9 إرشادات فعالة تساعدك على الوقاية من اكتئاب التقاعد

6 دقيقة
اكتئاب التقاعد
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: هناك العديد من الأسباب التي قد تؤدي إلى الإصابة بالاكتئاب؛ من بينها التقاعد من العمل، وعلى الرغم من أننا قد نشعر أنها مرحلة الحرية والتخلص أخيراً من وثاق العمل الغليظ الذي يربطنا بإحكام ولا يسمح لنا بالانفلات، فإن بعض الأشخاص يشعرون بالاكتئاب بعد التقاعد، فما سبب هذا الاكتئاب؟ تُمكنكم معرفة ذلك من خلال هذا المقال.

يقضي الكثير من الأشخاص أوقاتاً طويلة في تصور التقاعد المثالي؛ سواء كان ذلك بالسفر حول العالم، أو قضاء المزيد من الوقت مع العائلة والأصدقاء، أو ممارسة هوايات مثل الرسم والطبخ أو ببساطة الاستمتاع بحرية الاسترخاء. في البداية، قد يبدو الهروب من ضغط العمل اليومي والاستيقاظ مبكراً كل صباح والتنقلات الطويلة في المواصلات راحةً كبيرة، ومع ذلك، يشعر بعض المتقاعدين بالحزن والاكتئاب بدلاً من الحرية والاسترخاء والرضا، فما أسباب اكتئاب التقاعد؟ وكيف يمكن أن تقي نفسك منه؟ الإجابة في هذا المقال.

ما هو اكتئاب التقاعد؟

يشير اكتئاب التقاعد (Retirement depression) إلى حالة يشعر فيها الأشخاص بمشاعر الحزن أو القلق أو الاكتئاب بعد تقاعدهم من حياتهم المهنية أو وظائفهم الطويلة الأمد. وفي سياق متصل، تؤكد مختصة علم النفس السريري، ريتوبارنا غوش (Rituparna Ghosh)، إن اكتئاب التقاعد هو استجابة عاطفية ونفسية إلى التغيير والتحول الكبير الذي يحدث في حياة المتقاعدين بعد مغادرة العمل للأبد.

ما مراحل التقاعد الخمس؟

يختلف التقاعد بين شخص وآخر؛ ولكنه عادة ما يحدث على مراحل، ويمكن أن تساعدك معرفة المرحلة التي تمر بها في الدراية باحتياجاتك والتخطيط جيداً لما سيأتي بعد ذلك، وعادة ما تنقسم مراحل التقاعد إلى:

  1. ما قبل التقاعد: هي الفترة التي عادة ما يُخطَّط خلالها مالياً وعاطفياً ونفسياً لليوم الكبير، وغالباً ما يكون هذا الوقت ممتعاً ومثيراً للأعصاب في الوقت نفسه؛ حيث يتطلع الكثير من الأشخاص إلى هذه المرحلة لأنهم سيحصلون أخيراً على الراحة والاسترخاء بعد قضاء فترة روتين عمل تزيد على 20 عاماً.
  2. بداية وقت التقاعد: وهي مرحلة مثيرة للحماس ومليئة بالأنشطة الجديدة والشعور بالحرية، وتوضح مديرة برنامج استشارات الصحة النفسية السريرية في جامعة سانت ماري ( Mary's University)، ميلاني هاربر (Melanie Harper)، إن هذه المرحلة تُسمى "شهر عسل التقاعد" لأنها ممتعة ويمكن للمتقاعد خلالها أن يفعل ما يريد.
  3. خيبة الأمل: بعد أن تزول حالة الإثارة والحماسة والمتعة تأتي مرحلة الملل، ثم بعدها يشعر المتقاعدون بخيبة الأمل ويبدؤون في التساؤل: "هل ستمضي الحياة على هذه الوتيرة طوال العمر المتبقي؟". بعد ذلك، ينبثق الاكتئاب من رحم هذه المشاعر السلبية؛ حيث يدرك المتقاعدون أن خططهم التي رسموها لم تحقق لهم الرضا.
  4. إعادة التوجيه: وتعد هذه المرحلة هي الأصعب؛ لأنها تتضمن طرح الأسئلة الصعبة وإعادة التعرف إلى ما يناسبك وما لا يناسبك حتى تتمكن من تحقيق أقصى استفادة من تقاعدك.
  5. الاستقرار: وهذه هي المرحلة النهائية التي يصل إليها بعض المتقاعدين، وذلك حين يجدون أنفسهم قد وصلوا إلى الاستقرار في نمط حياة مريح ومُرضٍ يلبي احتياجاتهم.

اقرأ أيضاً: كيف يصبح التقاعد فرصة للازدهار لا الذبول؟

8 أعراض لاكتئاب التقاعد 

توصلت دراسة بحثية نشرتها المكتبة الوطنية للطب (National Library of Medicine NLM) عام 2022 إلى نتيجة مفادها أن المتقاعدين أكثر عرضة إلى الإصابة بالاكتئاب بمقدار الضعفين مقارنة بأولئك الذين ما زالوا يعملون، وعادة ما تتجسد أعراض اكتئاب التقاعد في:

  1. الحزن.
  2. الشعور بانعدام القيمة.
  3. صعوبة التركيز.
  4. الإحساس باليأس.
  5. الألم الجسدي غير مبرر وخاصة آلام الظهر والصداع.
  6. فقدان الشهية.
  7. اضطرابات النوم.
  8. فقدان الاهتمام بالأشياء التي سبق الاستمتاع بها.

ما أسباب الإصابة باكتئاب التقاعد؟

تشرح المعالجة النفسية جورجينا ستورمر (Georgina Sturmer) إن المتقاعدين يشعرون في بداية الأمر وكأنهم فازوا بجائزة كبرى؛ حيث يمكنهم قضاء الوقت في ممارسة الأنشطة جميعها دون التقيد بمواعيد العمل، ومع ذلك، وبعد مرور وقت قصير، تأتي مرحلة التعاسة والحزن والاكتئاب وذلك نتيجة أسباب عديدة أهمها:

  1. الشعور بفقدان الهوية: توضح المختصة النفسية ومؤلفة كتاب "عكس الأدوار: كيف تعتني بنفسك وبوالديك المسنين" (Role Reversal, How to Take Care of Yourself and Your Aging Parents)، إيريس وايتشلر (Iris Waichler)، إن الكثير من الأشخاص ينظرون إلى العمل على أنه يوفر لهم المعنى والهدف من حيواتهم ولذلك؛ حين تنتهي وظائفهم، يصعب ملء هذا الفراغ بأي شيء آخر. وتضيف وايتشلر إن العمل يمكن أن يحقق مكافآت نفسية مثل الشعور بالإنجاز والرضا، علاوة على أنه يوفر فرصاً للتواصل الاجتماعي والتحفيز الفكري، وحين ينتهي ذلك كلّه، يقع الفرد بسهولة فريسة للاكتئاب.
  2. العزلة الاجتماعية: يمكن أن يؤدي التقاعد إلى تفاقم الإحساس بالعزلة الاجتماعية، خاصة إذا كان العمل هو المصدر الرئيس للعلاقات والصداقات.
  3. المخاوف المالية: التقاعد لا يعني مجرد ترك الوظيفة؛ إنه تحول كبير في الحياة يزعزع الاستقرار، وخاصة الاستقرار المالي؛ حيث تؤدي المخاوف المالية بشأن الاستقرار المالي إلى زيادة الشعور بالقلق والاكتئاب.
  4. تغير الروتين اليومي: لا يوجد جدول عمل منظم بعد التقاعد، وعلى الرغم من أن هذا الأمر في البداية عادة ما يكون باعثاً على الراحة والاسترخاء، فمع مرور الوقت يبدأ بعض الأشخاص في الشعور بالضياع أو بفقدان الهدف اليومي.
  5. المخاوف الصحية: أحد الأسباب الرئيسة التي تجعل التقاعد أمراً صعباً هو أنه يذكّر بعض الأشخاص بالشيخوخة؛ ومن ثَمَّ يفكرون أحياناً في اقتراب وفاتهم، وعلى الرغم من أن المتقاعدين عادة ما يتمتعون بالعديد من سنوات النشاط، فإن المخاوف من الموت، والمرض، والعجز، والشعور بالوحدة، وفقدان الأحباء يمكن أن تتسلل إليهم بسهولة.
  6. الشعور بعدم الجدوى: يربط كثير من الناس وظائفهم بهوياتهم؛ فما يفعلونه هو ما يمثلهم، ويقطع التقاعد هذا الارتباط؛ ما يجبر المتقاعدين على إعادة تعريف أنفسهم خارج سياق العمل، ويترك البعض يتساءلون عن مدى فائدتهم بالنسبة إلى المجتمع؛ ولهذا قد يشعرون بعدم الجدوى.

اقرأ أيضاً: 5 نصائح لمحاربة الضغط النفسي في مرحلة التقاعد

9 إرشادات فعالة لتقي نفسك من اكتئاب التقاعد

قبل وقت التقاعد، كنت تقضي الكثير من عدد الساعات في العمل؛ ولهذا قد تشعر ببعض الارتباك بعد التقاعد. إذا داهمك اكتئاب التقاعد وجعل حياتك في حالة من الفوضى، فعليك اتباع الإرشادات التالية:

  1. حدد سبب شعورك بالحزن والاكتئاب: هناك أسباب مختلفة قد تجعلك تشعر بالاكتئاب بعد التقاعد. على سبيل المثال؛ قد يكون السبب عدم وجود وظيفة تذهب إليها، أو لأنك لا تقضي الكثير من الوقت مع الأصدقاء والعائلة كما كنت تتوقع. وبالنسبة إلى بعض المتقاعدين، فإن الاضطراب في روتينهم اليومي هو المشكلة الأكبر. لذا؛ فكر في السبب الذي يجعلك تشعر بالاكتئاب، وإذا واجهت مشكلة في ذلك فحاول الاحتفاظ بمذكرة لتسجيل أفكارك كل يوم.
  2. ابقَ نشيطاً ومارس التمارين الرياضية: يعمل النشاط البدني المنتظم على تحسين الصحة النفسية والجسدية؛ فهو يعزز مستويات الطاقة والتوازن والقوة والمرونة ويعزز الشعور بالسعادة، وتعد ممارسة التمارين الرياضية واحدة من أفضل الطرائق التي تساعد على الوقاية من الاكتئاب. وبالنسبة إلى الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 60 عاماً أو أكبر، توصي مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها بممارسة ما يصل إلى 150 دقيقة من النشاط البدني أسبوعياً.
  3. ضع روتيناً جديداً: يمكن أن يكون وجود روتين يومي مُطَمئناً لأنه يضفي بعض القدرة على التنبؤ بالأنشطة اليومية؛ ولذلك إذا كنت تواجه صعوبة في كيفية قضاء وقتك أو تشعر بالارتباك دون وجود جدول زمني محدد للالتزام به، فاعمل على إنشاء جدول زمني جديد.
  4. خطط لحياتك التقاعدية: بعد أن تبدأ فترة التقاعد، فكر فيما قد تفتقده في مكان العمل؛ مثل الروابط الاجتماعية، والتحفيز، والتحدي، والشعور بالهدف. بعد ذلك، خطط لكيفية دمج تلك الأمور في حياتك التقاعدية. يمكنك على سبيل المثال تعلُّم هواية جديدة أو الانضمام إلى نادي كتاب أو الحصول على درجة أكاديمية؛ إنها فرصتك لتقرر ما تريد أن تفعله بوقتك.
  5. توصل مع متقاعدين آخرين: إذا كنت تشعر بالاكتئاب بسبب التقاعد، فاعلم أنك لست وحدك، فقد يكون هناك شخص ما في دائرتك الاجتماعية أو شخص تعرفه جيداً يواجه أيضاً صعوبة في التكيف مع التقاعد. يمكن أن يُكسبك التواصل مع هؤلاء الدعم المتبادل في أثناء التعامل مع التحديات النفسية والعاطفية التي قد يسببها التقاعد.
  6. افعل ما يجعلك سعيداً: لقد عملت بجد طوال حياتك وتستحق بعض الراحة والاسترخاء، وإذا كان هذا ما يجعلك سعيداً حقاً فافعله؛ ولكن هناك بعض الأشخاص الذين يجدون الراحة مملة وغير مُرضية لهم، وإذا كنت من هؤلاء فانهض من على الأريكة المريحة وابحث عن الأنشطة التي تمنحك السعادة.
  7. تطوع: ينصح مختص الإرشاد النفسي، عبد الله سافر الغامدي، بضرورة ممارسة التطوع بعد التقاعد؛ حيث يساعد العمل التطوعي على شعور الأفراد بالإنجاز، علاوة على أنه يفيد المجتمع ويعزز القيمة الذاتية ويوسع دائرة المعارف الاجتماعية.
  8. تقبل التغيير: على الرغم من أنه جزء لا مفر منه من الحياة، فإن التعامل مع التغيير نادراً ما يكون سهلاً. ومع تقدمنا في السن، قد يبدو أن الحياة تتغير بمعدل متسارع باستمرار؛ يغادر الأطفال المنزل، وتفقد الأصدقاء والأحباء، وتتزايد التحديات الجسدية والصحية، ويلوح التقاعد في الأفق، من الطبيعي الاستجابة إلى هذه التغييرات بمجموعة من المشاعر المختلطة والمتضاربة في كثير من الأحيان؛ ولكن عليك تقبل التغيير، فكلما كنت أكثر مرونة، كنت أكثر قدرة على التعامل مع التحديات.
  9. اعترف بمشاعرك: لا توجد طريقة صحيحة أو خاطئة للتعامل مع المشاعر. حين تواجه حدثاً كبيراً في حياتك مثل التقاعد، لا تحاول إجبار نفسك على الشعور بطريقة معينة، سواء كنت تشعر بالغضب أو اليأس أو القلق أو الحزن أو مزيج من المشاعر، فمن خلال الاعتراف بما تشعر به وقبوله، ستجد أنه حتى المشاعر الأكثر حدة أو غير السارة سوف تمر قريباً.

في النهاية، علينا جميعاً أن ندرك أن هناك بعض الأشياء التي تحدث معنا في الحياة ولا يمكننا تغييرها؛ علينا تقبلها فحسب، فحين نحاول السيطرة على أمور حيواتنا كافةً، يكون الأمر مرهقاً وغير مُجدٍ. لهذا؛ مهما كانت ظروف تقاعدك، حاول تقبلها من خلال إعادة تركيز طاقتك على الأمور التي تجعلك سعيداً، لقد عملت جاهداً طوال سنوات ولذلك اسمح لنفسك بالاسترخاء.

المحتوى محمي