تحالف عالمي بين 18 دولة للقضاء على التمييز ضد مرضى السكّري

3 دقيقة
مرضى السكري
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: يعد التوافق العلمي الذي توصّل إليه 51 عالماً من 18 دولة لمكافحة ظاهرة وصم مرضى السكّري الأول من نوعه في ميدان التصدّي للتمييز ضدهم. يقدّم المقال التالي نظرة شاملة حول هذه الوثيقة العلمية المهمّة ويبرز مضامين التعهّد الذي يشرح هذه الظاهرة ويرسم خارطة طريق للقضاء عليها.

بعد سلسلة من المراجعات شملت أكثر من 100 ورقة بحثية، وإجراء دراسة استقصائية متعمقة توصّلت لجنة متعدّدة التخصصات تضمّ 51 عالماً من 18 دولة إلى توافق حول تعهّدٍ بوضع حدّ لمعاناة مرضى السكري الناجمة عن وصمهم أو التمييز ضدهم.

وقد نشر الباحثون نتائج عملهم في مجلة "ذا لانسيت للسّكري والغدد الصمّاء" (The Lancet Diabetes & Endocrinology) في دراسة علمية قدموا فيها العديد من التوصيات والتعهّدات ووضعوا خارطة طريق للقضاء على الآثار الضّارة للمعتقدات والممارسات غير العادلة والسلبية التي يعانيها الكثير من المصابين بالسكّري، الذي يعاني من نوعه الأول أو الثاني نحو 4 من كل 5 بالغين في العالم، ومن المتوقع ارتفاع إجمالي عدد المصابين به في عام 2030 إلى 643 مليون مصاب.

ما الأسباب الحقيقية وراء وصم مرضى السكري؟

أكد الباحثون في نتائج الدراسة أن وصمة مرض السكري ناجمة أساساً عن لوم المرضى أو شيوع التصورات النمطية حول المرض أو العبء الذي يشكّله أو عدم الانتباه إلى المصابين أو الخوف أو الاشمئزاز منهم، وأشاروا في هذا السياق إلى أن المرضى يتعرّضون إلى معاملة غير عادلة ومجحفة.

فمن جانبه يوضح الأستاذ حمزة طارق الزبيدي، المؤلف المشارك في الدراسة من جامعة الشارقة أنهم هدفوا من خلال دراستهم إلى لفت انتباه العالم إلى المعاملة السلبية وغير العادلة التي يتعرّض لها مرضى السكري لمجرّد إصابتهم بهذا المرض.

على سبيل المثال، قد يفترض الناس في بعض الأحيان أن المصابين بالسكري كسالى أو قد يلومونهم على التسبّب بهذه الحالة المرضية لأنفسهم، ونتيجة لذلك يمارسون التمييز ضدهم في جوانب عدّة من الحياة مثل الزواج والتعليم والتوظيف.

لذلك اهتمت الدراسة بالأشكال المختلفة للوصم التي يتعرض لها مصابي السكري بهدف تحديد أسبابها ورصد تأثيرها، وتوصلت إلى نتائج مثيرة للقلق بحسب الزبيدي، إذ وجد الباحثون أن وصمة مرض السكري قد تأتي من عدّة جهات، مثل مقدمي الرعاية الصحية وأفراد الأسرة بل حتّى من الغرباء في مواقع التواصل الاجتماعي.

ويلفت الزبيدي الانتباه إلى أن وصمة العار التي تلحق مرضى السكري لا تؤذي مشاعرهم فحسب، بل قد تضر بصحتهم ورفاهيتهم أيضاً، فمن الممكن أن تدفعهم إلى التكتّم على حالاتهم أو الامتناع أحياناً عن تناول الأدوية أو تجنّب طلب المساعدة، ما قد يؤدي ذلك إلى نتائج صحية أسوأ.

مرضى السكري وحدهم في وجه التمييز!

اكتشفت البروفيسورة البروفيسورة والباحثة بالمركز الأسترالي للبحوث السلوكية في مرض السكري، جين سبايت بمعيّة 50 من زملائها المشاركين في تأليف الدراسة الغياب شبه التّام لأيّ شكل من أشكال الحماية المخصّصة لمرضى السكري، وهي الظاهرة التي أطلقوا عليها اسم "العوامل المحفزة والميسرة لوصمة السّكري"، إذ أشارت الدراسة على سبيل المثال إلى أن القوانين والسياسات لا تحمي في أغلب الأحيان مرضى السّكري من مجمل المعتقدات والممارسات السلبية وغير العادلة السائدة ذات الصلة بمرضهم.

وأكد المشاركون في الدراسة أن وصمة مرض السكري مثل الوصمات المتعلقة بالظواهر الصحية كافة تعتمد في المقام الأول على سلوكيات اللوم والخوف والاشمئزاز الناجمة عن الصور النمطية السلبية والمعلومات الخاطئة التي تحفّزها وتسهّلها الرسائل الإعلامية والخطابات العامة والمؤسسات الصحية ومهنيو الصحة والمعايير الثقافية والاجتماعية والسياسات والقوانين.

كما حذروا من احتمالية خلط هذه العوامل الميسّرة لوصمة السكري بوصمات مشكلات صحية أخرى مثل السّمنة أو الأمراض النفسية، كما يمكن أن تختلف هذه الوصمة من مجتمع إلى آخر وعلى مستوى المجتمع نفسه، وتعكسَ معتقدات صحية واجتماعية وتاريخية وثقافية محلية.

كيف يمكن وقف الوصمة ضد مرضى السكري؟

وظّف أعضاء فريق الدراسة المتعدّد التخصّصات الخبرة التي اكتسبوها باعتبارهم مختصّين في مرض السكري والمعرفة التي جمعوها من مراجعاتهم للأدبيات ذات الصلة بالمرض لكشف مدى انتشار وصمة العار والتمييز ضد مرضى السكري وحدودهما، وتحديد عواملهما المحفزة والميسرة الرئيسة علاوة على عواقبهما والتدخلات اللازمة.

وذكر العلماء أنهم توصلوا إلى اتفاق بالإجماع على تعهّدٍ يهدف إلى وضع حدّ لوصمة السّكري وأصدروا توصيات تساعد على تحقيق ذلك، وأوضح الأستاذ حمزة الزبيدي إن الدراسة توصلت إلى أدلة قاطعة على أن وصمة مرض السكري هي مشكلة صحية عالمية، ومن هنا جاء اتفاق العلماء على التعهد بالقضاء عليها.

كما أكد الزبيدي أن هذا التعهّد يَعِد باتخاذ إجراءات لمواجهة المعاملة غير العادلة وتوعية الذات والآخرين وخلق بيئة أكثر دعماً لمرضى السكري، ويضيف إنها دعوة إلى إنشاء قيادة جماعية تحثّ الجميع على العمل معاً لإحداث تغيير إيجابي، فمن خلال العمل الجماعي يمكننا أن نخلق عالماً يعامَل فيه الجميع باحترام وكرامة بغض النظر عن حالاتهم الصحية.

وقد وجه مؤلفو الدراسة في ختامها دعوة مفتوحة إلى الأفراد والمؤسسات في أنحاء العالم للعمل على دعم المصابين بداء السكري من خلال تحديد الممارسات المحلية التي تسبّب الوصم، وإنجاز البحوث والمبادرات والعمل على السياسات التي تهدف لرفع الوصمة عنهم.

المحتوى محمي