الحقد يأكل صاحبه: ما تأثيره في صحتك النفسية والجسدية؟ وكيف تتعامل معه؟

5 دقيقة
الحقد
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: البشر كائنات معقدة وتشعر بالكثير من المشاعر المتدفقة. هذه المشاعر قد تكون إيجابية مثل السعادة، وقد تكون سلبية مثل الحقد. والحقيقة أن تأثير الحقد مدمر في الصحة النفسية والجسدية؛ وذلك لأنه شعور طويل المدى لا ينتهي بعد وقت قصير مثل الغضب، وإليكم في هذا المقال تأثير الحقد في الصحة النفسية، وكيف يمكن التعامل معه.

يعد الشعور بالانزعاج من الآخرين أمراً شائعاً، ويمكن أن يحدث في بعض الأوقات؛ أحياناً نشعر بالانزعاج والضيق من زملائنا في العمل، أو تجاه الأصدقاء أو أحد أفراد الأسرة، وهذه المشاعر تتلاشى مع مرور الوقت؛ ولكن ثمة نوع آخر من المشاعر السلبية يبقى كامناً في أعماقك ويتغذى ببطء على سلامك النفسي مثل الحقد.

وعلى الرغم من أن مشاعر الحقد قد تتفاقم بسبب التعرض إلى الأذى البالغ من الآخرين أو الخيانة، فإن تراكم مشاعر الحقد له آثار مدمرة للصحة النفسية والجسدية. ومن الجدير بالذكر إن مشاعر الحقد تؤثر فيك أنت بالأساس ولا تؤثر فب الشخص الآخر؛ الأمر الذي يسبب لك المزيد من الألم، وإليك في هذا المقال تأثير الحقد في الصحة النفسية، وكيف يمكن التعامل معه.

ما هو الحقد؟

الحقد هو شعور بالعداء الشديد والنفور الناتج عادة من الخوف أو الغضب أو الكراهية. وعلى الرغم من أن الحقد شعور يمكن أن يختبره العديد من الأشخاص، خاصة بعد تعرضهم إلى الخيانة أو الأذى الجسدي أو العاطفي أو خيبة الأمل المستمرة أو الإساءة العميقة، فإن تراكم الشعور بالحقد يمكن أن يدمر الصحة النفسية، وعادة ما يحدث هذا التدمير لكون مشاعر الحقد تعد طويلة المدى وليست مشاعر فورية وحادة مثل الغضب.

لماذا قد نشعر بالحقد تجاه الآخرين؟

نادراً ما تنشأ مشاعر الحقد بسبب موقف أو حدث واحد؛ إلا إذا كان هذا الحدث صادماً أو يمكن تفسيره على أنه تهديد لمعيشة الشخص أو سلامته. ومع ذلك، هناك مجموعة من الأسباب التي يمكن أن تعزز الإحساس بالحقد وتؤدي إلى تفاقمه؛ مثل:

  1. الشعور بالتوتر المزمن: يمكن أن يجعلك التوتر والقلق تشعر بالإجهاد المستمر؛ ومن ثم تسيطر عليك مشاعر الغضب وسرعة الانفعال. ومع مرور الوقت، تزيد نوبات الغضب التي يمكن أن تتصاعد حتى تصل إلى درجة الحقد والكراهية.
  2. الاختلافات الأيديولوجية: يميل الناس إلى الخوف أو النفور مما لا يعرفونه أو يفهمونه؛ ولذلك عند التعامل مع أشخاص مختلفين، قد تظهر هذه المخاوف على هيئة حقد وكراهية للآخر، سواء كان ذلك بسبب وجهات نظره الثقافية أو السياسية أو الدينية أو الأخلاقية.
  3. اضطراب الشخصية النرجسية (NPD): يمكن أن يتصرف الأشخاص الذين يعانون هذا الاضطراب على نحو أكثر عدوانية تجاه الأشخاص الذين يختلفون معهم؛ وذلك لأنهم يعتقدون أنهم لا يتلقون المعاملة الخاصة التي يستحقونها. بالإضافة إلى ذلك، فإن الشخص النرجسي لا يتحمل النقد، وفي هذه الحالة، عادة ما تتفاقم لديه مشاعر الحقد تجاه الآخرين.
  4. الإحساس الدائم بالإرهاق: يمكن أن يؤثر الإرهاق في حيوات الأفراد على نحو كبير؛ إنه حالة من التوتر والتعب المزمنَين اللذين يؤيديان إلى الشعور بالاستنزاف الكامل للطاقة؛ ما يجعل الشخص أكثر عرضة إلى التهيج والغضب والتعرض إلى الانتقاد السلوكي المستمر، وفي نهاية المطاف، تتراكم المشاعر السلبية وتعزز إحساس الحقد.
  5. التوقعات غير الواقعية: إذا كانت لديك توقعات غير واقعية تجاه العالم والأفراد المحيطين بك ولم تُلبَّ، فقد تشعر في البداية بالغضب والاستياء وخيبة الأمل، وعندما يستمر عدم توافق الأشخاص مع الطريقة التي تتوقع أن يتصرفوا بها، فقد يكون الأمر مزعجاً للغاية. إن التمسك بالتوقعات غير الواقعية للآخرين سيجعلك تعتقد أنهم هم المشكلة؛ ومن ثَم تتراكم مشاعر الحقد تجاهم بداخلك.
  6. مقارنة نفسك بالآخرين: نعيش في في عصر تزاحمنا فيه منصات التواصل الاجتماعي التي جعلت سلوك المقارنة أكثر شيوعاً، فالمعظم يقارنون بين ما يمتلكونه وما لدى الآخرين؛ وذلك قد يجعلهم يشعرون أن حيواتهم لا ترقى إلى المستوى المطلوب فتتولد بداخل كل منهم مشاعر الحقد.
  7. الإصابة بالاكتئاب: إذا كنت تعاني أحد اضطرابات المزاج مثل الاكتئاب، فستشعر في البداية بالافتقار العام إلى الحافز وصعوبة الاستمتاع بالحياة وانعدام التلذذ، ويمكن أن تؤدي أعراض الاكتئاب إلى تنمية الشعور بالحقد والكراهية تجاه الآخرين.

اقرأ أيضاً: كيف تتجذر الضغينة في النفوس؟وكيف نتخلص منها؟

ما تأثير الحقد في الصحة النفسية والجسدية؟

تؤكد أستاذة علم النفس الإكلينيكي، جوانا كلوفولو (Joanna Kleovoulou)، إن التمسك بالحقد يشبه السماح لشخص ما بالعيش دون إيجار في عقلك! والحقيقة أن الحقد له تأثيرات سلبية مدمرة للصحة النفسية والجسدية؛ مثل:

  1. تغيير كيمياء الدماغ: توضح كلوفولو إن الحقد يغير كيمياء الدماغ لأنه يحفز القشرة الحركية المسؤولة عن تخطيط وتنفيذ الحركة؛ وذلك يجعل الشخص أكثر عرضة إلى التصرفات العدوانية إلى جانب القابلية للتصرف وفقاً لاستجابة الكر أو الفر؛ ويؤدي هذا أيضاً إلى تحفيز الجهاز العصبي اللاإرادي.
  2. زيادة مستويات هرمونات التوتر: يؤدي الشعور بالحقد إلى زيادة إفراز هرمونات التوتر مثل الكورتيزول والأدرينالين، وهذه الهرمونات تستنزف الغدة الكظرية وتسهم في زيادة الوزن والإصابة بالأرق والقلق والاكتئاب والأمراض المزمنة، وبمرور الوقت، تؤدي هرمونات التوتر إلى زيادة الالتهاب في أنحاء الجسم جميعها؛ ما يؤدي إلى عواقب صحية كبيرة.
  3. إلحاق الضرر بالجهاز العصبي: يؤثر الحقد سلباً في الجهاز العصبي وجهاز المناعة وجهاز الغدد الصماء، وكلما أصبح الحقد أكثر حدة، تطلَّب احتواؤه جهداً بدنياً أكبر، هذا بالإضافة إلى أن التمسك بمشاعر الحقد يعد أمراً مرهِقاً لأنه يمكن أن يسبب انقباضاً لا إرادياً في الفك، وطحناً للأسنان، وشداً للعضلات.
  4. الضرر العاطفي: الحقد شعور مؤلم يتطلب الكثير من الطاقة العاطفية. ومع مرور الوقت، ستُستنزف تلك الطاقة، وغالباً ما تدفع المشاعر المؤلمة الأشخاص إلى البحث عن سلوكيات تكيف غير صحية لتهدئة النفس؛ مثل تناول الأطعمة السريعة لقمع الضيق وتجنبه.

اقرأ أيضاً: لماذا يكره البعض نجاح الآخرين؟وكيف تتخلص من هذا الشعور؟

6 نصائح عملية للتعامل مع الحقد

غالباً ما يتجاهل معظم الأشخاص مشاعر الحقد التي تتملكهم أو يبررون وجودها ويلومون الآخرين على إحساسهم. ومع مرور الوقت، تتراكم مشاعر الحقد السلبية التي لم تُعالج، وتتكثف بمرور الوقت؛ ما يؤثر في الصحة النفسية والجسدية. والنصائح التالية يمكن أن تساعدك على التعامل مع مشاعر الحقد:

  1. اعترف بمشاعرك: إذا تمكنت من الاعتراف بأنك تشعر بالحقد تجاه الآخرين، فيمكنك البدء في التعامل مع هذه المشاعر وإيجاد حل للمشكلة.
  2. افهم سبب شعورك بالحقد: انظر داخل نفسك واسألها لماذا أنت منزعج، ولماذا تحس بهذه المشاعر السلبية العميقة. عادة ما يأتي الحقد من مكان الخوف أو انعدام الشعور بالأمن أو الإحساس بعدم الثقة.
  3. تجنب التفكير بطريقة "كل شيء أو لا شيء": إذا كان حقدك تجاه الآخرين متجذراً في خلاف معهم حول قضية معينة، فحاول أن تتذكر أنه يمكنك أن تختلف مع الآخرين؛ بل وتغضب منهم، دون أن تحقد عليهم. إن مجرد اختلافك بشدة مع معتقدات شخص آخر أو سلوكه لا يعني أن هذا الشخص سيئ تماماً، ويسمى هذا النوع من التفكير بـ "تفكير كل شيء أو لا شيء"، وهو غير عقلاني.
  4. ضع نفسك مكان الآخرين: إن وضع نفسك في مكان شخص آخر، على الرغم من أنه ليس بالأمر السهل دائماً، يمكن أن يقطع شوطاً طويلاً نحو زيادة التعاطف وتقليل الحقد. مثلما لديك أسبابك وراء معتقداتك وسلوكياتك؛ كذلك الآخرون.
  5. اصرف انتباهك: يمكن أن يساعد الإلهاء الجيد على إشغال عقلك وإعادة توجيه تركيزك بعيداً عن المشاعر السلبية غير المرغوب فيها؛ ولذلك بدلاً من الحقد على الآخرين، حاول ممارسة أنشطة أخرى مثل مقابلة الأصدقاء، أو التركيز على تنمية هواية مثل القراءة.
  6. لا تقارن نفسك بالآخرين: يوضح استشاري الطب النفسي أحمد هارون إن مشاعر الحقد تنجم بالأساس من مقارنة نفسك مع الآخرين، فحين ترى شخصاً آخر يحقق النجاح قد تدعمه وتشجعه؛ ولكن حين يتجاوز نجاحه مستوى قدراتك، يبدأ الشعور بالحقد لأنك تشعر بالألم النفسي والمعاناة؛ ولهذا لا تقارن نفسك بالآخرين ولا تقيم ذاتك بمستوى النجاح الذي حققوه.

المحتوى محمي