لماذا قد يصيبك تناول المضادات الحيوية بالقلق والاكتئاب؟

4 دقيقة
المضادات الحيوية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: يوم 15 سبتمبر/أيلول عام 1928، عاد أستاذ علم البكتيريا والطبيب الاسكتلندي ألكسندر فلمنغ (Alexander Fleming) من عطلته الصيفية ليجد طبقة من العفن الأخضر موجودة فوق الإناء الذي تركه في المختبر وكان مليئاً ببكتيريا المكورات العنقودية. وبسبب هذه الحادثة غير المقصودة تمكن فلمنغ من اكتشاف المضاد الحيوي الذي يُعد من أهم الاكتشافات في عالم الطب. ومع ذلك، فإن المضادات الحيوية، وعلى الرغم من أنها أنقذت ملايين البشر من الأمراض، تملك جانباً مظلماً لأنها تؤثر في الصحة النفسية، وهذا ما سوف نكتشفه في هذا المقال.

قد يكون من الصعب علينا في الوقت الحالي تخيل شكل الحياة قبل اكتشاف المضادات الحيوية؛ حيث كانت المستشفيات تعج بملايين المرضى المصابين بالعدوى البكتيرية، وفي الوقت الذي حصد فيه مرض الجدري أكثر من 56 مليون شخص بعد ظهوره عام 1520؛ فيما أودت الكوليرا بحياة أكثر من مليون شخص حول العالم في الفترة الزمنية بين عامَيّ 1817 و1923، لا يمكننا إنكار حقيقة أن المضادات الحيوية كانت الترياق السحري الذي أسهم في إنقاذ حياة الملايين من البشر حول العالم. ومع ذلك، ثمة جانب مظلم للمضادات الحيوية وهو تأثيرها في صحتك النفسية، فكيف يحدث هذا التأثير؟ الإجابة في هذا المقال.

ما المضادات الحيوية؟

تحدث أمراض العدوى البكتيرية بسبب البكتريا الضارة، والحقيقة إن الجهاز المناعي للإنسان عادةً ما يستطيع التعامل مع عدوى البكتيريا الضارة؛ ولكن في بعض الأحيان، يكون عدد البكتيريا الضارة مفرطاً ومن ثَمَّ لا يتمكن الجهاز المناعي من القضاء عليها جميعاً، وهنا يأتي دور المضادات الحيوية (Antibiotics)؛ حيث إنها أدوية تحارب العدوى البكتيرية لدى البشر.

ويمكن تناول المضاد الحيوي بعدة طرائق؛ إما عن طريق الفم وإما موضعياً مثل الكريم وإما عن طريق الحقن أو الوريد، وتجدر الإشارة إلى أن المضادات الحيوية تُستخدم فقط في حالة العدوى البكتيرية وليس العدوى الفيروسية مثل الإنفلونزا.

كيف تعمل المضادات الحيوية؟

البكتيريا هي جراثيم مجهرية تعيش داخل جسمك وعلى بشرتك وفي البيئة المحيطة بك. معظم أنواع البكتيريا لن تؤذيك؛ حيث تساعد بعض الأنواع مثل الموجود في أمعائك أو على بشرتك، في الحفاظ على صحتك؛ لكن بعض أنواع البكتيريا يمكن أن تصيبك بالمرض، وتتراوح التأثيرات من عدوى خفيفة إلى عدوى شديدة تؤدي إلى دخولك المستشفى؛ ولهذا السبب تُعد المضادات الحيوية مهمة جداً.

وتعمل المضادات الحيوية عن طريق قتل البكتيريا أو منعها من التكاثر. على سبيل المثال؛ يمكن للمضادات الحيوية أن تقتل البكتيريا عن طريق تدمير الأجزاء المهمة التي تحتاج إليها للبقاء على قيد الحياة؛ مثل جدران الخلايا أو الحمض النووي، ويمكن للمضادات الحيوية أن توقف نمو البكتيريا عن طريق منعها من إنتاج بروتينات معينة تحتاج إليها للتكاثر.

اقرأ أيضاً: مضادات الاكتئاب ليست دائماً الحل الأمثل لعلاج الاكتئاب

هل تؤثر المضادات الحيوية في صحتك النفسية؟

لا شك في أن المضادات الحيوية كانت الاكتشاف الدوائي الأكثر أهمية في القرن العشرين، وبصرف النظر عن استهدافها البكتيريا المسببة للأمراض، فإن معظم المضادات الحيوية لها آثار جانبية عديدة. ونظراً إلى أن الأمعاء تحتوي أكبر تركيز من البكتيريا في الجسم؛ فهي الهدف المناسب للمضادات الحيوية؛ حيث تشير الدراسات البحثية إلى أن الأمعاء تحتوي أكثر من 1 كغ من البكتيريا؛ أي ما يعادل تقريباً وزن الدماغ البشري، ويُطلق عليها اسم "ميكروبات الأمعاء".

وهناك عدة طرائق متوازية تتواصل من خلالها ميكروبات الأمعاء مع الدماغ؛ حيث يُعد العصب المبهم؛ ذلك العصب المتعرج الطويل الذي يربط الدماغ بالأعضاء الداخلية الأخرى، قناة رئيسةً لنقل المعلومات، فهو يرسل إشارات من الدماغ إلى الأمعاء ومن الميكروبات إلى الدماغ. وبالإضافة إلى ذلك، فإن ميكروبات الأمعاء هي التي تُنتج الناقلات العصبية المركزية الرئيسة مثل النورإيبينفرين والدوبامين والغلوتامات والهستامين.

ويمكن أن تُلحق المضادات الحيوية عن طريق الفم الضرر بميكروبات الأمعاء؛ ولكن في النهاية هذا هو هدف المضاد الحيوي: قتل البكتيريا! حيث أظهرت الدراسات أن المضادات الحيوية تقتل البكتيريا التي تُنتج الناقلات العصبية مثل الدوبامين والسيروتونين؛ ما قد يؤثر في إدراكك وحالتك المزاجية؛ ولكن الخبر السار هنا هو أنه عند التوقف عن تناول المضادات الحيوية، عادةً ما تعود حالتك النفسية إلى طبيعتها الأولى.

وفي هذا السياق، يؤكد أستاذ علم الفيروسات العصبية في كلية الطب بجامعة هارفارد، روبرت يولكين (Robert Yolken)، إن تقليل المضادات الحيوية لدى الأشخاص المصابين ببعض الأمراض النفسية يحد من نوبات الهوس، وقد بحث يولكين في سجلات استخدام المضادات الحيوية لدى المرضى الذين عولجوا في مستشفى شيبارد برات للأمراض النفسية في بالتيمور؛ حيث أُدخل 234 شخصاً إلى المستشفى بسبب الهوس، و101 بسبب الاضطراب الثنائي القطب، و70 بسبب الاكتئاب الشديد، و197 بسبب الفصام، وكان هؤلاء المرضى يتناولون المضادات الحيوية.

وقارن يولكين وزملاؤه الباحثون هؤلاء بأشخاص آخرين مصابين بالأعراض النفسية نفسها ولكن لا يتناولون المضادات الحيوية، وتوصل الباحثون إلى نتيجة مفادها أنه من بين أولئك الذين أُدخلوا إلى المستشفى بسبب الهوس، كان 18 مشاركاً أو ما نسبته 7.7%، يتناولون المضادات الحيوية، مقارنة بـ 1.3% فقط من المجموعة الثانية، وتمثل هذه زيادة بأكثر من 5 أضعاف في احتمالات الوجود في مجموعة الهوس في حالة تناول المضادات الحيوية.

من ناحية أخرى، فإن ما يزيد قليلاً على 3% من الأشخاص الذين أُدخلوا إلى المستشفى بسبب مرض الفصام، و4% من الأشخاص الذين أُدخلوا إلى المستشفى بسبب الاكتئاب الثنائي القطب كانوا يتناولون المضادات الحيوية.

اقرأ أيضاً: هل حقاً تؤثر التقليلية في الصحة النفسية؟

تعرَّف إلى العلاقة بين المضادات الحيوية والاكتئاب

يوضح استشاري الطب النفسي، عبد الإله بن خضر العصيمي، إن تناول المضادات الحيوية دون داعٍ طبي أو في حالة العدوى الفيروسية لن يجعلك تشعر بالتحسن، وفي الوقت نفسه، سيضر بصحتك النفسية؛ إذ يمكن أن يصيبك بالقلق والاكتئاب.

وهذا الرأي تدعمه دراسة طبية نُشرت في مجلة البحوث النفسية الجسدية (Journal of Psychosomatic Research) خلال شهر يناير/كانون الثاني 2023؛ حيث أكدت هذه الدراسة البحثية إن تناول المضادات الحيوية قد يزيد خطر الإصابة بالاكتئاب بنسبة 20% على الأقل؛ وذلك لأن البكتيريا النافعة في الجهاز الهضمي تؤثر في عمل الجهاز العصبي المركزي.

ومن ناحية أخرى، هناك بعض الأعراض الجانبية النفسية للمضادات الحيوية، ففي دراسة بحثية نشرتها المكتبة الوطنية الأميركية للطب (The National Library of Medicine) على مضاد الفلوروكينولونات الحيوي، أبلغ 94 مريضاً عن الآثار الجانبية النفسية التالية:

  1. اضطراب القلق (72%).
  2. الاكتئاب (62%).
  3. الأرق (48%).
  4. نوبات الهلع (37%).
  5. الضعف الإدراكي (33%).

وفي النهاية، توصلت هذه الدراسة إلى نتيجة مفادها أن المضادات الحيوية تزيد خطر الإصابة بالقلق والاكتئاب؛ وذلك لأن ميكروبات الأمعاء تؤثر في نظام هرمون السيروتونين. وتجدر الإشارة إلى أن تناول الأم الحامل للمضادات الحيوية يمكن أن يؤثر لاحقاً في حياة الطفل، وذلك من خلال زيادة معدل إصابته بالقلق والاكتئاب في المستقبل.

المحتوى محمي