ملخص: على ما يبدو أن العمل بعد التقاعد هو خيارٌ يتخذه العديد من كبار السن لأسبابٍ متنوعة قد لا يكون الدخل المادي عاملاً رئيساً فيها، فما بقية الأسباب؟ وكيف يستفيد هؤلاء من هذا القرار؟ تعرّف إلى التفاصيل في هذا المقال.
محتويات المقال
تشير الاستشارية النفسية والأسرية، لما الصفدي، إلى أن عمر التقاعد من العمل يعد مرحلة انتقالية تتغيّر فيها أفكار الأشخاص وأنماط عيشهم، ويواجهون صعوباتٍ في تقبّل فكرة الجلوس في المنزل دون عملٍ أو مهام اعتادوا إنجازها مدة سنواتٍ عديدة. فالبنسبة إلى البعض، قد يبدو الأمر كموتٍ بطيء. وتضيف الاستشارية إن واحداً من أهم العوامل المُشاركة في إطالة عمر كبار السن حسب دراسةٍ اطلعت عليها، هو الاستمرار في العمل بعد التقاعد، إضافة إلى وجود هواية أو نشاطٍ في حياة الشخص مثل البستنة والمشي.
ومع تزايد نسبة الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 عاماً فما فوق، من المتوقع أن يشكل كبار السن سدس سكان العالم بحلول عام 2030 وفقاً لمنظمة الصحة العالمية. ذلك يعني زيادة عدد المتقاعدين وتباطؤ نمو القوى العاملة الذي بسبب زيادة تكاليف الرعاية الصحية وبرامج التقاعد. يمكن أن تُحيلنا هذه المعطيات المهمة إلى أن تشجيع كبار السن على العمل فترة أطول يمكن أن يقلل نسبة الفقر بين كبار السن، ولا سيّما في البلدان النامية. ولكن يبقى السؤال الأهم في ذلك كله: كيف يمكن أن تستفيد هذه الفئة من السكان من العمل بعد التقاعد؟ هذا ما ستتعرّف إليه بصفة رئيسة في هذا المقال.
ما الذي يدفع ببعض المسنين إلى العمل بعد تقاعدهم؟
وفقاً لمعهد بحوث فوائد الموظفين (Employee Benefit Research Institute) الأميركي؛ لا يعد الدخل المادي سبباً رئيساً للعمل بعد التقاعد عند العديد من كبار السن؛ إذ يفضّل هؤلاء البقاء نشطين والحفاظ على إحساسهم بالهدف. وفيما يلي أهم العوامل الاقتصادية والنفسية الاجتماعية وراء اختيار البعض العمل بعد التقاعد:
- العمل لتمويل النفقات والتكاليف الإضافية التي تُحسّن جودة الحياة مثل السفر، والعشاء خارج المنزل، والمعدات الرياضية الجديدة، ولا سيّما عندما يغطي راتب التقاعد الضروريات فقط.
- توفير الوظيفة المجزية طريقة فعالة لمحاربة اكتئاب ما بعد التقاعد، وبخاصة بالنسبة إلى الأشخاص الذين كانوا يستمدون رضاهم الشخصي من وظائفهم قبل التقاعد.
- العمل تجنباً للملل.
- العمل لتغطية النفقات الأساسية بعد التقاعد بسبب تكاليف غير متوقعة مثل إصلاحات المنزل والسيارة أو الظروف الصحية.
- العمل لتلبية حاجات إنسانية أساسية مثل تكوين الصداقات والتواصل مع الآخرين وتحقيق الشعور بالانتماء.
- العمل بهدف تعلم مهارات جديدة واكتساب خبرات وعيش تجارب جديدة؛ إذ تسهم المشاركة في الأنشطة الجديدة في الحفاظ على وظائف الدماغ ومنع التدهور العقلي، ويمكن أن يحسن تعلم أشياء جديدة الذاكرة والحالة المزاجية ومستوى الدافعية.
- العمل للحصول على مزايا التأمين والرعاية الصحية.
اقرأ أيضاً: كيف يصبح التقاعد فرصة للازدهار لا الذبول؟
هل يمكن للعمل بعد التقاعد أن يُفيدك؟
قد يعتقد معظم الناس أن التقاعد فترة للاسترخاء والاستمتاع؛ غير أن خبراء الصحة النفسية والمتخصصين في التوجيه المهني والإرشاد الوظيفي يؤكدون إن العمل فترة أطول بقليل يمكن أن يحسن الصحة النفسية لمن هم في سن التقاعد. لكن على الرغم من هذا المعطى المهم، ينبغي أن نتذكر أن الأمر لا ينطبق على الجميع، فكل شخصٍ لديه ظروف شخصية وصحية خاصة به، يتخذ قرار العمل أو عدمه بعد التقاعد بناءً عليها للحفاظ على صحته البدنية والنفسية مع تقدمه في السن.
ومن بين الفوائد المحتملة للعمل بعد التقاعد نجد احتمالية محاربة الاكتئاب. فقد أظهرت دراسة نُشرت في عام 2023، أجراها باحثون من جامعة ووشي (Wuxi University) بالصين، إن العمل بعد التقاعد يمكن أن يساعد على تحسين الحالة المزاجية لدى كبار السن؛ ولكن قد يعتمد ذلك على مدى قدرة الشخص على التكيف مع التقاعد. ونلخص الفوائد المحتملة للعمل بعد التقاعد في الآتي:
- العمل الذي يُبقيك مشغولاً ولكن لا يضيف ضغطاً إضافياً إلى حياتك، ويُكسبك بعض المهارات الجديدة، يمكن أن يحسّن حدتك الذهنية.
- عملك في فترة التقاعد يُبقيك منخرطاً اجتماعياً ويمنحك فرصة التعرف إلى أشخاصٍ جدد، وتكوين صداقات جديدة.
- عملك في فترة التقاعد يوفر لك موارد مالية إضافية للاستثمار في هوايات جديدة أو قديمة، أو تسديد تكاليف مالية لا يغطيها راتب التقاعد.
- عملك قد يعني خفض احتمالية التعرض إلى مشكلات صحية مرتبطة بالشيخوخة مثل ضغط الدم المرتفع، والسكري، والسكتة الدماغية، والحالات النفسية المختلفة مثل الاكتئاب.
ما الذي يجب أن تتوخى الحذر بشأنه إذا قررت العمل بعد التقاعد؟
إذا حدث وقرّرت العمل بعد التقاعد، فربما يجب أن تأخذ بعين الاعتبار أن ذلك قد يجلب لك تحديات غير متوقعة. فقد تجد نفسك متوتراً ومرهقاً إذا لم تكن الوظيفة مناسبة لك، أو ليس من السهل الحصول على إجازة فيها.
علاوة على ذلك، يُنصح باستشارة مستشارٍ مالي قبل البدء في وظيفة بدوام جزئي؛ حيث يمكن أن يؤثر العمل في راتب التقاعد والضمان الاجتماعي والضرائب. تذكر أن التقاعد هو فرصة للحصول أخيراً على مزيدٍ من التحكم في وقتك؛ لذا اختر العمل الذي لن تفقد فيه تلك الحرية.
هل تعمل بعد التقاعد أم لا؟
إن العمل أو عدمه بعد التقاعد هو قرارٌ شخصي يعتمد على عوامل عديدة. وفي هذا السياق، تخبرنا أستاذة علم الشيخوخة بجامعة كينغز كولج (King's College) بلندن، كارين غليزر (Karen Glizer)، إنه لا توجد إجابة واحدة تناسب الجميع. فإذا كان الشخص يتمتع بصحة جيدة، فبإمكانه الاستمرار في العمل سنوات طويلة، فذلك يمكن أن يجلب له العديد من الفرص مثل الحصول على المزيد من التعليم، أو ممارسة هوايات جديدة، أو ممارسة هوايات أُهملت بسبب التزامات العمل والأسرة، وتلك الفرص لا تشمل الأفراد فحسب؛ بل أيضاً مجتمعاتهم التي تستفيد من إسهاماتهم.
على الرغم من وجود هذه الفوائد كلها، فهذا لا يعني أنه يجب عليك الاستمرار في العمل إلا إذا كنت بالفعل تستطيع ذلك لأنك سعيدٌ في عملك، ولا تعاني أي صعوبات صحية. فالإحساس بالهدف سيفيدك كثيراً حتى لو لم تتلقَّ مقابلاً مادياً لقاء عملك. ومن جهة أخرى، تُمكنك الاستفادة من تلك المنافع كلها عندما تنخرط في أنشطة اجتماعية وثقافية وروحية مفيدةٍ لصحتك البدنية والنفسية. على سبيل المثال؛ من الممكن أن تشارك في أنشطةٍ تطوعية لخدمة المجتمع، أو تساعد على رعاية أحفادك.
اقرأ أيضاً: 5 نصائح لمحاربة الضغط النفسي في مرحلة التقاعد
وختاماً، هل تفكر في العمل بعد التقاعد؟ ربما تكون الوظيفة بدوام جزئي مناسبة تماماً. مهما كانت أسبابك، سواء كانت مالية أو للحفاظ على لياقتك البدنية، فكّر ملياً قبل اتخاذ هذا القرار المهم.