خداع ومراوغة وتلاعب وصراعات لا تنتهي، لم يعد بمقدور سارة التعايش مع هذه العلاقة السامة التي تربطها بوالدتها؛ ما جعلها تلجأ لجاك سالومي؛ عالم النفس الاجتماعي، طلباً للمساعدة.
رسالة سارة
أكتب لك هذه الرسالة بسبب العلاقات التصادمية [المتباينة] التي غالباً ما تجمعني بوالدتي. لدي أخت تكبرني؛ لكنها لم تتصرف معها قط بنفس الطريقة، وهما على قدر كبير من التفاهم معاً.
بينما منذ بلوغي سن 13-14، بدأت -على سبيل المثال- في قراءة دفتر يومياتي، وأسوأ ما في الأمر أنها لم تعترف أبداً بذلك صراحةً، بينما كانت تذكر بعض ما ورد به أمام جميع أفراد الأسرة، وتتحدث عن أشياء لم يكن بوسعها قراءتها سوى في ذاك الدفتر. وعندما كنت أذهب لقضاء ليلة لدى بعض الصديقات، كانت تتجسس عليّ، وتبقى قابعةً تحت النوافذ، ومختبئةً في سيارتها ... لا تعليق!
وهي تبرر ذلك بقلقها بشأني؛ لكنني لم أمنحها أبداً الفرصة للقلق، فقد كنت دائماً فتاةً "مهذبةً" إلى حد كبير، ومتفوقةً جداً في المدرسة، ثم في دراستي الجامعية. يبدو لي -بالأحرى- أن لديها هوساً مرضياً بحياتي الخاصة، حتى أنها في بعض الأحيان؛ كانت تتمادى في الأمر، وتسعى لتنبيه أولياء أمور أصدقائي في المدرسة الثانوية، بينما تذرف الدمع، وتخبرهم أنني كنت أتعاطى المخدرات! ولم يكن لهذا الأمر أي أساس من الصحة؛ لكنني أعتقد أنها كانت تسعى لتسول الشفقة من الآخرين... يا لها من أم مسكينة، ضحية لتلك الابنة المشاغبة المثيرة للمشكلات!
لطالما أثار هذا السلوك المخادع غضبي، ومنذ استقلالي بحياتي (إذ أعيش على بُعد 600 كيلومتراً منها)، وجدت طريقة أخرى؛ إذ جعلت محققاً خاصاً يتتبع خطاي، وأخذت تتلصص على حساباتي المصرفية، وتكيل السباب عبر الهاتف لوالديّ صديقي (وتهددهما وتتوعد لهما، وتفعل كل ما في وسعها فعله).
لذا أصبح لدي تجاهها شعور عميق بالرفض، يدفعها بالطبع لتشتكي وتتذمر منه... حاولت وضع الأمور في نصابها الصحيح، لأنني أعلم أنها لم تمر بطفولة سهلة، وشجعتها على إجراء تحليل لفهم أسباب سلوكها؛ لكنها رفضت الاعتراف بأن لديها مشكلةً، وألقت بالخطأ بالكامل على عاتقي، وقالت إن كل ما فعلته كان من حقها فعله، لأنها كانت قلقة، إلخ...
لذلك قررت قطع العلاقات في شهر آب/أغسطس الماضي، ومنذ ذلك الحين شعرت بالارتياح، كما أشعر أخيراً بالحرية؛ لكن لا يزال يراودني شعور بأن أحدهم يتجسس علي... وعائلتي كذلك تحملني عبء هذه القطيعة، وتنجح في إشعاري بالذنب، بينما لا أريد التواصل معها من جديد، طالما لم تعمل على تغيير سلوكياتها.
هل ترى أنني مخطئة؟ ماذا أفعل لتحسين الأوضاع؟ أرجو الرد، وأود معرفة ما لي وما علي في هذا الخصوص.
اقرأ أيضا: طفلي يضربني، كيف أتعامل معه؟
رأي جاك سالومي
من خلال ما ذكرتيه من تجربتك الحياتية، منذ طفولتك مروراً بفترة المراهقة ووصولاً لعمر الشباب؛ لطالما عرفتي والدتك مسيطرةً، ومتطفلةً، ومخادعةً، بالتالي فهي بشكل أو بآخر سامة ومؤذية بالنسبة لكِ. وبحسب وصفك، فسلوكياتها تبدو مرضيةً، وتكاد تكون مستمرةً إلى حد ما على مدار عدة سنوات.
1) احمي نفسكِ
للهروب من هذا، فقد حاولتِ الابتعاد عنها، وعلى الرغم من كل شيء؛ استمر التطفل والسيطرة والتلاعب بكل ما يحيط بكِ. اعتادت جدتي أن تقول: "أينما ذهبنا وأينما تنقلنا ومهما جرينا بأقصى سرعة، ستظل مؤخرتنا موجودةً دائماً وراءنا، وملتصقةً بنا"، وفي اللغة الفرنسية، يُشير لفظ المؤخرة أيضاً للجذور!
يبدو أنه من الصعب عليكِ القبول والاعتراف (والإدراك) بأنه يمكن لمن أنجبتك أن تظل تتعامل بسلبية تجاهك، وأن الأمر متروك لكِ ليس فقط للهرب؛ ولكن أيضاً لاتخاذ إجراءات ملموسة لحماية نفسك. لقد فعلتِ العكس تقريباً: حاولتِ أن تتفهمي، وتتسامحي، وتساعدي والدتك بتشجيعها على التغيير، وتتعرفي على أسباب سلوكها غير المألوف وغريب الأطوار.
2) أين والدكِ من كل ذلك؟
فضلاً عن ذلك؛ لم يأتِ ذكر والدك على الإطلاق، مع أن أحد أدواره الأساسية تحديداً يتمثل في محاولة الفصل الصعب أحياناً بين الأم من ناحية، والأطفال من ناحية أخرى، ويبدو الأمر في مجمله كما لو كنتِ ابنة والدتك فقط!
مثل هذه المواقف المتكررة والممنهجة والمستمرة، جعلت الأطفال (أو الأطفال من زيجات سابقة) يشككون في أصولهم، وليس المقصود هنا أصولهم الجينية؛ بل الرمزية، ويتساءلون: " تُرى من أين أتينا؟".
3) مواجهة هذا الإزعاج
يتطلب الوضع -من وجهة نظري- اللجوء المُحبب لطرف ثالث ليحكم بينكما. قد يكون هذا الطرف الثالث سلطةً قضائية؛ عن طريق الإبلاغ عن التعرض لكِ ومطاردتك (أما ما يتعلق بحساباتك المصرفية، فينبغي أن يثير ذلك قلقك بشأن التداعيات والآثار المتعددة المترتبة على هذا التطفل).
من ناحيتي أرى أنه إلى جانب الابتعاد الذي لجأتِ له بالفعل؛ بوسعك اتخاذ موقف أكثر وضوحاً في مواجهة جميع أفراد عائلتك؛ وذلك من خلال خطاب مفتوح -على سبيل المثال- تذكرين فيه المضايقات التي تتعرضين لها، وتوضحين فيه موقفك، بأن الأمر ليس رفضاً لوالدتك بقدر ما هو حماية لا غنى عنها لذاتك.
وأشجعك على المضي قدماً في طريق الحياة الذي رسمتيه لنفسك …
جاك سالومي