نستطيع من خلال العلاقات الاجتماعية القوية أن نعيش حياة أطول بصحة أفضل.
محاور العلاقات الاجتماعية
في البداية، يُعرّف العلماء العزلة الاجتماعية على أنها الغياب النسبي للعلاقات الاجتماعية، ويُعرّف الاندماج الاجتماعي على أنه المستوى الكلي للمشاركة في العلاقات الاجتماعية. وتعني جودة العلاقات الاجتماعية جميع الجوانب الإيجابية والسلبية التي قد تتمثل في الدعم العاطفي أو الاختلاف والتوتر.
ماذا علمتنا الدراسات عن العلاقات الاجتماعية القوية؟
تؤثر العلاقات الاجتماعية سواءً بعددها أو جودتها بشكل ملحوظ على الصحة النفسية والعقلية، والسلوكيات الصحية، والصحة البدنية، وخطر الوفاة.
تشير الدراسات إلى أن العلاقات الاجتماعية تحمل تأثيراً قوياً على الصحة يوازي الحصول على نوم كافي، وتناول غذاء صحي متوازن، وعدم التدخين. بالإضافة إلى أن العلاقات الاجتماعية تحفّز أجسامنا على سلوكيات مملؤة بالعطف والاهتمام مما يساهم في إفراز الهرمونات التي تخفف من القلق (Stress-Reducing Hormones). تتناول بعض الدراسات عدم وجود علاقات اجتماعية قوية مما يساهم في نشوء حالات الاكتئاب لدى بعض الناس، أو تدهور الإدراك في مراحل متأخرة من العمر، أو حتى التسبب في ارتفاع معدل الوفيات. وفي دراسة أخرى، يوازي ألم العزلة الاجتماعية الألم الجسدي حيث يظهران في نفس المناطق في الدماغ.
وجدت أحد الدراسات أن تأثير انعدام العلاقات الاجتماعية القوية قد ساهم في رفع الوفيات المبكرة من جميع الأسباب حوالي 50% حيث يفوق هذا تأثير انعدام النشاط البدني أو حتى تدخين ما يزيد عن 15 سيجارة كل يوم. وتشير دراسة إلى أن العلاقات الاجتماعية القوية السعيدة التي تغلفها مشاعر الحب تزيد من سعادتنا وتجعل أجسامنا متحفزة لإفراز هرمونات مثل الاوكسيتوسين (oxytocin) الذي يزيد من ترابطنا وراحتنا في تلك العلاقات. ووجدت دراسة أن الدماغ يُظهر اشتياقنا للتفاعل مع الآخرين في نفس المناطق التي يَظهر فيها اشتياقنا للطعام.
أهمية الدعم الاجتماعي
الدعم الاجتماعي العاطفي في العلاقات الاجتماعية الأسرية وغير الأسرية أظهر أنه علامة فارقة في تعزيز صحة الأفراد في أوقات الأزمات بعد حصولنا على نتائج واحدة من أطول الدراسات في القرن العشرين. إن الحصول على دعم اجتماعي عاطفي شكّل الفارق فيما يخص العثور على معنى وهدف خلال تلك الأوقات العصيبة. بالإضافة إلى أن الدعم الاجتماعي العاطفي يحمل أثراً مماثلاً في العلاقات الاجتماعية التي تتسم بوجود أوقات هانئة. لذا نستطيع الفهم أن الدعم الاجتماعي العاطفي أيًّا كان وقته يتسم بقدرته على تعزيز صحتنا.
إدارة العلاقات الاجتماعية واستثمارها
بناءً على ما سبق، يمكننا جميعاً أهمية القدرة على إدارة العلاقات الاجتماعية واستثمارها حتى ننعم بالسعادة، والصحة، والعلاقات العميقة والمستدامة والمليئة بالعواطف المتبادلة. وفيما يلي سنتعرف على استراتيجيات ترسم لنا طريقاً يمكن إتباعه حتى نحصل على النتائج المرجوة (بتصرف من أنتوني سيلارد):
- الوعي في العلاقات الاجتماعية
علينا أن نعى أن إثبات المكانة يكون بالأفعال، لذا علينا أن ندرك ونعرف مستوى التقارب الذي يسعى له الطرف الآخر حتى نتفهّم رغباته، وفي نفس السياق، علينا أن ندرك ونعرف مستوى التقارب الذي نصبو له ونفهم رغبتنا التي نسعى من خلالها لبناء هذه العلاقة. يساعدنا هذا الوعي في العلاقات الاجتماعية على تحديد تصرفاتنا وسلوكياتنا التي سوف تنعكس بلا شك على قدرتنا على التواصل مع الآخرين.
- العدل في العلاقات الاجتماعية
إن التقارب والتباعد شيءٌ طبيعي حيث من الممكن أن تلاحظ تغيّر مستوى التقارب من وقت لآخر. وتنشأ هذه التغيرات في مستوى التقارب نتيجة ديناميكية العلاقات الاجتماعية التي تتأثر باحتياجاتنا الخاصة. فعلى سبيل المثال، تتضمّن هذه الاحتياجات الخاصة الجدارة، والتضمين، والاستقلالية ومجموعة كاملة من الدوافع البشرية الأخرى التي يمكن فهمها حينما نمر بها. نستنتج مما سبق أن علينا تعديل كيفية التعامل مع الأصدقاء بناءً على فهمنا الحدسي لهذه الاحتياجات الخاصة.
- تلبية الاحتياجات في العلاقات الاجتماعية
تسمو بنا العلاقات العميقة المستدامة والمليئة بالعواطف وتجعلنا أكثر صحة مما يتطلب منّا أن نلتزم نحو الآخرين بفعل شيئَين: الأول أن نعمل جاهدين على تقدير رغبات أصدقاءنا أو أفراد عائلتنا عندما يبدون رغبتهم في أن يكونوا قريبين منّا. الثاني، أن نعمل جاهدين على تقدير رغبات أصدقاءنا أو أفراد عائلتنا عندما يريدون منّا تفهّم حاجتهم إلى البعد الاجتماعي. نستطيع من خلال تلبية الاحتياجات في العلاقات الاجتماعية أن نَسعد في ذواتنا و أن نُسعد من حولنا بمقدار تفهّمنا بما يلزم علينا القيام به وتفاهمنا معهم اللامحدود الذي يبعث السرور في الأنفس.
- اختيار الأشخاص الأنسب لبناء علاقات اجتماعية
إن تحرير أنفسنا من تأسيس علاقات فيها مشاعر غير متبادلة من شأنه أن يغيّر حياتنا. ويتعاظم الأثر عند تحرير أنفسنا من تقدير وبذل جهد مع أشخاص لا يشاركوننا رغبتنا في التقارب، أو حتى تحرير أنفسنا من الأشخاص الذين ليس لديهم قدرة على إنشاء علاقة صحية وعميقة معنا. وفي ظل الحرص على اختيار الأشخاص الأنسب لبناء علاقات اجتماعية، يمكننا استمرار السعي في أن نكون أصدقاء حقيقيين وأن نبادر في تطوير العلاقات العميقة المستدامة والمليئة بالعواطف التي تملأ حياتنا.
- التقدير الانتقائي في العلاقات الاجتماعية
علينا أن نعقد العزم بتكريس المزيد من الوقت والجهد من أجل علاقاتنا مع الآخرين وللأشخاص الذين كنّا نعتبر صداقتهم أمر مسلّم به. وفي نفس السياق، علينا أن نعقد العزم بتكريس وقت وجهد أقل لأولئك الذين لم يبادلونا بالمثل. يمكننا التقدير الانتقائي في العلاقات الاجتماعي من رؤية ما يمكن للأشخاص الآخرين أن يقدّموه لنا وليس ما نتمنى أن يقدّمونه لنا؛ وبهذا نتمكن من موازنة جهودنا مع ما نشعر به تجاههم ونحقق اتزان وانسجام في علاقاتنا.
ختاماً، لا يمكن أن نغفل عن تأثير العلاقات الاجتماعية القوية سلباً وإيجاباً. ومن المهم التنويه على أهمية وجود علاقات اجتماعية قوية تعزز صحتنا النفسية والعقلية والجسدية مما يحتّم علينا استمرار السعي في الحصول على تلك العلاقات العميقة المستدامة والمليئة بالعواطف.