ملخص: هناك الكثير من الأشخاص الذين يقلقون بشأن صحتهم أكثر من اللازم ويظنون دائماً أنهم مصابين بأمراض خطِرة، فإذا أصيب أحدهم بالإنفلونزا ظن أنها التهاب رئوي؛ أما إذا استيقظ وشعر بألم ناحية اليسار فقد يعتقد أنه مصاب بالقلب، ويُطلق على هذه الحالة الطبية اسم "اضطراب القلق من المرض"؛ وهو اضطراب نفسي قد يؤدي إلى الوفاة المبكرة وفقاً لما ذكرته دراسة طبية حديثة.
محتويات المقال
من الطبيعي أن يقلق الناس بشأن صحتهم بين الحين والآخر؛ لكن هناك بعض الأشخاص ممن لديهم مخاوف مفرطة وغير واقعية بشأن صحتهم وغالباً ما يسيئ هؤلاء الأشخاص تفسير المشكلات الصحية البسيطة أو وظائف الجسم الطبيعية على أنها أعراض لمرض خطِر؛ مثل شخص متأكد من أن الصداع سببه ورم في المخ أما السعال فهو بسبب سرطان الدم! ويُطلق الأطباء على هذه الحالة اسم "اضطراب القلق من المرض" (Illness Anxiety Disorder)، وقد توصلت دراسة علمية حديثة أجراها باحثون سويديون وُنشرت في ديسمبر/كانون الأول 2023 إلى نتيجة مفادها أن الأشخاص الذين يشعرون بالقلق المفرط بشأن صحتهم يميلون إلى الموت مبكراً مقارنة بأولئك الذين لا يشعرون بذلك، فما قصة القلق المفرط من الإصابة بالمرض؟ وهل يمكن أن يؤدي إلى الوفاة مبكراً؟ الإجابة يتضمنها هذا المقال.
ما هو اضطراب القلق من المرض؟
وفقاً لما ذكرته مدونة هارفارد الطبية (Harvard Health Blog)؛ فإن اضطراب القلق من المرض (Illness anxiety disorder IAD) هو خوف مستمر من الإصابة بمرض طبي خطِر على الرغم من وجود أعراض قليلة أو معدومة. وفي السابق، كان يُطلق على هذه الحالة الطبية اسم "الوسواس المرضي"؛ ولكن أُزيلت حالة الوسواس المرضي من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية، الطبعة الخامسة (DSM-5)؛ لأن المصطلح له دلالات سلبية ويحمل فكرة الوصم المرتبطة بكلمة "وسواس" التي توحي بأن المريض يدّعي المرض أو يزيف الأعراض؛ ولكن الحقيقة هي أن المرضى لا يزيفون الأعراض بل إنهم يعتقدون بالفعل أنهم مرضى!
وفي هذا السياق، يؤكد أستاذ كلية الطب بجامعة هارفارد (Harvard Medical School) ومؤلف كتاب "القلق من المرض: سعينا المضطرب من أجل العافية" (Worried Sick: Our Troubled Quest for Wellness)، آرثر بارسكي (Arthur Barsky)، إن المرض غالباً ما يصبح جزءاً من هوية الشخص المصاب باضطراب القلق من المرض. وعلى عكس ما يعتقده الكثيرون، فإن هؤلاء الأشخاص لا يتظاهرون ولا يحاولون جذب الانتباه؛ إنهم يشعرون حقاً بالقلق الشديد، وكل ما في الأمر هو أن مشاعرهم ليس لها أي أساس طبي!
8 أعراض لاضطراب القلق من المرض
يمكن للأشخاص الذين يعانون اضطراب القلق من المرض أن يشعروا بالضيق والقلق الشديدَين إلى درجة أنهم يجدون صعوبة في القيام بالمهام اليومية العادية. ووفقاً لما ذكره مختص الطب النفسي محمد شكور؛ فإن المصابين بهذا الاضطراب يصممون على إصابتهم بالأمراض الخطِرة على الرغم من نفي الفحص الطبي وجودَ أي حالة مرضية، وعادة ما تتجسد أعراض هذا الاضطراب في:
- التفكير كثيراً في الإصابة بمرض خطِر.
- زيارة الطبيب باستمرار والخضوع إلى التحاليل الطبية.
- التحدث عن الصحة كثيراً مع الأصدقاء والعائلة.
- معاناة اضطرابات النوم.
- قضاء الكثير من الوقت على الإنترنت بحثاً عن أعراض المرض.
- الهوس بوظائف الجسم الطبيعية؛ مثل معدل ضربات القلب.
- وجود شكوك مستمرة في أن الطبيب قد أخطأ في إجراء التشخيص الحقيقي.
- تجنب الأشخاص أو الأماكن أو الأنشطة خوفاً من المخاطر الصحية.
ما الأسباب المؤدية إلى الإصابة باضطراب القلق من المرض؟
لا يعرف خبراء الرعاية الصحية سبب إصابة بعض الأشخاص باضطراب قلق المرض؛ لكن هناك عوامل قد تسبب تفاقم هذا الاضطراب مثل:
- صدمات الطفولة: يُعد وجود تاريخ من إساءة معاملة الأطفال أو إهمالهم جسدياً أو عاطفياً عامل خطر للإصابة باضطراب قلق المرض؛ كما أن الإصابة بمرض خطير أو متكرر في أثناء الطفولة قد تُضاعف الإحساس بهذا الاضطراب.
- التاريخ الصحي العائلي: قد ينجم اضطراب قلق المرض من وجود أحد أفراد الأسرة الذي يعاني اضطراب قلق المرض، والاضطراب لا يحدث في هذه الحالة بسبب العوامل الوراثية فحسب؛ حيث يؤدي التعلم بالملاحظة عبر محاكاة السلوكيات دوراً أيضاً، وهو أكثر شيوعاً عند الأطفال الذين يميلون إلى تقليد سلوكيات الكبار.
- الضغط النفسي: يمكن أن تظهر أعراض اضطراب قلق المرض أو تتفاقم بعد تعرضك إلى ضغوط حياتية كبيرة؛ كما هي الحال عندما تُشخَّص إصابة أحد أفراد أسرتك بمرض عضال.
- الشعور بعدم اليقين: قد تجد صعوبة في تحمل عدم اليقين بشأن أحاسيس الجسم غير المريحة أو غير العادية؛ وهذا قد يدفعك إلى إساءة تفسير أن أحاسيس الجسم كلها خطِرة، فتبحث عن أدلة تؤكد إصابتك بمرض خطِر.
- الإصابة باضطرابات نفسية أخرى: اضطراب قلق المرض يأتي أحياناً بالتزامن مع اضطرابات نفسية أخرى مثل القلق، أو اضطراب الوسواس القهري، أو اضطراب الاكتئاب الشديد، أو اضطراب الهلع والرهاب المحدد.
دراسة حديثة: اضطراب القلق من المرض يمكن أن يؤدي إلى الوفاة المبكرة
وجدت دراسة بحثية سويدية حديثة نُشرت في دورية جاما للطب النفسي (JAMA Psychiatry) في ديسمبر/كانون الأول 2023، أن الأشخاص الذين شُخِّصت إصابتهم باضطراب القلق من المرض كانوا أكثر عرضة إلى الوفاة مبكراً بنسبة 84% من الأشخاص الذين لا يعانون هذا الاضطراب.
وقد تتبّع الباحثون خلال هذه الدراسة نحو 42,000 شخص؛ منهم 1,000 شخص مصاب باضطراب القلق من المرض (IAD) على مدار عقدين من الزمن. خلال تلك الفترة، كان الأشخاص الذين يعانون هذا الاضطراب أكثر عرضة إلى الوفاة؛ ففي المتوسط يموت الأشخاص القلقون أصغر بـ 5 سنوات.
وقد وضحت الدراسة أن الأشخاص المصابين بهذا الاضطراب كانوا يموتون لأسباب طبيعية مثل الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية وأمراض الجهاز التنفسي وكذلك السرطان؛ أما السبب الرئيس للوفاة غير الطبيعية فقد كان الانتحار.
وفي هذا السياق، يشرح أستاذ علم الأعصاب والطب النفسي، ماتيكس كولز (Mataix-Cols)، إن مرضى اضطراب قلق المرض يعانون اليأس. وأضاف كولز إن هؤلاء الأشخاص يموتون لأن المحيطين بهم يقللون من مخاوفهم بشأن صحتهم؛ وهذا قد يدفعهم إلى العلاج الذاتي وتعاطي المخدرات. وفي بعض الأحيان، قد يتجنب بعض المرضى زيارة الطبيب خوفاً من تشخيص إصابتهم بمرض خطِر.
كيف يمكن علاج اضطراب القلق من المرض؟
العلاج الأفضل لاضطراب القلق من المرض هو العلاج النفسي؛ وذلك لأنه يستهدف الآلية الإدراكية والمعرفية التي يُعتقد أنها تكمن وراء الاضطراب؛ وذلك مثل:
- العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يساعد هذا العلاج المرضى على تحديد مسبباتهم، وتقليل مخاوفهم، وتعزيز استراتيجيات التكيف الخاصة بهم، علاوة على أنه يعلمهم المهارات التي يمكن أن تساعدهم على إدارة اضطرابهم، وتتضمن بعض فوائد العلاج السلوكي المعرفي ما يلي:
- تحديد مخاوفك ومعتقداتك المتعلقة باضطراب القلق من المرض.
- زيادة وعيك بكيفية تأثير مخاوفك فيك وفي سلوكك.
- الاستجابة إلى أحاسيس الجسم وأعراضه بطريقة مختلفة.
- التعامل مع القلق والتوتر بأسلوب أفضل.
- تجنب فحص جسمك بحثاً عن علامات المرض والبحث المتكرر عن الطمأنينة بأنك بصحة جيدة.
- تعلم التوقف عن تجنب المواقف والأنشطة بسبب الأحاسيس الجسدية.
- العلاج الدوائي: إذا كان اضطرابك وقلقك من المرض يتحسن مع العلاج النفسي وحده، فهذا كل ما سيُستخدم لعلاج حالتك بصفة عامة؛ ولكن هناك بعض الأشخاص الذين لا يستجيبون إلى العلاج النفسي، وفي هذه الحالة فقد يوصي الطبيب المعالج بالأدوية مثل:
- مضادات الاكتئاب مثل مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs).
- مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين والنورإبينفرين (SNRIs).
- التكيف: بالإضافة إلى خطط العلاج الرسمية، تُمكن ممارسة استراتيجيات التكيف التي يمكن أن تساعد على تخفيف أعراض اضطراب قلق المرض في الحياة اليومية؛ مثل:
- العمل على تغيير أنماط التفكير من خلال كتابة الأفكار القلقة ووضع أفكار بديلة صحية بجانبها.
- ممارسة تمارين التنفس والاسترخاء.
- تجنب الرغبة في البحث عن أعراض الأمراض على الإنترنت.
- تناول طعام صحي متوازن.
- الحصول على قسط كافٍ من النوم.
- التركيز على الهوايات والأنشطة الممتعة.