ملخص: الإخوة والأشقاء هم رفاق اللعب الأوائل في طفولتنا، وشركاء الحياة الدائمون، ولكن أيضاً قد يكونون أول منافسينا وأكبر خساراتنا. يختلف تأثير وجود الأخ باختلاف جودة العلاقة بينكما، لكن دراسة حديثة كشفت عن نتائج مثيرة للجدل حول تأثير عدد الأخوة في الصحة النفسية، إليك المزيد من التفاصيل في المقال.
محتويات المقال
لطالما تساءلتُ عن نوعية حياتي وشكلها فيما لو كان لدي إخوة أكثر أو أقل! تعتقد صديقتي، وهي الطفلة الوحيدة في عائلتها، أنها تفتقد الكثير من المرح والدعم. وغالباً ما تغبطني على وجود 4 أشقاء ملازمين لي. فأحاول أن أخفف وطأة مأساتها عبر سرد قصص عن مدى إزعاجهم؛ كيف تستعير أختي ملابسي دون أن تستأذن، وكيف تستحوذ أغراض أخي على كل زاوية في المنزل، وكيف أتجادل مع البقية في كل شيء تقريباً.
فمَن هي الأفضل حالاً منا يا ترى؟ تعكس وجهات النظر المختلفة هذه التجارب والتفضيلات الشخصية لكل فرد، لكنها تثير أيضاً سؤالاً مثيراً للاهتمام: كيف يؤثر عدد الأشقاء في الصحة النفسية؟ هل ثمة عدد أمثل من الأشقاء؟ أم أنها تعتمد على عوامل أخرى؟
وفقاً لدراسة تحليلية أجرتها جامعة ولاية أوهايو الأميركية (Ohio State University) نشرت نتائجها في ديسمبر/كانون الأول 2023 وشملت العينة التي درستها أطفالاً في الولايات المتحدة الأميركية والصين، كلما زاد عدد الأطفال الذين تنجبهم الأسر، ارتفعت مستويات الضيق النفسي للأطفال، فما السبب وراء ذلك؟ إليك المزيد من التفاصيل في سطور المقال.
ما الذي اكتشفته الدراسة؟
لدراسة تأثير عدد الأشفاء على الصحة النفسية، حلل الباحثون بيانات أكثر من 9,400 طالب في الصف الثامن في الصين، ونحو 9,100 طالب أميركي في الصف ذاته، ممن شاركوا في دراسة طويلة الأمد منذ مرحلة رياض الأطفال عام 1988.
كان متوسط عدد الأشقاء في الصين 0.89، بينما بلغ في الشباب الأميركي العادي 1.6، وهو ما يتماشى مع سياسة الطفل الواحد التي تتبعها الصين لتحديد النسل، حيث كان نحو 34% من الأطفال الصينيين وحيدين، بينما كانت نسبتهم في الولايات المتحدة 12.6%.
وبعد إجابة الطلاب على مجموعة من الأسئلة استنتج الباحثون ما يلي:
- في الصين: أبدى المراهقون الذين ليس لديهم أشقاء صحة نفسية أفضل ممن لديهم أشقاء.
- في الولايات المتحدة: كان أولئك الذين ليس لديهم أخ أو شقيق يتمتعون بصحة نفسية مماثلة لمن لديهم إخوة، لكن الآثار السلبية على الصحة النفسية كانت أكثر وضوحاً لدى وجود إخوة أكبر سناً وأشقاء متقاربين في العمر.
اقرأ أيضاً: هل يتنبأ انخفاض جودة الحياة خلال مرحلة الطفولة بالوحدة لاحقاً؟
إذاً، لماذا قد ترتبط زيادة عدد الأشقاء بصحة نفسية سيئة؟
قدّم الباحثون في دراستهم التي نُشرت في مجلة قضايا الأسرة (Journal of Family Issues) عدة تفسيرات لما قد يكون سبباً في ارتباط زيادة عدد الإخوة بتراجع الصحة النفسية، وهي:
- انخفاض الموارد: بناءً على هذه النظرية يمكن وصف الموارد الأبوية، بما في ذلك الاهتمام والوقت، بالفطيرة؛ فإذا كان الطفل وحيداً فقط، سيحصل على جميع الموارد، لكن مع زيادة عدد الإخوة، تقل الحصة من الفطيرة، فتُقسم الموارد من حب واهتمام على جميع الإخوة، ما قد يؤثر سلباً في الصحة النفسية لكلّ طفل.
- التقارب العمري بين الإخوة: يكون التأثير أكثر وضوحاً عندما يكون الإخوة متقاربين في العمر، لأنه من المرجح أن يتنافسوا على نفس أنواع الموارد الأبوية.
- تفسير الانتقائية: يتباين الوضع الاجتماعي والاقتصادي للأسر بتباين عدد أطفالها، حيث تتمتع الأسر التي لديها طفل واحد أو اثنان بوضع اجتماعي واقتصادي جيد، وهو ما ينعكس إيجاباً على الصحة النفسية للطفل.
اقرأ أيضاً: ما دور الرابطة الأخوية في بناء هويتنا؟
العلاقات الأخوية السامة: ما الذي قد يزيد المشكلات بين الأخوة؟
وفقاً لمستشار العلاج النفسي وعضو الجمعية العالمية للصحة النفسية، الطبيب أحمد هارون، يزداد الشرخ بين الإخوة، عندما يوجد بينهم حقد وغيرة وأذية، وهو ما قد يؤثر على صحتهم النفسية. على وجه العموم، تزداد حدة المشكلات بين الإخوة لعدة أسباب أهمها:
محاباة الوالدين
يمكن أن تنتج علاقات أخوية سامة محددة إذا كان الوالدان غير متاحين أو مكتئبين أو عدوانيين أو نرجسيين أو مسيطرين.
الطفل الذهبي والخروف الأسود
على الرغم من أن الكثيرين ينكرون ذلك، إلا أن الآباء غالباً ما يفضلون طفلاً على الآخر. حيث يشير مصطلح الخروف الأسود كبش الفداء إلى الطفل الذي غالباً ما يتم إلقاء اللوم عليه عندما تسوء الأمور، وتُسقط الأسرة كل المشاكل عليه.
في المقابل، يُستخدم مصطلح الطفل الذهبي إشارة للطفل الذي يُسقط الوالدان عليه تطلعاتهم. من المتوقع أن يتفوق الطفل الذهبي في كل شيء، ويتم الاحتفال بإنجازاته على حساب الطفل الخروف الأسود.
الطفل الناضج والطفل الأبدي
الطفل الناضج هو الطفل الذي ينضج قبل عمره، ويتحمل مسؤولية ويكون أكثر انضباطاً. إنه يفعل كل ما هو متوقع منه، غالباً لأن الامتثال المطلق كان مطلوباً منه في السابق، فيهمل احتياجاته ورغباته، ما قد يؤدي إلى إرهاقه.
في المقابل، يكره الطفل الأبدي الحدود والقيود والالتزام، ولا يبذل جهداً لتحقيق أحلام والديه، وغالباً ما يصبح فرداً لا يمكن الاعتماد عليه. يؤدي هذا التباين بين الطفلين إلى أن يحسد الشخص الناضج، بوعي أو بغير وعي، الطبيعة الخالية من الهموم لأخيه الأصغر (الطفل الأبدي)، ما قد يؤدي إلى توتر العلاقة بينهما.
التنمر بين الأشقاء
أحياناً يمكن أن يؤدي التنمر بين الإخوة إلى الاكتئاب وإيذاء النفس، أو تعليم الضحايا بدورهم التنمّر على الآخرين.
المقارنة بين البالغين
عندما يقارن الوالدان أخاً بآخر، قد يؤدي ذلك إلى الإضرار باحترام الذات لدى الشخص الذي يشعر بأنه يتم الحكم عليه، علاوة على أن ذلك يخلق انقساماً بين الأشقاء ويدفعهم إلى مزيد من التباعد.
اقرأ أيضاً: لماذا يغار أطفالي من بعضهم بعضاً؟
الضغط الناتج عن معاناة أحد الإخوة
إذا كان أحد الإخوة يعاني مرضاً جسدياً أو نفسياً، فقد يتسبب ذلك في إجهاد الأسرة بأكملها، بما في ذلك الأشقاء الآخرين.
نمذجة السلوك غير الصحي
يمكن للأخ الذي ينخرط في سلوك غير صحي أن يؤثر على أشقائه الأصغر سناً ليفعلوا الشيء نفسه. على سبيل المثال، وجدت دراسة منشورة في دورية الدواء (Medicine) أن الأطفال الذين لديهم أخ مدمن غير شقيق كانوا أكثر عرضة بنسبة 65% لتعاطي المخدرات والاكتئاب وسلوك إيذاء النفس والتجارب الذهانية مثل الهلوسة والأوهام قبل أن يبلغوا 15 عاماً.
اقرأ أيضاً: رسالة من طبيب نفسي: الحب بين الأشقاء أقوى من الخلافات
نظرة إلى الجانب المضيء: ما التأثيرات الإيجابية لوجود الإخوة؟
من الناحية الأخرى، لا تأخذ البيانات السابقة في الاعتبار جودة علاقات الإخوة، إذ يمكن للإخوة أو الأشقاء أن يتمتعوا بعلاقة جيدة. وكما تصف أستاذة علم النفس التطبيقي في جامعة نورث إيسترن الأميركية (Northeastern University)، لوري كرامر (Laurie Kramer)، فقد يكون الإخوة رفاق اللعب الأوائل في طفولتنا، والشركاء مدى الحياة. إذ إن الوالدين لا يبقيان معك طوال الحياة، كما إن الشركاء الرومانسيين والأصدقاء يأتون ويذهبون ويمكن تعويضهم دائماً، لكن الأشقاء موجودون دائماً وطوال حياتك. ومع هكذا علاقة صحية طويلة الأمد، لا بدّ من وجود العديد من الآثار الإيجابية المتبادلة فيما بينهم، ومن أهمها:
- المهارات الاجتماعية: في مرحلة الطفولة المبكرة، يساعد الأشقاء في تطوير اللغة والتفاعلات الاجتماعية وتأكيد الذات والمشاركة، حيث يميل الأطفال الصغار جداً الذين لديهم أشقاء أكبر سناً إلى تطوير "نظرية ذهنية"؛ أو القدرة على وضع أنفسهم مكان الآخرين، في مرحلة عمرية مبكرة قليلاً نسبة لأقرانهم.
- حل النزاعات: يمكن للتفاعلات مع الأشقاء أن تُعلم الأطفال كيفية حل النزاعات، من خلال اختبار الأشقاء الأكبر سناً مهارات القيادة وحل النزاعات على إخوانهم الأصغر سناً.
- التعاطف: الأشقاء الأصغر سناً يمكنهم تعليم التعاطف لإخوتهم الأكبر سناً. كما بينت دراسة نُشرت في مجلة البحوث في فترة المراهقة (Journal of Research on AdolescenceJournal of Research on Adolescence)، أن النشأة مع أخ يمكن أن تجعلك شخصاً أكثر تعاطفاً.
اقرأ أيضاً: دراسة حديثة: وجود أخت لك يجعلك أكثر تفاؤلاً ولطفاً وسعادة
- التحصيل الأكاديمي: يمكن للأشقاء الكبار أن يكونوا المعلم الأفضل لإخوتهم الصغار.
- تعزيز الصحة النفسية: قد يساعد وجود الأخ على التهدئة عن طريق خفض هرمون التوتر في الجسم (الكورتيزول)، وفقاً لدراسة نُشرت في دورية علم النفس.
- تحسين مهارات التواصل: كشفت دراسة أجريت عام 1983، ونُشرت في مجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي (Journal of Personality and Social Psychology) أن وجود أخ من الجنس الآخر كان له دور في أن يتمكن الفرد من إيجاد شركاء رومانسيين محتملين خلال المرحلة الجامعية.