في اليوم الدولي للتسامح: هل يمكن أن يكف البشر عن خوض الحروب؟

4 دقائق
خوض الحروب
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: يحتفل العالم سنوياً باليوم العالمي للتسامح في 16 نوفمبر/تشرين الثاني، وقد بدأ الاحتفال بهذا اليوم للمرة الأولى خلال عام 1996 بدعوة من الأمم المتحدة التي تلتزم بتعزيز التفاهم والتسامح بين الثقافات والشعوب؛ لكن هل بالفعل هناك تسامح بين الشعوب المختلفة؟ إذاً لماذا تندلع الحروب؟ وهل يمكن أن يكف البشر يوماً عن خوض الحروب؟ الإجابة في هذا المقال.

دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1996، الدول الأعضاء إلى الاحتفال باليوم العالمي للتسامح في 16 نوفمبر/تشرين الثاني، ومن يومها حتى الآن، يُحْتَفَل بهذا اليوم سنوياً من أجل تعزيز الوعي بقيم التسامح في المجتمع ولجعل العالم مكاناً أفضل للعيش فيه حيث يمكن للجميع احترام الثقافات والمعتقدات والأفكار المختلفة، وتزامناً مع اليوم العالمي للتسامح، لماذا يخوض البشر الحروب؟ وهل يمكن أن يكفوا عن ذلك يوماً ما؟ الإجابة في هذا المقال.

ما الأسباب النفسية التي تدفع البشر إلى الحرب؟

يؤكد أستاذ علم النفس بجامعة ليدز ميتروبوليتان (Leeds Metropolitan University)، ستيف تايلور (Steve Taylor)، إن قراءة أي كتاب عن تاريخ العالم ستجعلنا نصل إلى نتيجة عامة مفادها أن البشر لن يعيشوا أبداً في سلام مع بعضهم بعضاً، ويوضح تايلور أهم الأسباب النفسية التي تدفع البشر إلى خوض الحروب وهي: 

  • البشر كائنات أنانية بطبيعتها: يوضح علم النفس التطوري إنه من الطبيعي أن تشن المجموعات البشرية حرباً على بعضها بعضاً لأننا نتكون من جينات أنانية؛ لذا فإننا نحاول الحصول على الموارد التي تساعدنا على البقاء ونتقاتل عليها مع المجموعات الأخرى. ولأن المجموعات الأخرى  من المحتمل أن تعرض بقاءنا إلى الخطر؛ يتعين علينا التنافس والقتال معها.
  • هرمونات الرجال: الرجال بطبيعتهم مستعدون بيولوجياً لخوض الحروب بسبب وجود هرمون التستوستيرون داخل أجسامهم؛ حيث يُعتقد أن هذا الهرمون مرتبط بالعدوان والعنف. 
  •  الشعور بالهدف والمعنى: كان ويليام جيمس (William James) أول أستاذ علم نفس يدرس الحرب، وخلال عام 1911، كتب جيمس مقالاً بعنوان "المعادل الأخلاقي للحرب" (The Moral Equivalent of War) وذكر من خلاله إن الحرب عادة ما تندلع بسبب آثارها النفسية الإيجابية على المستوى الفردي والجماعي. فيما يخص المستوى الفردي، فالحرب تجعل الأشخاص يشعرون بالحيوية واليقظة والهدف، وعلى حد تعبير جيمس، فإنها تنقذ الأشخاص من انحطاط الحياة اليومية الرتيبة، وتوفر لهم المعنى.
  • توفر التماسك الاجتماعي: يوضح جيمس إن الحرب على المستوى الاجتماعي تربط الناس معاً؛ ليس فقط الجيش المنخرط في المعركة ولكن المجتمع بأسره، وهنا توفر الحرب التماسك الاجتماعي، ناهيك بأن المجهود الحربي يلهم المواطنين على التصرف بشرف في خدمة الصالح العام.
  • التعبير عن الصفات الإنسانية العليا:  تتيح الحرب للأفراد التعبير عن الصفات العليا مثل الانضباط والشجاعة وحب الوطن والتضحية بالنفس كما أنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالهوية، والبشر بصفة عامة لديهم حاجة قوية إلى الشعور بالانتماء.
  • الرغبة في إخضاع الآخرين: أحد العوامل الواضحة لاندلاع الحروب هو الرغبة العارمة في زيادة الثروة والمكانة والسلطة، والرغبة في قهر الآخرين وإخضاعهم والاستيلاء على أراضيهم ومواردهم مثل المعادن الثمينة والنفط.
  • التحرر من القيود: نشرت الجمعية الأميركية للطب النفسي (American Psychiatric Association APA)، دراسة بحثية وضحت من خلالها إن الحرب تزيل إلى حد كبير القمع الثقافي، وتسمح للغرائز بالتعبير بكامل قوتها. وفي اللاوعي، يستمتع الإنسان حقاً بإلقاء القيود جانباً والسماح لنفسه برفاهية التعبير غير المقيد عن ميوله الحيوانية البدائية. وعلى الرغم من الأعراف الاجتماعية والعادات والمؤسسات شيدها البشر بالأساس من أجل التقدم والتحضر الثقافي، فإنهم يشعرون بالقمع في وجود تلك القيود، والحرب تخفف بشدة من قيودهم، وتسمح لهم بالتحرر.

اقرأ أيضاً: كيف تتأثر نفسية الأشخاص الذين يعايشون الحروب؟ وما سبل حمايتهم؟

هل يمكن أن يكف البشر عن خوض الحروب؟

 توفي 30 مليون شخص في الحروب التي دارت رحاها بين عامَيّ 1740 و1897، وتتراوح تقديرات عدد القتلى في الحرب العالمية الأولى بين 5 ملايين إلى 13 مليون شخص. وقد توفي نحو 50 مليون شخص خلال الحرب العالمية الثانية، وعلى الرغم مما تخلفه الحروب من دمار هائل وعدد كبير من القتلى، فإن البشر لا يمكنهم التوقف عن خوض الحروب وذلك للأسباب التالية: 

  • أنواع شخصيات بعض من يخوض غمار السياسة:  يمكن أن تندلع الحرب بسبب بعض الأشخاص الذين يخوضون غمار السياسة، وهناك بعض الخصائص في هؤلاء الأشخاص قد تسبب الحروب مثل النرجسية والاعتلال النفسي والكذب، ولعل الحالة النفسية لدى بعض القادة السياسيين هي التي تؤدي إلى الحروب، وبسبب هؤلاء ربما لن تنتهي الحروب أبداً.
  • الطبيعة العنيفة للبشر: من الضروري القبول والاعتراف بأن البشر كائنات عنيفة، وعادة ما تمارس هذا العنف على نحو فردي أو جماعي، ناهيك بأن غريزة البقاء هي أولوية عالمية؛ ولذلك لا يمكننا القول إن التفاهم الجيد والسلام يمكن أن يستمرا إلى الأبد بين المجتمعات المختلفة.
  • التحول الإدراكي لمعنى الشر: توصلت دراسة بحثية معمقة أجرتها دورية الطب العسكري (Military Medicine) حول الظواهر النفسية للمجتمع قبل الحرب وفي أثنائها، إلى نتيجة مفادها أن ثمة طرائقَ مختلفة يتصور بها البشر الواقع وطبيعة العالم الذي يعيشون فيه وتأثيرات هذه المفاهيم في شعورهم وسلوكياتهم. وعندما تندلع الحرب، فإن تصورهم للواقع يختلف تماماً عن تصورهم الشائع وقت السلم، فهناك عدو معين يجسّد الشر، وسحق هذا العدو أمر مقبول تماماً. ليس هناك أبرياء، لا يوجد سوى مَن هم في صفنا، والذين يقفون في أي مكان آخر هم ضدنا، وهذا التحول المعرفي والإدراكي لمعنى الشر يجعل عملية إيقاف الحروب أكثر صعوبة.
  • الرغبة في تحقيق الذات: توضح الدراسة البحثية التي أجرتها دورية الطب العسكري إن الرجال الذين خططوا لجرائم الحرب في فيتنام كانوا أساتذة جامعات وأبطال حرب وعلماء، وهذا ربما يعلمنا أن الذكاء والتطور لم يمنعا البشر من ارتكاب الحروب والفظائع، وأن الإنسان سوف يظل عدوانياً ليس بسبب الإحباط والخوف؛ ولكن رغبةً في تحقيق الذات والفرح بالانتصار البطولي على الشر. وفي سياق متصل، يفرّق أستاذ الدراسات الثقافية، حاتم الجوهري، في كتابه "سيكولوجية الصراع السياسي"، بين الدافع الذاتي والدافع المبدئي أو الأخلاقي. في البداية قد يشارك بعض الأفراد في الحروب انطلاقاً من دافع أخلاقي؛ ولكن بمرور الوقت، يتحول الدافع فيصبح ذاتياً، وهو ما ذكرته الدراسة البحثية حين تحدثت عن الجنود الذين يشاركون في عمليات التعذيب.
  • الدول خصصت بالفعل ميزانيات ضخمة على الإنفاق العسكري: تشن الدول الحروب؛ لأنها خصصت لها بالفعل الكثير من الموارد. فعلى سبيل المثال؛ يذهب أكثر من نصف الإنفاق الفيدرالي التقديري من أجل تمويل الجيش الأميركي وصناعة الحرب. إن المجمع الصناعي العسكري عبارة عن آلة مربحة للغاية، والقوات المسلحة هي الطفل المفضل لدى أغلب الدول؛ ولهذا يغدقون عليها معظم الموارد.

اقرأ أيضاً: كيف تتابع أخبار الحروب، دون أن تفقد سلامك النفسي؟

في النهاية، لا توجد أي جوانب إيجابية في الحروب؛ إذ بالإضافة إلى تسببها بموت الناس وإصابتهم، فإنها دمرت حياة أعداد كبيرة من الجنود المشاركين فيها بسبب إصابتهم باضطراب ما بعد الصدمة؛ إنهم يعانون القلق والاكتئاب والكوابيس مدى الحياة، ومن الصعب عليهم الاستمرار في مهنة عادية، هذا بخلاف المدنيين الذين يدفعون تكاليف باهظة الثمن للحرب.

المحتوى محمي