بعد مرور بضعة أشهر أو سنوات في الحياة الزوجية، يشعر البعض أنه لم يعد لديهم أي شيء يقولونه لشريك حياتهم. هذا الصمت الطارئ لا يعني نهاية الحياة الزوجية؛ بل قد ينطوي على معانٍ أخرى كثيرة. إليكم بعض التوضيحات.
في حياة الزوجين، قد يكون للصمت أسباب عديدة: الروتين، الملل، الأشياء المسكوت عنها... يمكن أن يكون هذا الصمت مقلقاً بالنسبة "للأزواج المسنين"؛ ولكنه مقبول أكثر "للأزواج الشباب" الذين لا يزالون يحتفظون بقسط من الارتياب. ومع ذلك، فإن غياب الحوار بين الشريكين، لا يعني بالضرورة نهاية الحياة الزوجية، ومن الممكن تجاوز هذه المحنة.
الصمت ينطوي على معنىً مختلف، بحسب أقدمية الحياة الزوجية
بالنسبة للأزواج الشباب؛ قد يكون من الصعب تقدير ما يجب قوله، وما لا يجب قوله للشريك الجديد. لا تزال العلاقة في هذه الحالة في طور البناء، والكلمة لم تبلغ بعدُ مرحلة التحرر التام: "بعض الأزواج يبدؤون حياتهم بفترات صمت ممتدة بسبب خجلهم أو شعورهم بقدر من الكبت، أو خوفهم من التسبب في إلحاق الأذى، أو حتى خشيتهم من قول أكثر مما يجب. وأحياناً ينتشر جو من الارتياب والتوجس الذي يعود إلى جراح سابقة" وذلك وفقاً لما توّضحه ليندا وداد؛ أخصائية علم النفس السريري. الحوار يأخذ مكانه تدريجياً، شيئاً فشيئاً، دون الحاجة إلى فرضه أو القلق بشأنه.
أما بالنسبة للذين عاشوا معاً بضع سنوات؛ يمكن أن يكون الصمت مدعاة لقلق حقيقي، باعتباره أحد الأعراض التي تشير إلى وجود خلل ما بين الشريكين، وعلامةً على أن الحياة الزوجية تتآكل. لكن يُنصح مع ذلك بطرح الأسئلة لمعرفة ما إذا كان نقص الحديث ينطبق فقط على الشريك الذي تُحب، أو على المحيط بأكمله. بالنسبة إلى ليندا وداد: "من المهم التساؤل ما إذا كان هذا الصمت يخص الزوجين، أم ينحصر في الفرد فحسب. يمكننا أن نعتقد بسهولة أن سبب ذلك يعود لما نشعر به من تعاسة في حياتنا الزوجية، بينما تكون المشكلة فرديةً في المقام الأول".
بين الحديث والتواصل، الفروق الدقيقة التي لها وزنها
يُستخدم لفظا التحدث والتواصل عادةً وكأنهما مرادفان، في حين يوجد بينهما فارق جوهري من المهم الإشارة إليه. يتم التحدث عبر استخدام الصوت بواسطة الكلمات، ويمكننا التحدث إلى أي شخص على وجه الأرض، لأننا عندما نتحدث أحياناً، نفعل ذلك لمجرد "ملء لحظات الصمت"، في حين يتم التواصل عبر الصوت من خلال الأحاسيس، والنظرات المعبرة. كما أنه من الصعب جداً التواصل مع الجميع، لذا لا يمكننا التواصل بشكل فعلي إلا مع أحبائنا، ومن جملتهم؛ شريكنا في الحياة. تُلاحِظ الطبيبة النفسية أن "هناك أزواجاً يتحدثون مع بعضهم البعض؛ لكنهم لا يقولون شيئاً يُذكر". التواصل شيء شامل متكامل، يتشكل من كلمات حب، واعتناء بالآخر وتقديره، وإيماءات رقيقة، وضحك ... وحتى لحظات صمت! ".
وتضيف قائلةً: "ليس هناك شيء أكثر روعةً من الجلوس بجوار من تحب دون الحاجة إلى قول أي شيء لبعضكما البعض - فقط التحاضن بسعادة". يتحقق التواصل من خلال النظرات، ومن خلال الضحك بعد ملاحظة الاثنين للحدث الطريف نفسه، ومن خلال عناق ... بين الزوجين، ليست هناك حاجة للثرثرة العقيمة التي ألِفناها في بعض المحادثات داخل مجتمعاتنا". مع شريكنا، لسنا بحاجة إلى ملء الصمت لتجنب الإحراج. الجلوس معاً، دون أن يكون لدينا أي شيء خاص نقوله، ومجرد قضاء بعض الوقت معاً، هو أمر مفيد للزوجين، ولا يشكل البتة علامة نهاية الحياة الزوجية. التحدث إلى بعضنا البعض يجب أن يكون متعةً وليس أمراً إجبارياً.
لكن توجد مع ذلك حالات من الضروري فيها التحدث: عندما يكون أحد الزوجين في حالة غضب مع شريك حياته، ويلومه على شيء ما. في هذه الحالة؛ لا بد من الحديث والتعبير عن مكمن الخلل، لأن السكوت عنه قد يؤدي إلى انقطاع كامل في العلاقة. كما تشرح الطبيبة النفسية: "الغضب مثله مثل وجود سد في أنبوب العلاقة يعطل التواصل. إذا لم يتحدث الشخص الغاضب، فلن يستطيع شريكه فهمه ويتعذر عندئذ تحسين الوضع".
الصمت ليس نهائياً
حتى في حالة ترسخ الصمت في حياة الزوجين، فلا يعني ذلك انتهاء العلاقة واستحالتها؛ لكن يعني بالمقابل أنه يتعين تغيير العادات السارية حتى الآن لإنقاذ الحياة الزوجية، وأنه حان الوقت للتوقف عن نمط حياة لم يعد مناسباً، وبناء نمط حياة جديد، أكثر ملاءمةً للتغييرات التي مرت بها علاقتكما الزوجية وشخصياتكما عبر السنين.
الحياة الزوجية التي بنيتموها حتى الآن تلفظ أنفاسها الأخيرة، وتتلاشى، لهذا يمكنك بناء حياة زوجية جديدة مع الشريك نفسه، انطلاقاً من أسس جديدة، ويتطلب ذلك أحياناً مجرد تغييرات طفيفة. وكما تصرح ليندا وداد بحماس: "هذا ما يجعل مغامرة الزوجين مثيرةً للغاية: إنها بلا نهاية، وفي تجديد مستمر! يكفي في بعض الأحيان أشياء زهيدة. أتذكر زوجين أنقذتهما فقط من خلال اقتراحي عليهما وضع جدول لتوزيع المهام المنزلية، وتعليقه على الثلاجة. إنه عمل بسيط؛ لكنه سمح لهما بتغيير حياتهما اليومية تماماً، وتحسين حياتهما كزوجين".
"أفضل حل هو التحدث عن المشاكل اليومية من خلال لقاء بين الزوجين خارج البيت" مثلما تنصح الأخصائية النفسية. هذا اللقاء الودي بين الزوجين يتيح لهما مشاركة لحظة مختلفة، والخروج معاً من محيط الروتين؛ المتمثل في البيت". كما يساعد التواجد على أرض محايدة أيضاً في الحفاظ على جو هادئ مناسب، خاصةً إذا كان على المرء التطرق إلى مواضيعَ صعبة وحساسة.