطيعون التعامل مع هذا الشعور المضطرب؛ لذا يداهمهم الاكتئاب.
- زيادة ضوء النهار والدفء: قد تسبب الأيام الدافئة عدم الراحة، خاصة عندما تتضمن ساعات أطول من ضوء النهار؛ حيث يؤدي السطوع الشديد للشمس والحرارة إلى شعورك بالضعف وعدم التحفيز وزيادة القلق والاكتئاب، بالإضافة إلى أن زيادة ضوء النهار تساعد على تعطيل إيقاع الساعة البيولوجية وتؤثر في دورة النوم والاستيقاظ. بمعنىً آخر: يمكن للأيام المشمسة الساطعة أن تترك عقلك في حالة تأهب قصوى؛ ما يصعّب عليك الاسترخاء عندما تحتاج إلى الحصول على قسط من الراحة.
- الخلل في المواد الكيميائية في الدماغ: يُنتج دماغك عدداً من الناقلات العصبية المختلفة التي تساعد على تنظيم الحالة المزاجية والعواطف وغيرها من العمليات الجسدية المهمة؛ لكن وجود الكثير أو القليل منها في دماغك يمكن أن يؤثر بشدة في حالتك المزاجية. فعلى سبيل المثال؛ يرتبط اكتئاب الشتاء بانخفاض نسبة السيروتونين؛ وهو مادة كيميائية تُنتَج عادةً بعد التعرض إلى الضوء الطبيعي، والحقيقة أن زيادة التعرض إلى ضوء الشمس المرتبطة بفصل الربيع تحفز جسمك على إنتاج كمية أقل من الميلاتونين وهو هرمون يعزز النوم وينتجه الجسم على نحو طبيعي. لذلك؛ ينتهي بك الأمر بالحصول على نوم أقل مما تحتاج إليه، وقلة النوم قد تساعد على ظهور أعراض الاكتئاب أو تعمل على تفاقمها.
- حساسية حبوب اللقاح: يوضح المختص النفسي أحمد الدباس إن اكتئاب الربيع يمكن أن يحدث بسبب زيادة المواد المسببة للحساسية المحمولة جواً؛ مثل حبوب اللقاح التي تسبب الحساسية وتزيد أعراض الاكتئاب لدى بعض الأشخاص. فإذا كنت تشعر بالحساسية من حبوب اللقاح، التعرض المستمر إليها خلال فصل الربيع قد يجعلك تشعر بالاحتقان وعدم التحفيز. وفي سياق متصل، يعتقد الباحثون في علم النفس إن أعراض الالتهاب أو الحساسية قد تؤدي إلى تفاقم الحالة المزاجية السيئة.
- التغيرات الكبرى في حيوات الآخرين: عادة ما تتزايد الاحتفالات في فصل الربيع مثل حفلات التخرج في الجامعات وحفلات الزفاف، وقد تؤدي هذه الأحداث إلى ظهور أعراض الاكتئاب لدى بعض الأشخاص؛ حيث إن رؤية النجاح وإحراز التقدم في حياة الآخرين قد يعزز مشاعر الندم أو انعدام القيمة أو عدم الإنجاز لديك.
هل تزيد معدلات الانتحار في فصل الربيع؟
توضح الطبيبة النفسية إيلينا توروني (Elena Touroni) إن معدلات الانتحار تصل إلى ذروتها في الولايات المتحدة خلال فصل الربيع وبداية الصيف؛ حيث يعد أبريل/نيسان الشهر الأكثر قسوة فيما يتعلق بحالات الانتحار، وتستمر هذه الذروة من بداية أبريل/نيسان إلى نهاية مايو/أيار؛ لكن لماذا ينتحر الكثير من الناس خلال هذه الفترة الزمنية؟ تَبين أن السبب الأكثر ترجيحاً يشبه السبب الذي يجعل مضادات الاكتئاب تزيد أحياناً من خطر الانتحار عندما يبدأ المرضى بتناولها. فقبل ذلك، يشعر مريض الاكتئاب بانعدام الطاقة، وبعد أن يتناول مضادات الاكتئاب، قد تؤدي زيادة طاقته إلى الانتحار. وعلى الرغم من أن هذا أمر نادر إلى حد ما، فإنه يحدث!
وفي فصل الربيع، تزداد كمية ضوء الشمس كل يوم، والمزيد من ضوء الشمس يعني المزيد من الطاقة بالنسبة إلى معظم الناس، وهذا قد يعني هذا أن الشخص الذي كان يعاني الاكتئاب طوال فصل الشتاء يشعر الآن أن لديه ما يكفي من الطاقة للانتحار.
اقرأ أيضاً: ما هو الاكتئاب الموسمي؟ وكيف يمكن علاجه؟
كيف يمكن التعامل مع اكتئاب الربيع؟
إذا كنت تخرج من برودة الشتاء وتشعر مع قدوم فصل الربيع بعدم الاستقرار وعدم الاستعداد لمواجهة العالم، فاعلم أنك لست وحدك، وإليك بعض النصائح لمساعدتك على التأقلم:
- افعل فقط ما يناسبك: ينصح الطبيب النفسي جون شارب بضرورة فعل ما يناسبك فقط؛ إذ ليس عليك البدء بممارسة هواية جديدة أو اكتساب عادة مفيدة لمجرد أن الطقس أضحى أفضل. على سبيل المثال؛ إذا لم تكن من محبي اليوغا، فلا تمارسها. عليك فقط فعل الأمور المألوفة التي كنت تفعلها طوال الوقت لتحاول أن تؤكد لنفسك أن الأمور ستكون على ما يرام.
- تجنب القرارات المتهورة: في الكثير من الأحيان وفي أثناء هذه الأوقات الموسمية، يرغب بعض الأشخاص في إجراء بعض التغييرات الشكلية أو الخارجية مثل قص الشعر أو شراء الكثير من الملابس الجديدة. وعلى الرغم من أن هذه القرارات تكون متهورة في بعض الأحيان، فإنها عادة ما تكون غير ضارة؛ لكن شارب يحذر من اتخاذ قرارات أكثراً تهوراً مثل الاستقلال عن عائلتك. كن على دراية بالمشاعر التي تمر بها؛ لكن حاول ألا تتصرف بناءً عليها فوراً.
- كن عفوياً ولا تضع توقعات سلبية: إذا نظرت على نحو سلبي إلى فصل الربيع، فمن المحتمل أن تواجه وقتاً أصعب مما لو أبقيت عقلك منفتحاً على فكرة العفوية كل يوم. لا تضع توقعات سلبية، واستمتع بوقتك. في النهاية، قد يجعل ذلك الربيع أكثر بهجة بالنسبة إليك، وأفضل مما تخيلته.
- تذكر أن الحياة لا تسير على وتيرة واحدة: نمر جميعنا بأيام جيدة وأخرى سيئة. إن مجرد شعورك بالاكتئاب الآن بعد حلول فصل الربيع لا يعني بالضرورة أن هذا الشعور سيستمر طوال الموسم. لقد تغلبت على الأوقات الصعبة من قبل وتجاوَزتها، ويمكنك أن تفعل هذا الأمر مجدداً.
- مارس الرياضة: يؤكد الكثير من الدراسات العلمية أن ممارسة التمارين الرياضية تعزز الشعور بالسعادة؛ لهذا تُمكنك ممارسة الرياضة مدة 3 أيام في الأسبوع، فالأشخاص النشطون بدنياً تقل احتمالية إصابتهم بالاكتئاب أو القلق.
- اقضٍ بعض الوقت في الهواء الطلق: إذا كنت تشعر بالقلق والاكتئاب بسبب تغير الطقس، فحاول الخروج في الهواء الطلق من أجل امتصاص بعض فيتامين د من أشعة الشمس؛ حيث يعزز هذا الفيتامين مستويات السيروتونين التي استُنفذَت بعد أشهر الشتاء الطويلة مع قلة ضوء الشمس. امشِ خلال فترة ما بعد الظهر أو ابحث عن مكان في الهواء الطلق لتناول الغداء، فحتى مجرد تغيير المشهد يمكن أن يحسن حالتك المزاجية.
- خصص وقتاً للاسترخاء: اقرأ كتاباً، أو دوّن يومياتك، أو اصنع شيئاً ما، فالتحفيز العقلي والإبداعي مهم لتحسين حالتك المزاجية. وخلال فصل الشتاء، غالباً ما تتضمن علاجات القلق والاكتئاب طرائقَ لرفع مستويات الطاقة؛ لكن الاكتئاب في فصل الربيع يتطلب علاجاً أكثر استرخاءً.
- تناول الطعام الصحي: قد يكون الجزء الغذائي من هذا العلاج أكثر صعوبة بسبب انخفاض الشهية الذي يتزامن مع اكتئاب الربيع؛ والذي يؤدي بدوره إلى نقص الطاقة. ولذلك؛ يجب عليك تناول الطعام الصحي الذي يحتوي الكثير من الفواكه والخضروات والحبوب الكاملة التي تساعد على رفع مستوى الطاقة وتعزيز الصحة النفسية.
- تحدث إلى الطبيب النفسي: في الكثير من الأحيان، يكون الحزن والتقلبات المزاجية أمراً طبيعياً؛ ولكن إذا بدأت هذه المشاعر السلبية في تعطيل مسار حياتك اليومية فيجب عليك طلب مساعدة الطبيب النفسي.