ملخص: منذ عدة أيام، كنت أتابع مسلسلاً كورياً جميلاً. ومن شدة انبهاري بالأحداث، لم أتوقف عن المشاهدة منذ المساء وحتى حل الصباح. حين رأيت أشعة الشمس تتسلل من خلف النافذة، داهمتني دفقة من السعادة والمتعة ظننتها بسبب المسلسل؛ ولكن ثمة دراسة علمية أجرتها جامعة نورث وسترن (Northwestern University) توصلت من خلالها إلى نتيجة مفادها أن الحرمان من النوم لمدة ليلة واحدة يؤدي إلى زيادة المتعة، ويمكن أن يساعد على علاج الاكتئاب، وإليكم تفاصيل الدراسة في هذا المقال.
محتويات المقال
هل يؤدي الحرمان من النوم إلى علاج الاكتئاب؟
أجرى فريق علم الأحياء العصبية بجامعة نورث وسترن (Northwestern University) دراسة بحثية على الفئران؛ حيث فحص الباحثون سلوكياتهم بعد حرمانهم من النوم لمدة ليلة واحدة. وتوصلت الدراسة إلى نتيجة مفادها أن الحرمان من النوم طوال الليل أدى إلى زيادة إطلاق هرمون الدوبامين؛ وهو ناقل عصبي وهرمون مرتبط بالمتعة. ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب؛ بل اكتشفوا أن أدمغة الفئران أعادت توصيل نفسها؛ ذلك أنّ الخلايا العصبية في قشرة الفص الجبهي في الدماغ تشكّل نقاط اشتباك عصبي لاستقبال الدوبامين.
ويؤكد الباحثون إن النتائج التي توصلوا إليها يمكن أن تساعد على فهم كيفية حدوث التحولات المزاجية بصفة طبيعية، وكيفية عمل مضادات الاكتئاب السريعة المفعول مثل الكيتامين. وقد أوضحت أستاذة علم الأحياء العصبية المشاركة في الدراسة، يفغينيا كوزوروفيتسكي (Yevgenia Kozorovitskiy)، إن الحرمان من النوم لمدة ليلة واحدة فقط قد يساعد على علاج الاكتئاب؛ أما قلة النوم على نحو متواصل أو مزمن فلها آثار مضرة بالغة.
اقرأ أيضاً: ما العادات التي تساعدك على الوقاية من الاكتئاب؟
كيف يمكن فك خيوط العلاقة المتشابكة بين النوم والاكتئاب؟
يشتبك النوم في علاقة معقدة مع الاكتئاب. على سبيل المثال؛ فإن الأشخاص الذين يعانون قلة النوم على نحو أساسي، أكثر عرضة إلى الإصابة بالاكتئاب بنحو 10 أضعاف من الأشخاص الذين يحصلون على نوم جيد ليلاً. ومن بين الأشخاص المصابين بالاكتئاب، يواجه 75% صعوبة في النوم.
لكن ما الذي يأتي أولاً، صعوبات النوم أم الاكتئاب؟ وفقاً لما ذكره الباحث المتخصص في النوم، باتريك فينان (Patrick Finan)؛ يمكن لأي منهما أن يكون نقطة البداية. قد تؤدي قلة النوم إلى خلق صعوبات في تنظيم العواطف تجعلك بدورها أكثر عرضة إلى الاكتئاب في المستقبل، ويرتبط الاكتئاب نفسه بصعوبات النوم. وفي أثناء نومك، يمر دماغك عبر 4 مراحل هي:
- حركة العين غير السريعة (N1): وهي الفترة الانتقالية بين اليقظة والنوم، وتستمر من 5 إلى 10 دقائق يكون خلالها الدماغ نشطاً نسبياً، وينتج موجات ثيتا العالية السعة؛ وهي موجات دماغية بطيئة تتولد على نحو أساسي في الفص الأمامي للدماغ.
- حركة العين غير السريعة (N2): يقضي الأشخاص نحو نصف إجمالي وقت نومهم خلال المرحلة الثانية من حركة العين غير السريعة التي تستمر مدة 20 دقيقة تقريباً في كل دورة. وخلال هذه المرحلة، يجمع دماغك الذكريات الجديدة التي اكتسبتها في اليوم السابق ويعالجها.
- حركة العين غير السريعة (N3): هذه هي فترة النوم العميق؛ حيث قد تفشل أي ضوضاء أو نشاط بيئي في إيقاظ الشخص النائم. وخلال هذه المرحلة من النوم العميق، يبدأ جسمك إصلاحاته الجسدية؛ حيث إن الحصول على ما يكفي من نوم حركة العين غير السريعة في المرحلة 3 يجعلك تشعر بالانتعاش في اليوم التالي.
- حركة العين السريعة: تبدأ هذه المرحلة عادة بعد نحو 90 دقيقة من النوم. في أثناء نوم حركة العين السريعة، يشبه نشاط دماغك إلى حد كبير نشاطه في أثناء ساعات الاستيقاظ.
والجدير بالذكر أن الأشخاص المصابين بالاكتئاب يدخلون مرحلة نوم حركة العين السريعة على نحو مبكر. في بعض الأحيان، قد يدخل إليها المكتئبون بعد نحو 45 دقيقة من النوم؛ وهذا يعني أن الدورة الأولى من نوم حركة العين غير السريعة تبلغ نصف المدة المعتادة؛ حيث تحل حركة العين السريعة محل النوم العميق. ولهذا؛ أكد بعض الباحثين إن زيادة نوم حركة العين السريعة تؤدي إلى الاكتئاب لأن الحصول على قسط كبير من نوم حركة العين السريعة يقلل فرصة الأشخاص في الحصول على نوم هادئ؛ ومن ثم يستيقظون صباح اليوم التالي في حالة إرهاق.
هل تؤدي كثرة النوم إلى الاكتئاب أم قلته هي التي تفعل ذلك؟
تؤكد أستاذة علم النفس، ميشيل دريروب (Michelle Drerup)، إنه وعلى الرغم من أن قلة النوم ترتبط بالاكتئاب أكثر من النوم الزائد، فإن كثرة النوم أيضاً يمكن أن تكون لها علاقة بالاكتئاب. وتضيف دروب إن النوم الزائد هو أحد الأعراض لدى 15% من الأشخاص المصابين بالاكتئاب، وعادة ما يرتبط فرط النوم بالاكتئاب غير النمطي؛ وهو نوع محدد من الاكتئاب يمكن أن يتحسن فيه مزاج الشخص استجابةً إلى حدث إيجابي؛ لكن على الرغم من أن مزاجه قد يتحسن، فإن ذلك يكون مؤقتاً فقط، ويظل الاكتئاب الجذري قائماً.
وفي حين أن النوم الزائد يمكن أن يكون أحد أعراض الاكتئاب غير النمطي؛ إلا أن ثمة عوامل مختلفة تسهم أيضاً في حدوثه؛ حيث توضح دروب إنه عندما يشعر شخص ما بالاكتئاب، فقد يكون نومه أحد أنماط الهروب؛ حيث يفكر قائلاً: "ليس لديّ أي شيء أتطلع إليه، فلماذا أبدأ يومي؟".
وفي الوقت نفسه، يرى أستاذ الطب النفسي جمال فرويز إن قلة النوم أيضاً ترتبط بالاكتئاب؛ وذلك لأن عدم الحصول على القسط الكافي من النوم يؤثر سلباً في الصحة العقلية مصعّباً التحكم في العواطف ومعالجتها، والأشخاص الذين يعانون قلة النوم هم الأكثر عرضة إلى الشعور بأعراض الاكتئاب والقلق والتوتر والتغيرات المزاجية.
اقرأ أيضاً: "البطانية المثقلة" حل فعال في مواجهة اضطرابات النوم
كيف يمكن التعامل مع اضطرابات النوم المرتبطة بالاكتئاب؟
إذا كنت تعاني اضطرابات النوم والاكتئاب، فلا تفترض أن العلاج الطبي لإحدى الحالتين سيعالج الأخرى تلقائياً، فقد تؤدي علاجات الاكتئاب مثل مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية والأدوية الأخرى، إلى تحسين حالتك المزاجية وتوقعاتك؛ ولكنها قد لا تكون كافية لتحسين نومك؛ وعليه فقد تؤدي مشكلات النوم المستمرة لدى الأشخاص الذين يخضعون إلى علاج الاكتئاب، إلى خطر الانزلاق نحو الاكتئاب مرة أخرى.
ويمكن حل هذه المعضلة عن طريق الاستعانة بالعلاج المعرفي السلوكي للأرق، جنباً إلى جنب مع علاج الاكتئاب. فمن وجهة نظر الأشخاص المصابين بالاكتئاب، يرتبط النوم بالمشاعر السلبية، ويمكن أن يبدو النوم السيئ في أثناء الليل وكأنه امتداد طبيعي ليوم سيئ أو مزاج سيئ، وبخاصة عندما يصبح عادة، وهنا يأتي دور العلاج المعرفي السلوكي الذين يعيد تشكيل هذه الأفكار السلبية بأخرى إيجابية.